المسألة الخامسة : قال رضي الله تعالى عنه : الشافعي المسجد الحرام خاصة ، [ ص: 22 ] وعند الكفار يمنعون من مالك : يمنعون من كل المساجد ، وعند رحمه الله : لا يمنعون من أبي حنيفة المسجد الحرام ، ولا من سائر المساجد ، والآية بمنطوقها تبطل قول رحمه الله ، وبمفهومها تبطل قول أبي حنيفة مالك ، أو نقول : الأصل عدم المنع ، وخالفناه في المسجد الحرام لهذا النص الصريح القاطع ، فوجب أن يبقى في غيره على وفق الأصل .
المسألة السادسة : اختلفوا في أن المسجد الحرام هل هو نفس المسجد أو المراد منه جميع الحرم ؟ والأقرب هو هذا الثاني ، والدليل عليه قوله تعالى :( المراد من وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) وذلك لأن موضع التجارات ليس هو عين المسجد ، فلو كان المقصود من هذه الآية المنع من المسجد خاصة لما خافوا بسبب هذا المنع من العيلة ، وإنما يخافون العيلة إذا منعوا من حضور الأسواق والمواسم ، وهذا استدلال حسن من الآية ، ويتأكد هذا القول بقوله سبحانه وتعالى :( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) [الإسراء : 1] مع أنهم أجمعوا على أنه إنما رفع الرسول عليه الصلاة والسلام من بيت ، وأيضا يتأكد هذا بما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أم هانئ " . لا يجتمع دينان في جزيرة العرب
واعلم أن أصحابنا قالوا : الحرم حرام على المشركين ، ولو كان الإمام بمكة فجاء رسول المشركين فليخرج إلى الحل لاستماع الرسالة ، وإن دخل مشرك الحرم متواريا فمرض فيه أخرجناه مريضا ، وإن مات ودفن ولم يعلم نبشناه وأخرجنا عظامه إذا أمكن .