إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : الإيمان عبارة عن التصديق بكل ما عرف بالضرورة كونه من دين
محمد صلى الله عليه وسلم مع الاعتقاد ، فنفتقر في إثبات هذا المذهب إلى إثبات قيود أربعة :
القيد الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28647الإيمان عبارة عن التصديق ، ويدل عليه وجوه :
الأول : أنه كان في أصل اللغة للتصديق ، فلو صار في عرف الشرع لغير التصديق لزم أن يكون المتكلم به متكلما بغير كلام العرب ، وذلك ينافي وصف القرآن بكونه عربيا .
الثاني : أن الإيمان أكثر الألفاظ دورانا على ألسنة المسلمين ، فلو صار
[ ص: 25 ] منقولا إلى غير مسماه الأصلي لتوفرت الدواعي على معرفة ذلك المسمى ، ولاشتهر وبلغ إلى حد التواتر ، فلما لم يكن كذلك علمنا أنه بقي على أصل الوضع .
الثالث : أجمعنا على أن الإيمان المعدى بحرف الباء مبقى على أصل اللغة ، فوجب أن يكون غير المعدى كذلك .
الرابع : أن الله تعالى كلما ذكر الإيمان في القرآن أضافه إلى القلب ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) [البقرة : 41] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106وقلبه مطمئن بالإيمان ) [النحل : 106] (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22كتب في قلوبهم الإيمان ) [المجادلة : 22] (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) [الحجرات : 14]
الخامس : أن الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=30514_30488_28801أينما ذكر الإيمان قرن العمل الصالح به ، ولو كان العمل الصالح داخلا في الإيمان لكان ذلك تكرارا .
السادس : أنه تعالى كثيرا ذكر الإيمان وقرنه بالمعاصي ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) [الأنعام : 82] (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) [الحجرات : 9] واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على هذا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ) [البقرة : 178] من ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن القصاص إنما يجب على القاتل المتعمد ، ثم إنه خاطبه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178ياأيها الذين آمنوا ) [البقرة : 178] فدل على أنه مؤمن .
وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء ) [البقرة : 178] وهذه الأخوة ليست إلا أخوة الإيمان ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة ) [الحجرات : 10] .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) [البقرة : 178] وهذا لا يليق إلا بالمؤمن ، ومما يدل على المطلوب قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72والذين آمنوا ولم يهاجروا ) [الأنفال : 72] هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28650_26064_29494أبقى اسم الإيمان لمن لم يهاجر مع عظم الوعيد في ترك الهجرة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) [النحل : 28] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) [الأنفال : 72] ومع هذا جعلهم مؤمنين ، ويدل أيضا عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) [الممتحنة : 1] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) [الأنفال : 27] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) [التحريم : 8] والأمر بالتوبة لمن لا ذنب له محال ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ) [النور : 31] لا يقال فهذا يقتضي أن يكون كل مؤمن مذنبا وليس كذلك قولنا : هب أنه خص فيما عدا المذنب ، فبقي فيهم حجة .
القيد الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان ليس عبارة عن التصديق اللساني ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) [البقرة : 8] نفى كونهم مؤمنين ، ولو كان الإيمان بالله عبارة عن التصديق اللساني لما صح هذا النفي .
القيد الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان ليس عبارة عن مطلق التصديق لأن من صدق بالجبت والطاغوت لا يسمى مؤمنا .
القيد الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=28801ليس من شرط الإيمان التصديق بجميع صفات الله عز وجل ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان يحكم بإيمان من لم يخطر بباله كونه تعالى عالما لذاته أو بالعلم ، ولو كان هذا القيد وأمثاله شرطا معتبرا في تحقيق الإيمان لما جاز أن يحكم الرسول بإيمانه قبل أن يجربه في أنه هل يعرف ذلك أم لا . فهذا هو بيان القول في تحقيق الإيمان ، فإن قال قائل : ههنا صورتان : الصورة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28635من عرف الله تعالى بالدليل [ ص: 26 ] والبرهان ، ولما تم العرفان مات ولم يجد من الزمان والوقت ما يتلفظ فيه بكلمة الشهادة ، فههنا إن حكمتم أنه مؤمن فقد حكمتم بأن الإقرار اللساني غير معتبر في تحقيق الإيمان ، وهو خرق للإجماع ، وإن حكمتم بأنه غير مؤمن فهو باطل ؛ لقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011327يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " وهذا قلب طافح بالإيمان ، فكيف لا يكون مؤمنا ؟
الصورة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28635من عرف الله تعالى بالدليل ، ووجد من الوقت ما أمكنه أن يتلفظ بكلمة الشهادة ، ولكنه لم يتلفظ بها ، فإن قلتم إنه مؤمن فهو خرق للإجماع ، وإن قلتم ليس بمؤمن فهو باطل ؛ لقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011328nindex.php?page=treesubj&link=30444يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان "
nindex.php?page=treesubj&link=28650_30444ولا ينتفي الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق .
والجواب : أن
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي منع من هذا الإجماع في الصورتين ، وحكم بكونهما مؤمنين ، وأن الامتناع عن النطق يجري مجرى المعاصي التي يؤتى بها مع الإيمان .
المسألة الرابعة : قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=29692 " الغيب " مصدر أقيم مقام اسم الفاعل ، كالصوم بمعنى الصائم ، والزور بمعنى الزائر ، ثم في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يؤمنون بالغيب ) قولان : الأول : وهو اختيار
أبي مسلم الأصفهاني أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3بالغيب )
nindex.php?page=treesubj&link=28801صفة المؤمنين معناه أنهم يؤمنون بالله حال الغيب كما يؤمنون به حال الحضور ، لا كالمنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا : إنا معكم إنما نحن مستهزءون . ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) [يوسف : 52] ويقول الرجل لغيره : نعم الصديق لك فلان بظهر الغيب ، وكل ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29674_29701_19695مدح للمؤمنين بكون ظاهرهم موافقا لباطنهم ومباينتهم لحال المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، والثاني : وهو قول جمهور المفسرين أن الغيب هو الذي يكون غائبا عن الحاسة ، ثم هذا الغيب ينقسم إلى ما عليه دليل ، وإلى ما ليس عليه دليل . فالمراد من هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=29701_19875مدح المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب الذي دل عليه دليل بأن يتفكروا ويستدلوا فيؤمنوا به ، وعلى هذا يدخل فيه العلم بالله تعالى وبصفاته والعلم بالآخرة والعلم بالنبوة والعلم بالأحكام وبالشرائع ، فإن في تحصيل هذه العلوم بالاستدلال مشقة ، فيصلح أن يكون سببا لاستحقاق الثناء العظيم . واحتج
أبو مسلم على قوله بأمور : الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ) [البقرة : 4] إيمان بالأشياء الغائبة فلو كان المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون بالغيب ) هو الإيمان بالأشياء الغائبة لكان المعطوف نفس المعطوف عليه ، وإنه غير جائز . الثاني : لو حملناه على الإيمان بالغيب يلزم إطلاق القول بأن الإنسان يعلم الغيب ، وهو خلاف قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) [الأنعام : 59] أما لو فسرنا الآية بما قلنا لا يلزم هذا المحذور . الثالث : لفظ الغيب إنما يجوز إطلاقه على من يجوز عليه الحضور ، فعلى هذا لا يجوز إطلاق لفظ الغيب على ذات الله تعالى وصفاته ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون بالغيب ) لو كان المراد منه الإيمان بالغيب لما دخل فيه الإيمان بذات الله تعالى وصفاته ، ولا يبقى فيه إلا الإيمان بالآخرة ، وذلك غير جائز ؛ لأن الركن العظيم في الإيمان هو
nindex.php?page=treesubj&link=28801_28653_28706الإيمان بذات الله وصفاته ، فكيف يجوز حمل اللفظ على معنى يقتضي خروج الأصل ، أما لو حملناه على التفسير الذي اخترناه لم يلزمنا هذا المحذور .
والجواب عن الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يؤمنون بالغيب ) يتناول الإيمان بالغائبات على الإجمال ، ثم بعد ذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) [البقرة : 4] يتناول الإيمان ببعض الغائبات ، فكان هذا من باب عطف التفصيل على الجملة ، وهو جائز كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [البقرة : 98] وعن الثاني : أنه لا نزاع في أنا نؤمن بالأشياء الغائبة عنا ، فكان ذلك التخصيص لازما على
[ ص: 27 ] الوجهين جميعا . فإن قيل : أفتقولون : العبد يعلم الغيب أم لا ؟ قلنا : قد بينا أن الغيب ينقسم إلى ما دل عليه دليل وإلى ما لا دليل عليه ، أما الذي لا دليل عليه فهو سبحانه وتعالى العالم به لا غيره ، وأما الذي عليه دليل فلا يمتنع أن تقول : نعلم من الغيب ما لنا عليه دليل ، ويفيد الكلام فلا يلتبس ، وعلى هذا الوجه قال العلماء : الاستدلال بالشاهد على الغائب أحد أقسام الأدلة .
وعن الثالث : لا نسلم أن لفظ الغيبة لا يستعمل إلا فيما يجوز عليه الحضور ، والدليل على ذلك أن المتكلمين يقولون هذا من باب إلحاق الغائب بالشاهد . ويريدون بالغائب ذات الله تعالى وصفاته والله أعلم .
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ : الْإِيمَانُ عِبَارَةٌ عَنِ التَّصْدِيقِ بِكُلِّ مَا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهُ مِنْ دِينِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الِاعْتِقَادِ ، فَنَفْتَقِرُ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَذْهَبِ إِلَى إِثْبَاتِ قُيُودٍ أَرْبَعَةٍ :
الْقَيْدُ الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28647الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّصْدِيقِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ كَانَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِلتَّصْدِيقِ ، فَلَوْ صَارَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ لِغَيْرِ التَّصْدِيقِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بِغَيْرِ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَذَلِكَ يُنَافِي وَصْفَ الْقُرْآنِ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا .
الثَّانِي : أَنَّ الْإِيمَانَ أَكْثَرُ الْأَلْفَاظِ دَوَرَانًا عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَوْ صَارَ
[ ص: 25 ] مَنْقُولًا إِلَى غَيْرِ مُسَمَّاهُ الْأَصْلِيِّ لَتَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى ، وَلَاشْتَهَرَ وَبَلَغَ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ .
الثَّالِثُ : أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُعَدَّى بِحَرْفِ الْبَاءِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ اللُّغَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُعَدَّى كَذَلِكَ .
الرَّابِعُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كُلَّمَا ذَكَرَ الْإِيمَانَ فِي الْقُرْآنِ أَضَافَهُ إِلَى الْقَلْبِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) [الْبَقَرَةِ : 41] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) [النَّحْلِ : 106] (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) [الْمُجَادَلَةِ : 22] (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) [الْحُجُرَاتِ : 14]
الْخَامِسُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=30514_30488_28801أَيْنَمَا ذَكَرَ الْإِيمَانَ قَرَنَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ دَاخِلًا فِي الْإِيمَانِ لَكَانَ ذَلِكَ تَكْرَارًا .
السَّادِسُ : أَنَّهُ تَعَالَى كَثِيرًا ذَكَرَ الْإِيمَانَ وَقَرَنَهُ بِالْمَعَاصِي ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) [الْأَنْعَامِ : 82] (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) [الْحُجُرَاتِ : 9] وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) [الْبَقَرَةِ : 178] مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ الْمُتَعَمِّدِ ، ثُمَّ إِنَّهُ خَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) [الْبَقَرَةِ : 178] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) [الْبَقَرَةِ : 178] وَهَذِهِ الْأُخُوَّةُ لَيْسَتْ إِلَّا أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [الْحُجُرَاتِ : 10] .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) [الْبَقَرَةِ : 178] وَهَذَا لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْمُؤْمِنِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ) [الْأَنْفَالِ : 72] هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28650_26064_29494أَبْقَى اسْمَ الْإِيمَانِ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ مَعَ عِظَمِ الْوَعِيدِ فِي تَرْكِ الْهِجْرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) [النَّحْلِ : 28] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ) [الْأَنْفَالِ : 72] وَمَعَ هَذَا جَعَلَهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) [الْمُمْتَحِنَةِ : 1] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) [الْأَنْفَالِ : 27] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) [التَّحْرِيمِ : 8] وَالْأَمْرُ بِالتَّوْبَةِ لِمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مُحَالٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ) [النُّورِ : 31] لَا يُقَالُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُؤْمِنٍ مُذْنِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُنَا : هَبْ أَنَّهُ خَصَّ فِيمَا عَدَا الْمُذْنِبَ ، فَبَقِيَ فِيهِمْ حُجَّةٌ .
الْقَيْدُ الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْإِيمَانَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ التَّصْدِيقِ اللِّسَانِيِّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) [الْبَقَرَةِ : 8] نَفَى كَوْنَهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ عِبَارَةً عَنِ التَّصْدِيقِ اللِّسَانِيِّ لَمَا صَحَّ هَذَا النَّفْيُ .
الْقَيْدُ الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْإِيمَانَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ مُطْلَقِ التَّصْدِيقِ لِأَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا .
الْقَيْدُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28801لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَحْكُمُ بِإِيمَانِ مَنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ كَوْنُهُ تَعَالَى عَالِمًا لِذَاتِهِ أَوْ بِالْعِلْمِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَيْدُ وَأَمْثَالُهُ شَرْطًا مُعْتَبَرًا فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ لَمَا جَازَ أَنْ يَحْكُمَ الرَّسُولُ بِإِيمَانِهِ قَبْلَ أَنْ يُجَرِّبَهُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَعْرِفُ ذَلِكَ أَمْ لَا . فَهَذَا هُوَ بَيَانُ الْقَوْلِ فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هَهُنَا صُورَتَانِ : الصُّورَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28635مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالدَّلِيلِ [ ص: 26 ] وَالْبُرْهَانِ ، وَلَمَّا تَمَّ الْعِرْفَانُ مَاتَ وَلَمْ يَجِدْ مِنَ الزَّمَانِ وَالْوَقْتِ مَا يَتَلَفَّظُ فِيهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ، فَهَهُنَا إِنْ حَكَمْتُمْ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَقَدْ حَكَمْتُمْ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ اللِّسَانِيَّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ ، وَهُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ حَكَمْتُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْمِنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011327يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ " وَهَذَا قَلْبٌ طَافِحٌ بِالْإِيمَانِ ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا ؟
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28635مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالدَّلِيلِ ، وَوَجَدَ مِنَ الْوَقْتِ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا ، فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ فَهُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011328nindex.php?page=treesubj&link=30444يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ "
nindex.php?page=treesubj&link=28650_30444وَلَا يَنْتَفِي الْإِيمَانُ مِنَ الْقَلْبِ بِالسُّكُوتِ عَنِ النُّطْقِ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيَّ مَنَعَ مِنْ هَذَا الْإِجْمَاعِ فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَحَكَمَ بِكَوْنِهِمَا مُؤْمِنَيْنِ ، وَأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنِ النُّطْقِ يَجْرِي مَجْرَى الْمَعَاصِي الَّتِي يُؤْتَى بِهَا مَعَ الْإِيمَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29692 " الْغَيْبُ " مَصْدَرٌ أُقِيمَ مَقَامِ اسْمِ الْفَاعِلِ ، كَالصَّوْمِ بِمَعْنَى الصَّائِمِ ، وَالزَّوْرِ بِمَعْنَى الزَّائِرِ ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) قَوْلَانِ : الْأَوَّلُ : وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3بِالْغَيْبِ )
nindex.php?page=treesubj&link=28801صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ حَالَ الْغَيْبِ كَمَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَالَ الْحُضُورِ ، لَا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا ، وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) [يُوسُفَ : 52] وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ : نِعْمَ الصَّدِيقُ لَكَ فُلَانٌ بِظَهْرِ الْغَيْبِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29674_29701_19695مَدْحٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِكَوْنِ ظَاهِرِهِمْ مُوَافِقًا لِبَاطِنِهِمْ وَمُبَايَنَتِهِمْ لِحَالِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْغَيْبَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ غَائِبًا عَنِ الْحَاسَّةِ ، ثُمَّ هَذَا الْغَيْبُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا عَلَيْهِ دَلِيلٌ ، وَإِلَى مَا لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ . فَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29701_19875مَدْحُ الْمُتَّقِينَ بِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بِأَنْ يَتَفَكَّرُوا وَيَسْتَدِلُّوا فَيُؤْمِنُوا بِهِ ، وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ وَالْعِلْمُ بِالْآخِرَةِ وَالْعِلْمُ بِالنُّبُوَّةِ وَالْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ وَبِالشَّرَائِعِ ، فَإِنَّ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْعُلُومِ بِالِاسْتِدْلَالِ مَشَقَّةً ، فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الثَّنَاءِ الْعَظِيمِ . وَاحْتَجَّ
أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى قَوْلِهِ بِأُمُورٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) [الْبَقَرَةِ : 4] إِيمَانٌ بِالْأَشْيَاءِ الْغَائِبَةِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) هُوَ الْإِيمَانُ بِالْأَشْيَاءِ الْغَائِبَةِ لَكَانَ الْمَعْطُوفُ نَفْسَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ . الثَّانِي : لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ يَلْزَمُ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) [الْأَنْعَامِ : 59] أَمَّا لَوْ فَسَّرْنَا الْآيَةَ بِمَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ هَذَا الْمَحْذُورُ . الثَّالِثُ : لَفْظُ الْغَيْبِ إِنَّمَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَيْبِ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ لَمَا دَخَلَ فِيهِ الْإِيمَانُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ، وَلَا يَبْقَى فِيهِ إِلَّا الْإِيمَانُ بِالْآخِرَةِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْعَظِيمَ فِي الْإِيمَانِ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28801_28653_28706الْإِيمَانُ بِذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنًى يَقْتَضِي خُرُوجَ الْأَصْلِ ، أَمَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ لَمْ يَلْزَمْنَا هَذَا الْمَحْذُورُ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) يَتَنَاوَلُ الْإِيمَانَ بِالْغَائِبَاتِ عَلَى الْإِجْمَالِ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) [الْبَقَرَةِ : 4] يَتَنَاوَلُ الْإِيمَانَ بِبَعْضِ الْغَائِبَاتِ ، فَكَانَ هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ التَّفْصِيلِ عَلَى الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) [الْبَقَرَةِ : 98] وَعَنِ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّا نُؤْمِنُ بِالْأَشْيَاءِ الْغَائِبَةِ عَنَّا ، فَكَانَ ذَلِكَ التَّخْصِيصُ لَازِمًا عَلَى
[ ص: 27 ] الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا . فَإِنْ قِيلَ : أَفَتَقُولُونَ : الْعَبْدُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ أَمْ لَا ؟ قُلْنَا : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْغَيْبَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَإِلَى مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، أَمَّا الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَالِمُ بِهِ لَا غَيْرُهُ ، وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَقُولَ : نَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ مَا لَنَا عَلَيْهِ دَلِيلٌ ، وَيُفِيدُ الْكَلَامُ فَلَا يَلْتَبِسُ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ : الِاسْتِدْلَالُ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ أَحَدُ أَقْسَامِ الْأَدِلَّةِ .
وَعَنِ الثَّالِثِ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَ الْغَيْبَةِ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ الْغَائِبِ بِالشَّاهِدِ . وَيُرِيدُونَ بِالْغَائِبِ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .