قوله تعالى :( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) .
واعلم أنه لما بين ما يرهب به العدو من القوة والاستظهار ، بين بعده أنهم عند الإرهاب إذا جنحوا أي مالوا إلى الصلح ، فالحكم . قال قبول الصلح النضر : جنح الرجل إلى فلان ، وجنح له إذا تابعه وخضع له ، والمعنى : إن مالوا إلى الصلح فمل إليه وأنث الهاء في لها ؛ لأنه قصد بها قصد الفعلة والجنحة ، كقوله :( إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) أراد من بعد فعلتهم . قال صاحب "الكشاف" : السلم تؤنث [ ص: 150 ] تأنيث نقيضها وهي الحرب . قال الشاعر :
السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب تكفيك من أنفاسها جرع
وقرأ أبو بكر عن عاصم للسلم بكسر السين ، والباقون بالفتح وهما لغتان ، قال قتادة : هذه الآية منسوخة بقوله :( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [التوبة : 5] وقوله :( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ) [التوبة : 29] وقال بعضهم : الآية غير منسوخة لكنها تضمنت الأمر بالصلح إذا كان الصلاح فيه ، فإذا رأى مصالحتهم فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة ، ولا يجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه هادن وإن كانت القوة للمشركين جاز مهادنتهم للمسلمين عشر سنين أهل مكة عشر سنين ، ثم إنهم نقضوا العهد قبل كمال المدة .
أما قوله تعالى :( وتوكل على الله ) فالمعنى فوض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله ليكون عونا لك على السلامة ، ولكي ينصرك عليهم إذا نقضوا العهد وعدلوا عن الوفاء ، ولذلك قال :( إنه هو السميع العليم ) تنبيها بذلك على الزجر عن نقض الصلح ؛ لأنه عالم بما يضمره العباد ، وسامع لما يقولون ، قال : الآية نزلت في مجاهد قريظة والنضير ، وورودها فيهم لا يمنع من إجرائها على ظاهر عمومها ، والله أعلم .