(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين ) .
[ ص: 63 ] اعلم أن المقصود منه إتمام الكلام في
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30532وعيد الكفار ، وذلك لأنه تعالى قال في الآية المتقدمة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=36والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ، ثم شرح تعالى في هذه الآية كيفية ذلك الخلود في حق أولئك المكذبين المستكبرين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40كذبوا بآياتنا ) أي بالدلائل الدالة على المسائل التي هي أصول الدين ، فالدهرية ينكرون دلائل إثبات الذات والصفات ، والمشركون ينكرون دلائل التوحيد ، ومنكرو النبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحة النبوات, ومنكرو نبوة
محمد ينكرون الدلائل الدالة على صحة نبوته ، ومنكرو المعاد ينكرون الدلائل الدالة على صحة المعاد ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40كذبوا بآياتنا ) يتناول الكل ،
nindex.php?page=treesubj&link=18670ومعنى الاستكبار طلب الترفع بالباطل ، وهذا اللفظ في حق البشر يدل على الذم ، قال تعالى في صفة
فرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ) .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لا تفتح لهم أبواب السماء ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28926قرأ أبو عمرو ( لا تفتح ) بالتاء خفيفة ، وقرأ
حمزة والكسائي بالياء خفيفة, والباقون بالتاء مشددة . أما القراءة بالتشديد فوجهها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) [الأنعام : 44] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا أبواب السماء ) [القمر : 11] وأما قراءة
حمزة والكسائي فوجهها أن الفعل متقدم .
المسألة الثانية : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لا تفتح لهم أبواب السماء ) أقوال . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لشيء مما يريدون به طاعة الله ، وهذا التأويل مأخوذ من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) [فاطر : 10] ومن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=18كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ) [المطففين : 18] وقال
السدي وغيره : لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء وتفتح لأرواح المؤمنين .
ويدل على صحة هذا التأويل ما روي في حديث طويل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012678أن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها ، فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ، ويقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة ، ويستفتح لروح الكافر فيقال لها : ارجعي ذميمة فإنه لا تفتح لك أبواب السماء .
والقول الثالث : أن الجنة في السماء فالمعنى : لا يؤذن لهم في الصعود إلى السماء . ولا تطرق لهم إليها ليدخلوا الجنة .
والقول الرابع : لا تنزل عليهم البركة والخير ، وهو مأخوذ من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) [القمر : 11] وأقول : هذه الآية تدل على أن الأرواح إنما تكون سعيدة ؛ إما بأن ينزل عليها من السماء أنواع الخيرات ، وإما بأن يصعد أعمال تلك الأرواح إلى السماوات, وذلك يدل على أن السماوات موضع بهجة الأرواح وأماكن سعادتها ، ومنها تنزل الخيرات والبركات ، وإليها تصعد الأرواح حال فوزها بكمال السعادات ، ولما كان الأمر كذلك كان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لا تفتح لهم أبواب السماء ) من أعظم أنواع الوعيد والتهديد .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : "الولوج" الدخول . والجمل مشهور ، و "السم" بفتح السين وضمها ثقب الإبرة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28946قرأ ابن سيرين ( سم ) بالضم ، وقال صاحب "الكشاف" : يروى ( سم ) بالحركات الثلاث ، وكل ثقب في البدن لطيف فهو سم وجمعه سموم ، ومنه قيل : السم القاتل . لأنه ينفذ بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى
[ ص: 64 ] القلب ، و ( الخياط ) ما يخاط به . قال
الفراء : ويقال : خياط ومخيط ، كما يقال : إزار ومئزر ، ولحاف وملحف ، وقناع ومقنع ، وإنما خص الجمل من بين سائر الحيوانات ؛ لأنه أكبر الحيوانات جسما عند العرب . قال الشاعر :
جسم الجمال وأحلام العصافير
فجسم الجمل أعظم الأجسام ، وثقب الإبرة أضيق المنافذ ، فكان ولوج الجمل في تلك الثقبة الضيقة محالا ، فلما وقف الله تعالى دخولهم الجنة على حصول هذا الشرط ، وكان هذا شرطا محالا ، وثبت في العقول أن الموقوف على المحال محال ، وجب أن يكون دخولهم الجنة مأيوسا منه قطعا .
المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" :
nindex.php?page=treesubj&link=28946قرأ nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ( الجمل ) بوزن القمل ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ( الجمل ) بوزن النغر . وقرئ ( الجمل ) بوزن القفل ، و ( الجمل ) بوزن النصب ، و ( الجمل ) بوزن الحبل ، ومعناها : القلس الغليظ ؛ لأنه حبال جمعت وجعلت جملة واحدة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل . يعني : أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة ، والبعير لا يناسبه . إلا أنا ذكرنا الفائدة فيه .
المسألة الثالثة : القائلون بالتناسخ احتجوا بهذه الآية ، فقالوا : إن الأرواح التي كانت في أجساد البشر لما عصت وأذنبت ، فإنها بعد موت الأبدان ترد من بدن إلى بدن ، ولا تزال تبقى في التعذيب حتى أنها تنتقل من بدن الجمل إلى بدن الدودة التي تنفذ في سم الخياط ، فحينئذ تصير مطهرة عن تلك الذنوب والمعاصي ، وحينئذ تدخل الجنة وتصل إلى السعادة . واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29662القول بالتناسخ باطل وهذا الاستدلال ضعيف . والله أعلم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40وكذلك نجزي المجرمين ) أي : ومثل هذا الذي وصفنا نجزي المجرمين ، والمجرمون -والله أعلم- ههنا هم الكافرون ؛ لأن الذي تقدم ذكره من صفتهم هو التكذيب بآيات الله ، والاستكبار عنها .
واعلم أنه تعالى لما بين من حالهم أنهم لا يدخلون الجنة البتة بين أيضا أنهم يدخلون النار ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=30539_28978لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : "المهاد" جمع مهد ، وهو الفراش . قال
الأزهري :
nindex.php?page=treesubj&link=28910أصل المهد في اللغة الفرش ، يقال للفراش مهاد لمواتاته ، والغواشي جمع غاشية ، وهي كل ما يغشاك ، أي : يجللك ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077وجهنم لا تنصرف لاجتماع التأنيث فيها والتعريف ، وقيل اشتقاقها من الجهمة وهي الغلظ ، يقال : رجل جهم الوجه غليظه ، وسميت بهذا لغلظ أمرها في العذاب . قال المفسرون : المراد من هذه الآية الإخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب ، فلهم منها غطاء ووطاء ، وفراش ولحاف .
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : إن
nindex.php?page=treesubj&link=34077غواش ، على وزن فواعل ، فيكون غير منصرف ، فكيف دخله التنوين ؟ وجوابه على مذهب
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه أن هذا جمع ، والجمع أثقل من الواحد ، وهو أيضا الجمع الأكبر الذي تتناهى الجموع إليه ، فزاده ذلك ثقلا ، ثم وقعت الياء في آخره وهي ثقيلة ، فلما اجتمعت فيه هذه الأشياء خففوها بحذف يائه ، فلما حذفت الياء نقص عن مثال فواعل ، وصار غواش بوزن جناح ، فدخله
[ ص: 65 ] التنوين لنقصانه عن هذا المثال .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41وكذلك نجزي الظالمين ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد الذين أشركوا بالله واتخذوا من دونه إلها ، وعلى هذا التقدير : فالظالمون ههنا هم الكافرون .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) .
[ ص: 63 ] اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إِتْمَامُ الْكَلَامِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30532وَعِيدِ الْكُفَّارِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=36وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، ثُمَّ شَرَحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ الْخُلُودِ فِي حَقِّ أُولَئِكَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) أَيْ بِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الدِّينِ ، فَالدَّهْرِيَّةُ يُنْكِرُونَ دَلَائِلَ إِثْبَاتِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ ، وَالْمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ ، وَمُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ يُكَذِّبُونَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّاتِ, وَمُنْكِرُو نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ يُنْكِرُونَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ ، وَمُنْكِرُو الْمَعَادِ يُنْكِرُونَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ الْمَعَادِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18670وَمَعْنَى الِاسْتِكْبَارِ طَلَبُ التَّرَفُّعِ بِالْبَاطِلِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ فِي حَقِّ الْبَشَرِ يَدُلُّ عَلَى الذَّمِّ ، قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ
فِرْعَوْنَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28926قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو ( لَا تُفْتَحُ ) بِالتَّاءِ خَفِيفَةً ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ خَفِيفَةً, وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مُشَدَّدَةً . أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالتَّشْدِيدِ فَوَجْهُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) [الْأَنْعَامِ : 44] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ ) [الْقَمَرِ : 11] وَأَمَّا قِرَاءَةُ
حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فَوَجْهُهَا أَنَّ الْفِعْلَ مُتَقَدِّمٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) أَقْوَالٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ لَا تُفَتَّحُ لِأَعْمَالِهِمْ وَلَا لِدُعَائِهِمْ وَلَا لِشَيْءٍ مِمَّا يُرِيدُونَ بِهِ طَاعَةَ اللَّهِ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) [فَاطِرٍ : 10] وَمِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=18كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) [الْمُطَفِّفِينَ : 18] وَقَالَ
السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ : لَا تُفَتَّحُ لِأَرْوَاحِهِمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وتُفَتَّحُ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012678أَنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا ، فَيُقَالُ : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، وَيُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، وَيُسْتَفْتَحُ لِرُوحِ الْكَافِرِ فَيُقَالُ لَهَا : ارْجِعِي ذَمِيمَةً فَإِنَّهُ لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ فَالْمَعْنَى : لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الصُّعُودِ إِلَى السَّمَاءِ . وَلَا تَطَرُّقَ لَهُمْ إِلَيْهَا لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ .
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : لَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْبِرْكَةُ وَالْخَيْرُ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) [الْقَمَرِ : 11] وَأَقُولُ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ إِنَّمَا تَكُونُ سَعِيدَةً ؛ إِمَّا بِأَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ أَنْوَاعُ الْخَيْرَاتِ ، وَإِمَّا بِأَنْ يَصْعَدَ أَعْمَالُ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ إِلَى السَّمَاوَاتِ, وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّمَاوَاتِ مَوْضِعُ بَهْجَةِ الْأَرْوَاحِ وَأَمَاكِنُ سَعَادَتِهَا ، وَمِنْهَا تَنْزِلُ الْخَيْرَاتُ وَالْبَرَكَاتُ ، وَإِلَيْهَا تَصْعَدُ الْأَرْوَاحُ حَالَ فَوْزِهَا بِكَمَالِ السَّعَادَاتِ ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : "الْوُلُوجُ" الدُّخُولُ . وَالْجَمَلُ مَشْهُورٌ ، وَ "السَّمُّ" بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا ثُقْبُ الْإِبْرَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28946قَرَأَ ابْنُ سِيرِينَ ( سُمِّ ) بِالضَّمِّ ، وَقَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : يُرْوَى ( سَمِّ ) بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ ، وَكُلُّ ثُقْبٍ فِي الْبَدَنِ لَطِيفٌ فَهُوَ سَمٌّ وَجَمْعُهُ سُمُومٌ ، وَمِنْهُ قِيلَ : السُّمُّ الْقَاتِلُ . لِأَنَّهُ يَنْفُذُ بِلُطْفِهِ فِي مَسَامِّ الْبَدَنِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى
[ ص: 64 ] الْقَلْبِ ، وَ ( الْخِيَاطِ ) مَا يُخَاطُ بِهِ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَيُقَالُ : خِيَاطٌ وَمِخْيَطٌ ، كَمَا يُقَالُ : إِزَارٌ وَمِئْزَرٌ ، وَلِحَافٌ وَمِلْحَفٌ ، وَقِنَاعٌ وَمِقْنَعٌ ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْجَمَلُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْحَيَوَانَاتِ جِسْمًا عِنْدَ الْعَرَبِ . قَالَ الشَّاعِرُ :
جِسْمُ الْجِمَالِ وَأَحْلَامُ الْعَصَافِيرِ
فَجِسْمُ الْجَمَلِ أَعْظَمُ الْأَجْسَامِ ، وَثُقْبُ الْإِبْرَةِ أَضْيَقُ الْمَنَافِذِ ، فَكَانَ وُلُوجُ الْجَمَلِ فِي تِلْكَ الثُّقْبَةِ الضَّيِّقَةِ مُحَالًا ، فَلَمَّا وَقَفَ اللَّهُ تَعَالَى دُخُولَهُمُ الْجَنَّةَ عَلَى حُصُولِ هَذَا الشَّرْطِ ، وَكَانَ هَذَا شَرْطًا مُحَالًا ، وَثَبَتَ فِي الْعُقُولِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُمُ الْجَنَّةَ مَأْيُوسًا مِنْهُ قَطْعًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" :
nindex.php?page=treesubj&link=28946قَرَأَ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ( الْجُمَّلُ ) بِوَزْنِ الْقُمَّلِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ( الْجُمَلُ ) بِوَزْنِ النُّغَرِ . وَقُرِئَ ( الْجُمْلُ ) بِوَزْنِ الْقُفْلِ ، وَ ( الْجُمُلُ ) بِوَزْنِ النُّصُبِ ، وَ ( الْجَمْلُ ) بِوَزْنِ الْحَبْلِ ، وَمَعْنَاهَا : الْقَلْسُ الْغَلِيظُ ؛ لِأَنَّهُ حِبَالٌ جُمِعَتْ وَجُعِلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْسَنُ تَشْبِيهًا مِنْ أَنْ يُشَبِّهَ بِالْجَمَلِ . يَعْنِي : أَنَّ الْحَبْلَ مُنَاسِبٌ لِلْخَيْطِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي سَمِّ الْإِبْرَةِ ، وَالْبَعِيرُ لَا يُنَاسِبُهُ . إِلَّا أَنَّا ذَكَرْنَا الْفَائِدَةَ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْقَائِلُونَ بِالتَّنَاسُخِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالُوا : إِنِ الْأَرْوَاحَ الَّتِي كَانَتْ فِي أَجْسَادِ الْبَشَرِ لَمَّا عَصَتْ وَأَذْنَبَتْ ، فَإِنَّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبْدَانِ تُرَدُّ مِنْ بَدَنٍ إِلَى بَدَنٍ ، وَلَا تَزَالُ تَبْقَى فِي التَّعْذِيبِ حَتَّى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ مِنْ بَدَنِ الْجَمَلِ إِلَى بَدَنِ الدُّودَةِ الَّتِي تَنْفُذُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ مُطَهَّرَةً عَنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي ، وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَتَصِلُ إِلَى السَّعَادَةِ . وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29662الْقَوْلَ بِالتَّنَاسُخِ بَاطِلٌ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) أَيْ : وَمِثْلُ هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ، وَالْمُجْرِمُونَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- هَهُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ صِفَتِهِمْ هُوَ التَّكْذِيبُ بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَالِاسْتِكْبَارُ عَنْهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْبَتَّةَ بَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ النَّارَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=30539_28978لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : "الْمِهَادُ" جَمْعُ مَهْدٍ ، وَهُوَ الْفِرَاشُ . قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=28910أَصْلُ الْمَهْدِ فِي اللُّغَةِ الْفَرْشُ ، يُقَالُ لِلْفِرَاشِ مِهَادٌ لِمُوَاتَاتِهِ ، وَالْغَوَاشِي جُمَعُ غَاشِيَةٍ ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَغْشَاكَ ، أَيْ : يُجَلِّلُكَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَجَهَنَّمُ لَا تَنْصَرِفُ لِاجْتِمَاعِ التَّأْنِيثِ فِيهَا وَالتَّعْرِيفِ ، وَقِيلَ اشْتِقَاقُهَا مِنَ الْجَهْمَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ ، يُقَالُ : رَجُلٌ جَهْمُ الْوَجْهِ غَلِيظُهُ ، وَسُمِّيَتْ بِهَذَا لِغِلَظِ أَمْرِهَا فِي الْعَذَابِ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ إِحَاطَةِ النَّارِ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَلَهُمْ مِنْهَا غِطَاءٌ وَوِطَاءٌ ، وَفِرَاشٌ وَلِحَافٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077غَوَاشٍ ، عَلَى وَزْنِ فَوَاعِلَ ، فَيَكُونُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ ، فَكَيْفَ دَخَلَهُ التَّنْوِينُ ؟ وَجَوَابُهُ عَلَى مَذْهَبِ
الْخَلِيلِ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ هَذَا جَمْعٌ ، وَالْجَمْعُ أَثْقَلُ مِنَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ أَيْضًا الْجَمْعُ الْأَكْبَرُ الَّذِي تَتَنَاهَى الْجُمُوعُ إِلَيْهِ ، فَزَادَهُ ذَلِكَ ثِقَلًا ، ثُمَّ وَقَعَتِ الْيَاءُ فِي آخِرِهِ وَهِيَ ثَقِيلَةٌ ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ خَفَّفُوهَا بِحَذْفِ يَائِهِ ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْيَاءُ نَقَصَ عَنْ مِثَالِ فَوَاعِلَ ، وَصَارَ غَوَاشٍ بِوَزْنِ جَنَاحٍ ، فَدَخَلَهُ
[ ص: 65 ] التَّنْوِينُ لِنُقْصَانِهِ عَنْ هَذَا الْمِثَالِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ : فَالظَّالِمُونَ هَهُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ .