( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون )
ثم قال تعالى :
( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون )
المسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة ، قيل : الإثم الكذب ، والعدوان الظلم ، وقيل : الإثم ما يختص بهم ، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم ، وأما أكل السحت فهو أخذ الرشوة ، وقد تقدم الاستقصاء في [ ص: 34 ] تفسير السحت ، وفي الآية فوائد :
الفائدة الأولى : أنه تعالى قال : ( وترى كثيرا منهم ) والسبب أن كلهم ما كان يفعل ذلك ، بل كان بعضهم يستحي فيترك .
الفائدة الثانية : أن لفظ المسارعة إنما يستعمل في أكثر الأمر في الخير ، قال تعالى : ( ويسارعون في الخيرات ) [آل عمران : 114] ، وقال تعالى : ( نسارع لهم في الخيرات ) [المؤمنون : 56] فكان اللائق بهذا الموضع لفظ العجلة ، إلا أنه تعالى ذكر لفظ المسارعة لفائدة ، وهي أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات كأنهم محقون فيه .
الفائدة الثالثة : ، فلما ذكر الله تعالى بعده العدوان وأكل السحت دل هذا على أن هذين النوعين أعظم أنواع المعصية والإثم . لفظ الإثم يتناول جميع المعاصي والمنهيات
ثم قال تعالى : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون )
معنى ( لولا ) ههنا التخصيص والتوبيخ ، وهو بمعنى هلا ، والكلام في تفسير الربانيين والأحبار قد تقدم ،قال الحسن : الربانيون علماء أهل الإنجيل ، والأحبار علماء أهل التوراة ، وقال غيره : كله في اليهود ; لأنه متصل بذكرهم ، والمعنى أن الله تعالى استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ما نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي ، وذلك يدل على أن ; لأنه تعالى ذم الفريقين في هذه الآية على لفظ واحد ، بل نقول : إن ذم تارك النهي عن المنكر أقوى ; لأنه تعالى قال في المقدمين على الإثم والعدوان وأكل السحت : ( تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه لبئس ما كانوا يعملون ) وقال في العلماء التاركين للنهي عن المنكر : ( لبئس ما كانوا يصنعون ) والصنع أقوى من العمل ; لأن العمل إنما يسمى صناعة إذا صار مستقرا راسخا متمكنا ، فجعل جرم العاملين ذنبا غير راسخ ، وذنب التاركين للنهي عن المنكر ذنبا راسخا ، والأمر في الحقيقة كذلك ; لأن المعصية مرض الروح ، وعلاجه العلم بالله وبصفاته وبأحكامه ، فإذا حصل هذا العلم وما زالت المعصية كان مثل المرض الذي شرب صاحبه الدواء فما زال ، فكما أن هناك يحصل العلم بأن المرض صعب شديد لا يكاد يزول ، فكذلك العالم إذا أقدم على المعصية دل على أن مرض القلب في غاية القوة والشدة ، وعن : هي أشد آية في القرآن ، وعن ابن عباس الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها والله أعلم .