قوله تعالى :( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) .
اعلم أن هذا نوع آخر من . قيل : هذا بناء على ما تقدم ، يعني : يؤذون النبي ويسيئون القول فيه ، ثم يحلفون لكم . وقيل : نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة قبائح أفعال المنافقين ، وهو إقدامهم على اليمين الكاذبة تبوك ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتوه واعتذروا وحلفوا ، ففيهم نزلت الآية ، والمعنى : أنهم حلفوا على أنهم ما قالوا ما حكي عنهم ، ليرضوا المؤمنين بيمينهم ، وكان من الواجب أن يرضوا الله بالإخلاص والتوبة ، لا بإظهار ما يستسرون خلافه ، ونظيره قوله :( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) [ البقرة : 14 و76 ] .
وأما قوله :( يرضوه ) بعد تقدم ذكر الله وذكر الرسول ففيه وجوه :
الأول : أنه تعالى لا يذكر مع غيره بالذكر المجمل ، بل يجب أن يفرد بالذكر ؛ تعظيما له .
والثاني : أن ، فاقتصر على ذكره . المقصود بجميع الطاعات والعبادات هو الله محمد ، فسمع الرسول عليه السلام ذلك وقال : " وضع الحق في أهله " . ويروى أن واحدا من الكفار رفع صوته ، وقال : إني أتوب إلى الله ولا أتوب إلى
الثالث : يجوز أن يكون المراد يرضوهما فاكتفى بذكر الواحد ؛ كقوله :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
والرابع : أن ، وإخلاص القلب لا يعلمه إلا الله ؛ فلهذا السبب خص تعالى نفسه بالذكر . الخامس : لما وجب أن يكون رضا الرسول مطابقا لرضا الله تعالى ، وامتنع حصول المخالفة بينهما وقع الاكتفاء بذكر أحدهما ، كما يقال : إحسان زيد وإجماله نعشني وجبرني . السادس : التقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك . العالم بالأسرار والضمائر هو الله تعالى
وقوله :( إن كانوا مؤمنين ) فيه قولان : الأول : إن كانوا مؤمنين على ما ادعوا . والثاني : أنهم كانوا عالمين بصحة دين الرسول ، إلا أنهم أصروا على الكفر ؛ حسدا وعنادا ، فلهذا المعنى قال تعالى :( إن كانوا مؤمنين ) . وفي الآية دلالة على ، ويبطل قول رضا الله لا يحصل بإظهار الإيمان ، ما لم يقترن به التصديق بالقلب الكرامية الذين يزعمون أن الإيمان ليس إلا القول باللسان .