ثم قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : نقل
الواحدي عن أهل اللغة في لفظ الاعتذار قولين :
القول الأول : أنه عبارة عن محو الذنب ، من قولهم : اعتذرت المنازل إذا درست . يقال : مررت بمنزل
[ ص: 99 ] معتذر ، والاعتذار هو الدرس وأخذ الاعتذار منه ؛ لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه .
والقول الثاني : حكى
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي أن الاعتذار هو القطع ، ومنه يقال للقلفة : عذرة ؛ لأنها تقطع ، وعذرة الجارية سميت عذرة ؛ لأنها تعذر أي : تقطع ، ويقال : اعتذرت المياه إذا انقطعت ، فالعذر لما كان سببا لقطع اللوم سمي عذرا ، قال
الواحدي : والقولان متقاربان ؛ لأن محو أثر الذنب وقطع اللوم يتقاربان .
المسألة الثانية : أنه تعالى بين أن ذلك الاستهزاء كان كفرا ، والعقل يقتضي أن
nindex.php?page=treesubj&link=30549_28673_28373الإقدام على الكفر لأجل اللعب غير جائز ، فثبت أن قولهم : إنما كنا نخوض ونلعب ، ما كان عذرا حقيقيا في الإقدام على ذلك الاستهزاء ، فلما لم يكن ذلك عذرا في نفسه نهاهم الله عن أن يعتذروا به ؛ لأن المنع عن الكلام الباطل واجب ، فقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لا تعتذروا ) أي : لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم .
المسألة الثالثة : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66قد كفرتم بعد إيمانكم ) يدل على أحكام :
الحكم الأول :
أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفرا بالله ؛ وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف ،
nindex.php?page=treesubj&link=28653_19900_19674والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان ، والجمع بينهما محال .
الحكم الثاني :
أنه يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=29437_28674بطلان قول من يقول : الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب .
الحكم الثالث :
يدل على أن قولهم الذي صدر منهم كفر في الحقيقة ، وإن كانوا منافقين من قبل ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28673_30557الكفر يمكن أن يتجدد من الكافر حالا فحالا .
الحكم الرابع :
يدل على أن الكفر إنما حدث بعد أن كانوا مؤمنين .
ولقائل أن يقول : القوم لما كانوا منافقين فكيف يصح وصفهم بذلك ؟
قلنا : قال
الحسن : المراد كفرتم بعد إيمانكم الذي أظهرتموه ، وقال آخرون : ظهر كفركم للمؤمنين بعد أن كنتم عندهم مسلمين ، والقولان متقاربان .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : نَقَلَ
الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي لَفْظِ الِاعْتِذَارِ قَوْلَيْنِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَحْوِ الذَّنْبِ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : اعْتَذَرَتِ الْمَنَازِلُ إِذَا دَرَسَتْ . يُقَالُ : مَرَرْتُ بِمَنْزِلٍ
[ ص: 99 ] مُعْتَذِرٍ ، وَالِاعْتِذَارُ هُوَ الدَّرْسُ وَأَخْذُ الِاعْتِذَارِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَذِرَ يُحَاوِلُ إِزَالَةَ أَثَرِ ذَنْبِهِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الِاعْتِذَارَ هُوَ الْقَطْعُ ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْقُلْفَةِ : عُذْرَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ ، وَعُذْرَةُ الْجَارِيَةِ سُمِّيَتْ عُذْرَةً ؛ لِأَنَّهَا تُعْذَرُ أَيْ : تُقْطَعُ ، وَيُقَالُ : اعْتَذَرَتِ الْمِيَاهُ إِذَا انْقَطَعَتْ ، فَالْعُذْرُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِقَطْعِ اللَّوْمِ سُمِّيَ عُذْرًا ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ ؛ لِأَنَّ مَحْوَ أَثَرِ الذَّنْبِ وَقَطْعَ اللَّوْمِ يَتَقَارَبَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنْ ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءَ كَانَ كُفْرًا ، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30549_28673_28373الْإِقْدَامَ عَلَى الْكُفْرِ لِأَجْلِ اللَّعِبِ غَيْرُ جَائِزٍ ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُمْ : إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، مَا كَانَ عُذْرًا حَقِيقِيًّا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءِ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي نَفْسِهِ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَعْتَذِرُوا بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنِ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ وَاجِبٌ ، فَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لَا تَعْتَذِرُوا ) أَيْ : لَا تَذْكُرُوا هَذَا الْعُذْرَ فِي دَفْعِ هَذَا الْجُرْمِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) يَدُلُّ عَلَى أَحْكَامٍ :
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ :
أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِالدِّينِ كَيْفَ كَانَ كُفْرًا بِاللَّهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28653_19900_19674وَالْعُمْدَةُ الْكُبْرَى فِي الْإِيمَانِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَقْصَى الْإِمْكَانِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ .
الْحُكْمُ الثَّانِي :
أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29437_28674بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : الْكُفْرُ لَا يَدْخُلُ إِلَّا فِي أَفْعَالِ الْقُلُوبِ .
الْحُكْمُ الثَّالِثُ :
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُمْ كُفْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنْ كَانُوا مُنَافِقِينَ مِنْ قَبْلُ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28673_30557الْكُفْرَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَجَدَّدَ مِنَ الْكَافِرِ حَالًا فَحَالًا .
الْحُكْمُ الرَّابِعُ :
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْقَوْمُ لَمَّا كَانُوا مُنَافِقِينَ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَصْفُهُمْ بِذَلِكَ ؟
قُلْنَا : قَالَ
الْحَسَنُ : الْمُرَادُ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمُ الَّذِي أَظْهَرْتُمُوهُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : ظَهَرَ كُفْرُكُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ عِنْدَهُمْ مُسْلِمِينَ ، وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ .