المسألة الرابعة : قوله : ( أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) للعلماء في لفظ ( أو ) في هذه الآية قولان :
الأول : أنها للتخيير وهو قول في رواية ابن عباس وقول علي بن أبي طلحة الحسن وسعيد بن المسيب ، والمعنى أن الإمام إن شاء قتل وإن شاء صلب ، وإن شاء قطع الأيدي والأرجل ، وإن شاء نفى ، أي واحد من هذه الأقسام شاء فعل . وقال ومجاهد في رواية ابن عباس عطاء : كلمة ( أو ) ههنا ليست للتخيير ، بل هي لبيان أن الأحكام تختلف باختلاف الجنايات ، فمن قتل ، ومن اقتصر على القتل قتل وصلب ، ومن قتل وأخذ المال قطع يده ورجله من خلاف . ومن اقتصر على أخذ المال نفي من الأرض ، وهذا قول الأكثرين من العلماء ، وهو مذهب أخاف السبل ولم يأخذ المال رحمه الله ، والذي يدل على ضعف القول الأول وجهان : الشافعي
الأول : أنه لو كان المراد من الآية التخيير لوجب أن يمكن الإمام من الاقتصار على النفي ، ولما أجمعوا على أنه ليس له ذلك علمنا أنه ليس المراد من الآية التخيير .
والثاني : أن هذا المحارب إذا لم يقتل ولم يأخذ المال فقد هم بالمعصية ولم يفعل ، وذلك لا يوجب القتل كالعزم على سائر المعاصي ، فثبت أنه لا يجوز حمل الآية على التخيير ، فيجب أن يضمر في كل فعل على حدة فعلا على حدة ، فصار التقدير : أن يقتلوا إن قتلوا ، أو يصلبوا إن جمعوا بين أخذ المال والقتل ، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن اقتصروا على أخذ المال أو ينفوا من الأرض إن أخافوا السبل ، والقياس الجلي أيضا يدل على صحة ما ذكرناه ؛ لأن القتل العمد العدوان يوجب القتل ، فغلظ ذلك في قاطع الطريق ، وصار القتل حتما لا يجوز العفو عنه ، وأخذ المال يتعلق به القطع في غير قاطع الطريق ، فغلظ ذلك في قاطع الطريق بقطع الطرفين ، وإن جمعوا بين القتل وبين أخذ المال جمع في حقهم بين القتل وبين الصلب ؛ لأن بقاءه مصلوبا في ممر الطريق يكون سببا لاشتهار إيقاع هذه العقوبة ، فيصير ذلك زاجرا لغيره عن الإقدام على مثل هذه المعصية ، وأما إن اقتصر على مجرد الإخافة اقتصر الشرع منه على عقوبة خفيفة وهي النفي من الأرض .
المسألة الخامسة : قال رحمه الله : إذا أبو حنيفة فالإمام مخير فيه بين ثلاثة أشياء : أن يقتلهم فقط ، أو يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم قبل القتل ، أو يقتلهم ويصلبهم ، وعند قتل وأخذ المال رحمه الله : لا بد من الصلب ، وهو قول الشافعي أبي يوسف رحمه الله .
حجة رحمه الله : أنه تعالى نص على الصلب كما نص على القتل فلم يجز إسقاط الصلب [ ص: 171 ] كما لم يجز إسقاط القتل . ثم اختلفوا في الشافعي ، فقيل : يصلب حيا ثم يزج بطنه برمح حتى يموت ، وقال كيفية الصلب رحمه الله : يقتل ويصلى عليه ثم يصلب . الشافعي