ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ) وفيه مباحث :
البحث الأول : قرأ
حمزة والكسائي " ثمره " بضم الثاء والميم ، وقرأ
أبو عمرو " ثمره " بضم الثاء وسكون الميم ، والباقون بفتح الثاء والميم ؛ أما قراءة
حمزة والكسائي : فلها وجهان :
الوجه الأول : وهو الأبين أن يكون جمع ثمره على ثمر ، كما قالوا : خشبة وخشب ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4كأنهم خشب مسندة ) [ المنافقون : 4 ] وكذلك أكمة وأكم . ثم يخففون فيقولون أكم . قال الشاعر :
[ ص: 91 ] ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
والوجه الثاني : أن يكون جمع ثمره على ثمار . ثم جمع ثمارا على ثمر ، فيكون ثمر جمع الجمع ، وأما قراءة
أبي عمرو فوجهها أن تخفيف ثمر ثمر ؛ كقولهم : رسل ورسل . وأما قراءة الباقين فوجهها : أن الثمر جمع ثمرة ، مثل بقرة وبقر ، وشجرة وشجر ، وخرزة وخرز .
والبحث الثاني : قال
الواحدي : الينع النضج . قال
أبو عبيدة : يقال : ينع يينع ، بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل ، وقال
الليث : ينعت الثمرة بالكسر ، وأينعت فهي تينع وتونع إيناعا وينعا بفتح الياء ، وينعا بضم الياء ، والنعت يانع ومونع . قال صاحب " الكشاف " : وقرئ " وينعه " بضم الياء ، وقرأ
ابن محيصن : " ويانعه " .
والبحث الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انظروا إلى ثمره إذا أثمر ) أمر
nindex.php?page=treesubj&link=19784_32446بالنظر في حال الثمر في أول حدوثها ؛ وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99وينعه ) أمر بالنظر في حالها عند تمامها وكمالها ، وهذا هو موضع الاستدلال والحجة التي هي تمام المقصود من هذه الآية . ذلك لأن هذه الثمار والأزهار تتولد في أول حدوثها على صفات مخصوصة ، وعند تمامها وكمالها لا تبقى على حالاتها الأولى ، بل تنتقل إلى أحوال مضادة للأحوال السابقة ، مثل أنها كانت موصوفة بلون الخضرة فتصير ملونة بلون السواد أو بلون الحمرة ، وكانت موصوفة بالحموضة فتصير موصوفة بالحلاوة ، وربما كانت في أول الأمر باردة بحسب الطبيعة ، فتصير في آخر الأمر حارة بحسب الطبيعة ، فحصول هذه التبدلات والتغيرات لا بد له من سبب ، وذلك السبب ليس هو تأثير الطبائع والفصول والأنجم والأفلاك ؛ لأن نسبة هذه الأحوال بأسرها إلى جميع هذه الأجسام المتباينة متساوية متشابهة ، والنسب المتشابهة لا يمكن أن تكون أسبابا لحدوث الحوادث المختلفة ، ولما بطل إسناد حدوث هذه الحوادث إلى الطبائع والأنجم والأفلاك وجب إسنادها إلى القادر المختار الحكيم الرحيم ، المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة والمصلحة والحكمة ، ولما نبه الله سبحانه على ما في هذا الوجه اللطيف من الدلالة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) قال القاضي : المراد لمن يطلب الإيمان بالله تعالى ؛ لأنه آية لمن آمن ولمن لم يؤمن ، ويحتمل أن يكون وجه تخصيص المؤمنين بالذكر أنهم الذين انتفعوا به دون غيرهم كما تقدم تقريره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين ) [ البقرة : 2 ] .
ولقائل أن يقول : بل المراد منه أن دلالة هذا الدليل على إثبات الإله القادر المختار ظاهرة قوية جلية ، فكأن قائلا قال : لم وقع الاختلاف بين الخلق في هذه المسألة مع وجود مثل هذه الدلالة الجلية الظاهرة القوية ؟ فأجيب عنه بأن قوة الدليل لا تفيد ولا تنفع إلا إذا قدر الله للعبد حصول الإيمان ، فكأنه قيل : هذه الدلالة على قوتها وظهورها دلالة لمن سبق قضاء الله في حقه بالإيمان ، فأما من سبق قضاء الله له بالكفر لم ينتفع بهذه الدلالة البتة أصلا ، فكان المقصود من هذا التخصيص التنبيه على ما ذكرناه ، والله أعلم .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " ثُمُرِهِ " بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ ، وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو " ثُمْرِهِ " بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ ؛ أَمَّا قِرَاءَةُ
حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ : فَلَهَا وَجْهَانِ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْأَبْيَنُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ ثُمُرِهِ عَلَى ثُمُرٍ ، كَمَا قَالُوا : خَشَبَةٌ وَخُشُبٌ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) [ الْمُنَافِقُونَ : 4 ] وَكَذَلِكَ أَكَمَةٌ وَأُكُمٌ . ثُمَّ يُخَفِّفُونَ فَيَقُولُونَ أُكْمٌ . قَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 91 ] تَرَى الْأُكْمَ فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ جَمَعَ ثُمُرَهُ عَلَى ثِمَارٍ . ثُمَّ جَمَعَ ثِمَارًا عَلَى ثُمُرٍ ، فَيَكُونُ ثُمُرٌ جَمْعَ الْجَمْعِ ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ
أَبِي عَمْرٍو فَوَجْهُهَا أَنَّ تَخْفِيفَ ثُمُرٍ ثُمْرٌ ؛ كَقَوْلِهِمْ : رُسُلٌ وَرُسْلٌ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ فَوَجْهُهَا : أَنَّ الثَّمَرَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ ، مِثْلُ بَقَرَةٍ وَبَقَرٍ ، وَشَجَرَةٍ وَشَجَرٍ ، وَخَرَزَةٍ وَخَرَزٍ .
وَالْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْيَنْعُ النُّضْجُ . قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : يُقَالُ : يَنَعَ يَيْنِعُ ، بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَالَ
اللَّيْثُ : يَنِعَتِ الثَّمَرَةُ بِالْكَسْرِ ، وَأَيْنَعَتْ فَهِيَ تَيْنَعُ وَتُونِعُ إِينَاعًا وَيَنْعًا بِفَتْحِ الْيَاءِ ، وَيُنْعًا بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَالنَّعْتُ يَانِعٌ وَمُونِعٌ . قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : وَقُرِئَ " وَيُنْعِهِ " بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَقَرَأَ
ابْنُ مُحَيْصِنٍ : " وَيَانِعِهِ " .
وَالْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ) أَمْرٌ
nindex.php?page=treesubj&link=19784_32446بِالنَّظَرِ فِي حَالِ الثَّمَرِ فِي أَوَّلِ حُدُوثِهَا ؛ وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99وَيَنْعِهِ ) أَمْرٌ بِالنَّظَرِ فِي حَالِهَا عِنْدَ تَمَامِهَا وَكَمَالِهَا ، وَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ وَالْحُجَّةِ الَّتِي هِيَ تَمَامُ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ . ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الثِّمَارَ وَالْأَزْهَارَ تَتَوَلَّدُ فِي أَوَّلِ حُدُوثِهَا عَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ ، وَعِنْدَ تَمَامِهَا وَكَمَالِهَا لَا تَبْقَى عَلَى حَالَاتِهَا الْأُولَى ، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى أَحْوَالٍ مُضَادَّةٍ لِلْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ ، مِثْلِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِلَوْنِ الْخُضْرَةِ فَتَصِيرُ مُلَوَّنَةً بِلَوْنِ السَّوَادِ أَوْ بِلَوْنِ الْحُمْرَةِ ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْحُمُوضَةِ فَتَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِالْحَلَاوَةِ ، وَرُبَّمَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بَارِدَةً بِحَسَبِ الطَّبِيعَةِ ، فَتَصِيرُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ حَارَّةً بِحَسَبِ الطَّبِيعَةِ ، فَحُصُولُ هَذِهِ التَّبَدُّلَاتِ وَالتَّغَيُّرَاتِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ ، وَذَلِكَ السَّبَبُ لَيْسَ هُوَ تَأْثِيرَ الطَّبَائِعِ وَالْفُصُولِ وَالْأَنْجُمِ وَالْأَفْلَاكِ ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ بِأَسْرِهَا إِلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَجْسَامِ الْمُتَبَايِنَةِ مُتَسَاوِيَةٌ مُتَشَابِهَةٌ ، وَالنِّسَبُ الْمُتَشَابِهَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا لِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَلَمَّا بَطُلَ إِسْنَادُ حُدُوثِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ إِلَى الطَّبَائِعِ وَالْأَنْجُمِ وَالْأَفْلَاكِ وَجَبَ إِسْنَادُهَا إِلَى الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ الْحَكِيمِ الرَّحِيمِ ، الْمُدَبِّرِ لِهَذَا الْعَالَمِ عَلَى وِفْقِ الرَّحْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ ، وَلَمَّا نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا فِي هَذَا الْوَجْهِ اللَّطِيفِ مِنَ الدَّلَالَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَادُ لِمَنْ يَطْلُبُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ آيَةٌ لِمَنْ آمَنَ وَلِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ بِالذِّكْرِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) [ الْبَقَرَةِ : 2 ] .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ دَلَالَةَ هَذَا الدَّلِيلِ عَلَى إِثْبَاتِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ ظَاهِرَةٌ قَوِيَّةٌ جَلِيَّةٌ ، فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ : لِمَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ وُجُودِ مِثْلِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ الْجَلِيَّةِ الظَّاهِرَةِ الْقَوِيَّةِ ؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قُوَّةَ الدَّلِيلِ لَا تُفِيدُ وَلَا تَنْفَعُ إِلَّا إِذَا قَدَّرَ اللَّهُ لِلْعَبْدِ حُصُولَ الْإِيمَانِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : هَذِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى قُوَّتِهَا وَظُهُورِهَا دَلَالَةٌ لِمَنْ سَبَقَ قَضَاءُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ بِالْإِيمَانِ ، فَأَمَّا مَنْ سَبَقَ قَضَاءُ اللَّهِ لَهُ بِالْكُفْرِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ الْبَتَّةَ أَصْلًا ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّخْصِيصِ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .