المسألة الثالثة : دلت هذه الآية على أن أسماء الله ليست إلا لله ، والصفات الحسنى ليست إلا لله ، فيجب كونها موصوفة بالحسن والكمال فهذا يفيد أن كل اسم لا يفيد في المسمى صفة كمال وجلال فإنه لا يجوز إطلاقه على الله سبحانه ، وعند هذا نقل عن أنه قال : لا أطلق على ذات الله تعالى [ ص: 57 ] اسم الشيء . قال : لأن اسم الشيء يقع على أخس الأشياء وأكثرها حقارة وأبعدها عن درجات الشرف ، وإذا كان كذلك وجب القطع بأنه لا يفيد في المسمى شرفا ورتبة وجلالة . جهم بن صفوان
وإذا ثبت هذا فنقول : ثبت بمقتضى هذه الآية أن ، وثبت أن اسم الشيء ليس كذلك ، فامتنع تسمية الله بكونه شيئا . قال ومعاذ الله أن يكون هذا نزاعا في كونه في نفسه حقيقة وذاتا وموجودا ، إنما النزاع وقع في محض اللفظ ، وهو أنه هل يصح تسميته بهذا اللفظ أم لا ؟ فأما قولنا إنه منشئ الأشياء ، فهو اسم يفيد المدح والجلال والشرف ، فكان إطلاق هذا الاسم على الله حقا ، ثم أكد هذه الحجة بأنواع أخر من الدلائل : أسماء الله يجب أن تكون دالة على الشرف والكمال
فالأول : قوله تعالى :( ليس كمثله شيء ) [ الشورى : 11 ] معناه ليس مثل مثله شيء ، ولا شك أن عين الشيء مثل لمثل نفسه . فلما ثبت بالعقل أن كل شيء فهو مثل مثل نفسه ، ودل الدليل القرآني على أن مثل مثل الله ليس بشيء ، كان هذا تصريحا بأنه تعالى غير مسمى باسم الشيء ، وليس لقائل أن يقول ( الكاف ) في قوله :( ليس كمثله ) [الشورى : 11] حرف زائد لا فائدة فيه ، لأن حمل كلام الله على اللغو والعبث وعدم الفائدة بعيد .
الحجة الثانية : قوله تعالى :( خالق كل شيء ) [ الأنعام : 102 ] ولو كان تعالى داخلا تحت اسم الشيء لزم كونه تعالى خالقا لنفسه وهو محال . لا يقال هذا عام دخله التخصيص ، لأنا نقول هذا كلام لا بد من البحث عنه ، فنقول : ثبت بحسب العرف المشهور أنهم يقيمون الأكثر مقام الكل ، ويقيمون الشاذ النادر مقام العدم .
إذا ثبت هذا فنقول : إنه إذا حصل الأكثر الأغلب وكان الغالب الشاذ الخارج نادرا ، ألحقوا ذلك الأكثر بالكل ، وألحقوا ذلك النادر بالمعدوم ، وأطلقوا لفظ الكل عليه ، وجعلوا ذلك الشاذ النادر من باب تخصيص العموم .
وإذا عرفت هذا فنقول : إن بتقدير أن يصدق على الله تعالى اسم الشيء كان أعظم الأشياء هو الله تعالى ، وإدخال التخصيص في مثل هذا المسمى يكون من باب الكذب ، فوجب أن يعتقد أنه تعالى ليس مسمى باسم الشيء حتى لا يلزمنا هذا المحذور .
الحجة الثالثة : هذا الاسم ما ورد في كتاب الله ولا سنة رسوله ، وما رأينا أحدا من السلف قال في دعائه يا شيء ، فوجب الامتناع منه ، والدليل على أنه غير وارد في كتاب الله أن الآية التي يتوهم اشتمالها على هذا الاسم قوله تعالى :( قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم ) [ الأنعام : 19 ] وقد بينا في سورة الأنعام أن هذه الآية لا تدل على المقصود ، فسقط الكلام فيه .
فإن قال قائل : فقولنا : موجود ومذكور وذات ومعلوم ، ألفاظ لا تدل على الشرف والجلال ، فوجب أن تقولوا إنه لا يجوز إطلاقها على الله تعالى . فنقول : الحق في هذا الباب التفصيل ، وهو أنا نقول : ما المراد من قولك : إنه تعالى شيء ، وذات ، وحقيقة ؟ إن عنيت أنه تعالى في نفسه ذات وحقيقة وثابت وموجود وشيء ، فهو كذلك من غير شك ولا شبهة ، وإن عنيت به أنه هل يجوز أن ينادى بهذه الألفاظ أم لا ؟ فنقول لا يجوز ؛ لأنا رأينا السلف يقولون : يا الله يا رحمن يا رحيم إلى سائر الأسماء الشريفة ، وما رأينا ولا سمعنا أن أحدا يقول : يا ذات يا حقيقة يا مفهوم ويا معلوم ، فكان الامتناع عن مثل هذه الألفاظ في معرض النداء [ ص: 58 ] والدعاء واجبا لله تعالى . والله أعلم .
المسألة الرابعة : قوله تعالى :( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) يدل على أنه تعالى حصلت له أسماء حسنة ، وأنه يجب على الإنسان أن يدعو الله بها ، وهذا يدل على أن . ومما يؤكد هذا أنه يجوز أن يقال : يا جواد ، ولا يجوز أن يقال : يا سخي ، ولا أن يقال يا عاقل يا طبيب يا فقيه . وذلك يدل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية . أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية
المسألة الخامسة : دلت الآية على أن الاسم غير المسمى لأنها تدل على أن أسماء الله كثيرة لأن لفظ الأسماء الجمع ، وهي تفيد الثلاثة فما فوقها ، فثبت أن أسماء الله كثيرة ولا شك أن الله واحد ، فلزم القطع بأن الاسم غير المسمى وأيضا قوله :( ولله الأسماء الحسنى ) يقتضي إضافة الأسماء إلى الله ، وإضافة الشيء إلى نفسه محال . وأيضا فلو قيل : ولله الذوات لكان باطلا . ولما قال :( ولله الأسماء ) كان حقا وذلك يدل على أن الاسم غير المسمى .