فإن قيل : فما معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بغير الحق ) والبغي لا يكون بحق ؟
قلنا : البغي قد يكون بالحق ، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ببني قريظة . ثم إنه تعالى بين أن هذا البغي أمر باطل يجب على العاقل أن يحترز منه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الأكثرون : (متاع) برفع العين ، وقرأ
حفص عن
عاصم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23متاع ) بنصب العين ، أما الرفع ففيه وجهان ، الأول : أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بغيكم على أنفسكم ) مبتدأ ، وقوله : (متاع الحياة الدنيا) خبرا . والمراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بغيكم على أنفسكم ) بغي بعضكم على بعض ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فاقتلوا أنفسكم ) [ البقرة : 54 ] ومعنى الكلام أن بغي بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا ولا بقاء لها . والثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بغيكم ) مبتدأ ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23على أنفسكم ) خبره ، وقوله : (متاع الحياة الدنيا) خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هو متاع الحياة الدنيا . وأما القراءة بالنصب فوجهها أن نقول : إن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بغيكم ) مبتدأ ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23على أنفسكم ) خبره ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23متاع الحياة الدنيا ) في موضع المصدر المؤكد ، والتقدير : تتمتعون متاع الحياة الدنيا .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=9519البغي من منكرات المعاصي . قال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012922أسرع الخير ثوابا صلة الرحم ، وأعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة " وروي : "
nindex.php?page=treesubj&link=9519_18022ثنتان يعجلهما الله في الدنيا : البغي وعقوق الوالدين " وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : لو بغى جبل على جبل لاندك الباغي . وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه :
يا صاحب البغي إن البغي مصرعة فاربع فخير فعال المرء أعدله فلو بغى جبل يوما على جبل
لاندك منه أعاليه وأسفله
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي : ثلاث من كن فيه كن عليه : البغي والنكث والمكر ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23إنما بغيكم على أنفسكم ) .
المسألة الثالثة : حاصل الكلام في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) أي : لا يتهيأ لكم بغي بعضكم على بعض إلا أياما قليلة ، وهي مدة حياتكم مع قصرها وسرعة انقضائها (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23ثم إلينا ) أي ما وعدنا من المجازاة على أعمالكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) في الدنيا ، والإنباء هو الإخبار ، وهو في هذا الموضع وعيد بالعذاب كقول الرجل لغيره : سأخبرك بما فعلت .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بِغَيْرِ الْحَقِّ ) وَالْبَغْيُ لَا يَكُونُ بِحَقٍّ ؟
قُلْنَا : الْبَغْيُ قَدْ يَكُونُ بِالْحَقِّ ، وَهُوَ اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَرْضِ الْكَفَرَةِ وَهَدْمُ دُورِهِمْ وَإِحْرَاقُ زُرُوعِهِمْ وَقَطْعُ أَشْجَارِهِمْ ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِبَنِي قُرَيْظَةَ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْبَغْيَ أَمْرٌ بَاطِلٌ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ الْأَكْثَرُونَ : (مَتَاعُ) بِرَفْعِ الْعَيْنِ ، وَقَرَأَ
حَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23مَتَاعَ ) بِنَصْبِ الْعَيْنِ ، أَمَّا الرَّفْعُ فَفِيهِ وَجْهَانِ ، الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) مُبْتَدَأً ، وَقَوْلُهُ : (مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) خَبَرًا . وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) بَغْيُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 54 ] وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ بَغْيَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ مَنْفَعَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا بَقَاءَ لَهَا . وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بَغْيُكُمْ ) مُبْتَدَأٌ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) خَبَرُهُ ، وَقَوْلُهُ : (مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : هُوَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ فَوَجْهُهَا أَنْ نَقُولَ : إِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بَغْيُكُمْ ) مُبْتَدَأٌ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) خَبَرُهُ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ ، وَالتَّقْدِيرُ : تَتَمَتَّعُونَ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9519الْبَغْيُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْمَعَاصِي . قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012922أَسْرَعُ الْخَيْرِ ثَوَابًا صِلَةُ الرَّحِمِ ، وَأَعْجَلُ الشَّرِّ عِقَابًا الْبَغْيُ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ " وَرُوِيَ : "
nindex.php?page=treesubj&link=9519_18022ثِنْتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللَّهُ فِي الدُّنْيَا : الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَانْدَكَّ الْبَاغِي . وَكَانَ الْمَأْمُونُ يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي أَخِيهِ :
يَا صَاحِبَ الْبَغْيِ إِنَّ الْبَغْيَ مَصْرَعَةٌ فَارْبِعْ فَخَيْرُ فِعَالِ الْمَرْءِ أَعْدَلُهُ فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْمًا عَلَى جَبَلٍ
لَانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيهِ وَأَسْفَلُهُ
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ : ثَلَاثٌ مَنْ كُنْ فِيهِ كُنَّ عَلَيْهِ : الْبَغْيُ وَالنَّكْثُ وَالْمَكْرُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) أَيْ : لَا يَتَهَيَّأُ لَكُمْ بَغْيُ بَعْضِكِمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا أَيَّامًا قَلِيلَةً ، وَهِيَ مُدَّةُ حَيَاتِكُمْ مَعَ قِصَرِهَا وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23ثُمَّ إِلَيْنَا ) أَيْ مَا وَعَدْنَا مِنَ الْمُجَازَاةِ عَلَى أَعْمَالِكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) فِي الدُّنْيَا ، وَالْإِنْبَاءُ هُوَ الْإِخْبَارُ ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَعِيدٌ بِالْعَذَابِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ : سَأُخْبِرُكَ بِمَا فَعَلْتَ .