( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون )
قوله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون )
اعلم أنه تعالى لما حكم على أولئك المنكرين بالخسران في الآية الأولى بين في هذه الآية سبب ذلك الخسران ، وهو أمران :
أحدهما أن يفتري على الله كذبا وهذا الافتراء يحتمل وجوها :
الأول : أن مكة كانوا يقولون : هذه الأصنام شركاء الله والله سبحانه وتعالى أمرهم بعبادتها والتقرب إليها ، وكانوا أيضا يقولون : الملائكة بنات الله ثم نسبوا إلى الله تحريم البحائر والسوائب . كفار [ ص: 150 ]
وثانيها : اليهود والنصارى كانوا يقولون حصل في التوراة والإنجيل أن هاتين الشريعتين لا يتطرق إليهما النسخ والتغيير ، وأنهما لا يجيء بعدهما نبي . أن
وثالثها : ما ذكره الله تعالى في قوله ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ) [ الأعراف : 28 ] .
ورابعها : أن اليهود كانوا يقولون : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة : 18 ] وكانوا يقولون : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ البقرة : 80 ] .
وخامسها : أن بعض الجهال منهم كان يقول : إن الله فقير ونحن أغنياء ، وأمثال هذه الأباطيل التي كانوا ينسبونها إلى الله كثيرة ، وكلها افتراء منهم على الله .
والنوع الثاني : ، والمراد منه قدحهم في معجزات من أسباب خسرانهم تكذيبهم بآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وطعنهم فيها وإنكارهم كون القرآن معجزة قاهرة بينة ، ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذين الأمرين قال : ( إنه لا يفلح الظالمون ) أي لا يظفرون بمطالبهم في الدنيا وفي الآخرة بل يبقون في الحرمان والخذلان .
أما قوله : ( ويوم نحشرهم جميعا ) ففي ناصب قوله : ( ويوم ) أقوال :
الأول : أنه محذوف وتقديره ( ويوم نحشرهم ) كان كيت وكيت ، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف .
والثاني : التقدير اذكر يوم نحشرهم .
والثالث : أنه معطوف على محذوف كأنه قيل : لا يفلح الظالمون أبدا ويوم نحشرهم .
وأما قوله : ( ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) فالمقصود منه التقريع والتبكيت لا السؤال ، ويحتمل أن يكون معناه أين نفس الشركاء ، ويحتمل أن يكون المراد أين شفاعتهم لكم وانتفاعكم بهم ، وعلى كلا الوجهين : لا يكون الكلام إلا توبيخا وتقريعا وتقريرا في نفوسهم أن الذي كانوا يظنونه مأيوس عنه ، وصار ذلك تنبيها لهم في دار الدنيا على فساد هذه الطريقة ، والعائد على الموصول من قوله : ( الذين كنتم تزعمون ) محذوف ، والتقدير : الذين كنتم تزعمون أنهم شفعاء ، فحذف مفعول الزعم لدلالة السؤال عليه ، قال : وكل زعم في كتاب الله كذب . ابن عباس