[ ص: 121 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) .
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) .
اعلم أنه تعالى أمر رسوله بأن يسعى في تخذيلهم وإهانتهم وإذلالهم ، فالذي سبق ذكره في الآية الأولى وهو منعهم من الخروج معه إلى الغزوات سبب قوي من أسباب إذلالهم وإهانتهم ، وهذا الذي ذكره في هذه الآية ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=32907منع الرسول من أن يصلي على من مات منهم سبب آخر قوي في إذلالهم وتخذيلهم . عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه
nindex.php?page=treesubj&link=32907_32360_32173لما اشتكى عبد الله بن أبي ابن سلول عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطلب منه أن يصلي عليه إذا مات ويقوم على قبره ، ثم إنه أرسل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه قميصه ليكفن فيه ، فأرسل إليه القميص الفوقاني ، فرده وطلب الذي يلي جلده ليكفن فيه ، فقال عمر رضي الله عنه : لم تعطي قميصك الرجس النجس ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئا ، فلعل الله أن يدخل به ألفا في الإسلام " . وكان المنافقون لا يفارقون عبد الله ، فلما رأوه يطلب هذا القميص ويرجو أن ينفعه ، أسلم منهم يومئذ ألف ، فلما مات جاء ابنه يعرفه ، فقال عليه الصلاة والسلام لابنه : " صل عليه وادفنه " . فقال : إن لم تصل عليه يا رسول الله لم يصل عليه مسلم . فقام عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه ، فقام عمر فحال بين رسول الله وبين القبلة ؛ لئلا يصلي عليه ، فنزلت هذه الآية ، وأخذ جبريل عليه السلام بثوبه وقال :( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) .
واعلم أن هذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضي الله عنه ؛ وذلك لأن الوحي نزل على وفق قوله في آيات كثيرة :
منها آية أخذ الفداء عن أسارى
بدر ، وقد سبق شرحه .
وثانيها : آية تحريم الخمر .
وثالثها : آية تحويل القبلة .
ورابعها : آية أمر النسوان بالحجاب .
وخامسها : هذه الآية . فصار
nindex.php?page=treesubj&link=31216_31201نزول الوحي على مطابقة قول عمر رضي الله عنه منصبا عاليا ودرجة رفيعة له في الدين ؛ فلهذا قال عليه الصلاة والسلام في حقه : "
لو لم أبعث لبعثت يا عمر نبيا " .
فإن قيل : كيف يجوز أن يقال : إن الرسول رغب في أن يصلي عليه بعد أن علم كونه كافرا وقد مات على كفره ، وأن صلاة الرسول عليه تجري مجرى الإجلال والتعظيم له ، وأيضا إذا صلى عليه فقد دعا له ، وذلك محظور ؛ لأنه تعالى أعلمه أنه لا يغفر للكفار البتة ، وأيضا دفع القميص إليه يوجب إعزازه ؟
والجواب : لعل السبب فيه أنه لما طلب من الرسول أن يرسل إليه قميصه الذي مس جلده ليدفن فيه ، غلب على ظن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه انتقل إلى الإيمان ؛ لأن ذلك الوقت وقت يتوب فيه الفاجر ويؤمن فيه الكافر ، فلما رأى منه إظهار الإسلام وشاهد منه هذه الأمارة التي دلت على دخوله في الإسلام ، غلب على ظنه أنه صار مسلما ، فبنى على هذا الظن ورغب في أن يصلي عليه ، فلما نزل
جبريل عليه السلام وأخبره بأنه مات على كفره ونفاقه ، امتنع من الصلاة عليه . وأما دفع القميص إليه فذكروا فيه وجوها :
الأول : أن
العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيرا
ببدر ، لم يجدوا له قميصا ، وكان رجلا طويلا ، فكساه
عبد الله [ ص: 122 ] قميصه .
الثاني : أن المشركين قالوا له يوم
الحديبية : إنا لا ننقاد
لمحمد ، ولكنا ننقاد لك ، فقال : لا ، إن لي في رسول الله أسوة حسنة . فشكر رسول الله له ذلك .
والثالث : أن الله تعالى أمره أن لا يرد سائلا بقوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=10وأما السائل فلا تنهر ) [ الضحى : 10 ] . فلما طلب القميص منه دفعه إليه لهذا المعنى .
الرابع : أن منع القميص لا يليق بأهل الكرم .
الخامس : أن ابنه
عبد الله بن عبد الله بن أبي كان من الصالحين ، وأن الرسول أكرمه لمكان ابنه .
السادس : لعل الله تعالى أوحى إليه أنك إذا دفعت قميصك إليه صار ذلك حاملا لألف نفر من المنافقين في الدخول في الإسلام ففعل ذلك لهذا الغرض ، وروي أنهم لما شاهدوا ذلك أسلم ألف من المنافقين .
السابع : أن
nindex.php?page=treesubj&link=31052_31055الرحمة والرأفة كانت غالبة عليه كما قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] . وقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فبما رحمة من الله لنت لهم ) [ آل عمران : 159 ] . فامتنع من الصلاة عليه رعاية لأمر الله تعالى ، ودفع إليه القميص لإظهار الرحمة والرأفة .
إذا عرفت هذا فنقول : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) قال
الواحدي : " مات " في موضع جر ؛ لأنه صفة للنكرة ، كأنه قيل : على أحد منهم ميت . وقوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84أبدا ) متعلق بقوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84أحد ) والتقدير : ولا تصل أبدا على أحد منهم . واعلم أن قوله : ولا تصل أبدا يحتمل تأييد النفي ويحتمل تأييد المنفي ، والمقصود هو الأول ؛ لأن قرائن هذه الآيات دالة على أن المقصود منعه من أن يصلي على أحد منهم منعا كليا دائما .
ثم قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84ولا تقم على قبره ) وفيه وجهان :
الأول : قال
الزجاج :
nindex.php?page=treesubj&link=2228_28844كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له ، فمنع ههنا منه .
الثاني : قال
الكلبي : لا تقم بإصلاح مهمات قبره ، وهو من قولهم : قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره وتولاه . ثم إنه تعالى علل المنع من الصلاة عليه والقيام على قبره بقوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) وفيه سؤالات :
السؤال الأول : الفسق أدنى حالا من الكفر ، ولما ذكر في تعليل هذا النهي كونه كافرا فما الفائدة في وصفه بعد ذلك بكونه فاسقا ؟
والجواب : أن الكافر قد يكون عدلا في دينه ، وقد يكون فاسقا في دينه خبيثا ممقوتا عند قومه ،
nindex.php?page=treesubj&link=18981_19229والكذب والنفاق والخداع والمكر والكيد أمر مستقبح في جميع الأديان ، فالمنافقون لما كانوا موصوفين بهذه الصفات وصفهم الله تعالى بالفسق بعد أن وصفهم بالكفر ؛ تنبيها على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19229طريقة النفاق طريقة مذمومة عند كل أهل العالم .
السؤال الثاني : أليس أن
nindex.php?page=treesubj&link=32907المنافق يصلى عليه إذا أظهر الإيمان مع قيام الكفر فيه ؟ .
والجواب : أن التكاليف مبنية على الظاهر ، قال عليه الصلاة والسلام : "
نحن نحكم بالظاهر ، والله تعالى يتولى السرائر " .
السؤال الثالث : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله ) تصريح بكون ذلك النهي معللا بهذه العلة ، وذلك يقتضي تعليل حكم الله تعالى ، وهو محال ؛ لأن حكم الله قديم ، وهذه العلة محدثة ، وتعليل القديم بالمحدث محال .
والجواب : الكلام في أن تعليل حكم الله تعالى بالمصالح هل يجوز أم لا ، بحث طويل ، ولا شك أن هذا الظاهر يدل عليه .
[ ص: 121 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يَسْعَى فِي تَخْذِيلِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ وَإِذْلَالِهِمْ ، فَالَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَنْعُهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ إِلَى الْغَزَوَاتِ سَبَبٌ قَوِيٌّ مِنْ أَسْبَابِ إِذْلَالِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=32907مَنْعُ الرَّسُولِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ سَبَبٌ آخَرُ قَوِيٌّ فِي إِذْلَالِهِمْ وَتَخْذِيلِهِمْ . عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=32907_32360_32173لَمَّا اشْتَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ عَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ وَيَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَطْلُبُ مِنْهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْقَمِيصَ الْفَوْقَانِيَّ ، فَرَدَّهُ وَطَلَبَ الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهِ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لِمَ تُعْطِي قَمِيصَكَ الرِّجْسَ النَّجِسَ ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " إِنَّ قَمِيصِي لَا يُغْنِي عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَ بِهِ أَلْفًا فِي الْإِسْلَامِ " . وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ لَا يُفَارِقُونَ عَبْدَ اللَّهِ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ يَطْلُبُ هَذَا الْقَمِيصَ وَيَرْجُو أَنْ يَنْفَعَهُ ، أَسْلَمَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَلْفٌ ، فَلَمَّا مَاتَ جَاءَ ابْنُهُ يَعْرِفُهُ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِهِ : " صَلِّ عَلَيْهِ وَادْفِنْهُ " . فَقَالَ : إِنْ لَمْ تُصَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ . فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ عُمَرُ فَحَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ؛ لِئَلَّا يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَأَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثَوْبِهِ وَقَالَ :( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى مَنْقَبَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ مَنَاقِبِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَحْيَ نَزَلَ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ :
مِنْهَا آيَةُ أَخْذِ الْفِدَاءِ عَنْ أُسَارَى
بَدْرٍ ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ .
وَثَانِيهَا : آيَةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ .
وَثَالِثُهَا : آيَةُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ .
وَرَابِعُهَا : آيَةُ أَمْرِ النِّسْوَانِ بِالْحِجَابِ .
وَخَامِسُهَا : هَذِهِ الْآيَةُ . فَصَارَ
nindex.php?page=treesubj&link=31216_31201نُزُولُ الْوَحْيِ عَلَى مُطَابَقَةِ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْصِبًا عَالِيًا وَدَرَجَةً رَفِيعَةً لَهُ فِي الدِّينِ ؛ فَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَقِّهِ : "
لَوْ لَمْ أُبْعَثْ لَبُعِثْتَ يَا عُمَرُ نَبِيًّا " .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الرَّسُولَ رَغِبَ فِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ كَوْنَهُ كَافِرًا وَقَدْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ ، وَأَنَّ صَلَاةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ تَجْرِي مَجْرَى الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ ، وَأَيْضًا إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ فَقَدْ دَعَا لَهُ ، وَذَلِكَ مَحْظُورٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لِلْكُفَّارِ الْبَتَّةَ ، وَأَيْضًا دَفْعُ الْقَمِيصِ إِلَيْهِ يُوجِبُ إِعْزَازَهُ ؟
وَالْجَوَابُ : لَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ مِنَ الرَّسُولِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ قَمِيصَهُ الَّذِي مَسَّ جِلْدَهُ لِيُدْفَنَ فِيهِ ، غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى الْإِيمَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتٌ يَتُوبُ فِيهِ الْفَاجِرُ وَيُؤْمِنُ فِيهِ الْكَافِرُ ، فَلَمَّا رَأَى مِنْهُ إِظْهَارَ الْإِسْلَامِ وَشَاهَدَ مِنْهُ هَذِهِ الْأَمَارَةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ ، غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا ، فَبَنَى عَلَى هَذَا الظَّنِّ وَرَغِبَ فِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا نَزَلَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ ، امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ . وَأَمَّا دَفْعُ الْقَمِيصِ إِلَيْهِ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
الْعَبَّاسَ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُخِذَ أَسِيرًا
بِبَدْرٍ ، لَمْ يَجِدُوا لَهُ قَمِيصًا ، وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلًا ، فَكَسَاهُ
عَبْدُ اللَّهِ [ ص: 122 ] قَمِيصَهُ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لَهُ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ : إِنَّا لَا نَنْقَادُ
لِمُحَمَّدٍ ، وَلَكِنَّا نَنْقَادُ لَكَ ، فَقَالَ : لَا ، إِنَّ لِي فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةً حَسَنَةً . فَشَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ لَهُ ذَلِكَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ سَائِلًا بِقَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=10وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ) [ الضُّحَى : 10 ] . فَلَمَّا طَلَبَ الْقَمِيصَ مِنْهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ لِهَذَا الْمَعْنَى .
الرَّابِعُ : أَنَّ مَنْعَ الْقَمِيصِ لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الْكَرَمِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ ابْنَهُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَأَنَّ الرَّسُولَ أَكْرَمَهُ لِمَكَانِ ابْنِهِ .
السَّادِسُ : لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّكَ إِذَا دَفَعْتَ قَمِيصَكَ إِلَيْهِ صَارَ ذَلِكَ حَامِلًا لِأَلْفِ نَفَرٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِهَذَا الْغَرَضِ ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ لَمَّا شَاهَدُوا ذَلِكَ أَسْلَمَ أَلْفٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ .
السَّابِعُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31052_31055الرَّحْمَةَ وَالرَّأْفَةَ كَانَتْ غَالِبَةً عَلَيْهِ كَمَا قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 107 ] . وَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 159 ] . فَامْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ رِعَايَةً لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ الْقَمِيصَ لِإِظْهَارِ الرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ) قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : " مَاتَ " فِي مَوْضِعِ جَرٍّ ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَيِّتٍ . وَقَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84أَبَدًا ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84أَحَدٍ ) وَالتَّقْدِيرُ : وَلَا تُصَلِّ أَبَدًا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ . وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : وَلَا تُصَلِّ أَبَدًا يَحْتَمِلُ تَأْيِيدَ النَّفْيِ وَيَحْتَمِلُ تَأْيِيدَ الْمَنْفِيِّ ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ قَرَائِنَ هَذِهِ الْآيَاتِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَنْعًا كُلِّيًّا دَائِمًا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) وَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ :
nindex.php?page=treesubj&link=2228_28844كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَفَنَ الْمَيِّتَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَدَعَا لَهُ ، فَمَنَعَ هَهُنَا مِنْهُ .
الثَّانِي : قَالَ
الْكَلْبِيُّ : لَا تَقُمْ بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ قَبْرِهِ ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ : قَامَ فُلَانٌ بِأَمْرِ فُلَانٍ إِذَا كَفَاهُ أَمْرَهُ وَتَوَلَّاهُ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْقِيَامِ عَلَى قَبْرِهِ بِقَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) وَفِيهِ سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : الْفِسْقُ أَدْنَى حَالًا مِنَ الْكُفْرِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ فِي تَعْلِيلِ هَذَا النَّهْيِ كَوْنَهُ كَافِرًا فَمَا الْفَائِدَةُ فِي وَصْفِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فَاسِقًا ؟
وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا فِي دِينِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ فَاسِقًا فِي دِينِهِ خَبِيثًا مَمْقُوتًا عِنْدَ قَوْمِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18981_19229وَالْكَذِبُ وَالنِّفَاقُ وَالْخِدَاعُ وَالْمَكْرُ وَالْكَيْدُ أَمْرٌ مُسْتَقْبَحٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ ، فَالْمُنَافِقُونَ لَمَّا كَانُوا مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْفِسْقِ بَعْدَ أَنْ وَصَفَهُمْ بِالْكُفْرِ ؛ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19229طَرِيقَةَ النِّفَاقِ طَرِيقَةٌ مَذْمُومَةٌ عِنْدَ كُلِّ أَهْلِ الْعَالَمِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَلَيْسَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32907الْمُنَافِقَ يُصَلَّى عَلَيْهِ إِذَا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ مَعَ قِيَامِ الْكُفْرِ فِيهِ ؟ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ التَّكَالِيفَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ " .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) تَصْرِيحٌ بِكَوْنِ ذَلِكَ النَّهْيِ مُعَلَّلًا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْلِيلَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ قَدِيمٌ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُحْدَثَةٌ ، وَتَعْلِيلُ الْقَدِيمِ بِالْمُحْدَثِ مُحَالٌ .
وَالْجَوَابُ : الْكَلَامُ فِي أَنَّ تَعْلِيلَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَصَالِحِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا ، بَحْثٌ طَوِيلٌ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ .