(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=31842_28982وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51ياقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ) .
اعلم أن هذا هو القصة الثانية من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة ، واعلم أن هذا
[ ص: 9 ] معطوف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25ولقد أرسلنا نوحا ) [هود : 25 ] والتقدير : ولقد أرسلنا إلى
عاد أخاهم
هودا ، وقوله : ( هودا ) عطف بيان .
واعلم أنه تعالى وصف
هودا بأنه أخوهم ، ومعلوم أن تلك الأخوة ما كانت في الدين ، وإنما كانت في النسب ؛ لأن
هودا كان رجلا من قبيلة
عاد ، وهذه القبيلة كانت قبيلة من العرب ، وكانوا بناحية
اليمن ، ونظيره ما يقال للرجل : يا أخا تميم ، ويا أخا سليم ، والمراد : رجل منهم .
فإن قيل : إنه تعالى قال في ابن
نوح : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه ليس من أهلك ) فبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=30530_18563قرابة النسب لا تفيد إذا لم تحصل قرابة الدين ، وههنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدين ، فما الفرق بينهما ؟
قلنا : المراد من هذا الكلام استمالة قوم
محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن قومه كانوا يستبعدون في
محمد - مع أنه واحد من قبيلتهم - أن يكون رسولا إليهم من عند الله ، فذكر الله تعالى أن
هودا كان واحدا من
عاد ، وأن
صالحا كان واحدا من
ثمود ؛ لإزالة هذا الاستبعاد .
واعلم أنه تعالى حكى عن
هود - عليه السلام - أنه دعا قومه إلى أنواع من التكاليف :
فالنوع الأول : أنه دعاهم إلى التوحيد ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ) وفيه سؤال ، وهو أنه كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل أن أقام الدلالة على ثبوت الإله تعالى ؟
قلنا :
nindex.php?page=treesubj&link=29619_29426دلائل وجود الله تعالى ظاهرة ، وهي دلائل الآفاق والأنفس ، وقلما توجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله تعالى ؛ ولذلك قال تعالى في صفة الكفار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [لقمان : 25 ] .
قال مصنف هذا الكتاب
محمد بن عمر الرازي - رحمه الله وختم له بالحسنى - : دخلت بلاد
الهند ، فرأيت أولئك الكفار مطبقين على الاعتراف بوجود الإله ، وأكثر بلاد
الترك أيضا كذلك ، وإنما الشأن في عبادة الأوثان ، فإنها آفة عمت أكثر أطراف الأرض ، وهكذا الأمر كان في الزمان القديم - أعني زمان
نوح وهود وصالح عليهم السلام - فهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يمنعونهم من عبادة الأصنام ، فكان قول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50اعبدوا الله ) معناه : لا تعبدوا غير الله ، والدليل عليه أنه قال عقيبه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50ما لكم من إله غيره ) وذلك يدل على أن المقصود من هذا الكلام منعهم عن الاشتغال بعبادة الأصنام .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50ما لكم من إله غيره ) فقرئ ( غيره ) بالرفع صفة على محل الجار والمجرور ، وقرئ بالجر صفة على اللفظ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50إن أنتم إلا مفترون ) يعني أنكم كاذبون في قولكم : إن هذه الأصنام تحسن عبادتها ، أو في قولكم : إنها تستحق العبادة ، وكيف لا يكون هذا كذبا وافتراء وهي جمادات لا حس لها ولا إدراك ، والإنسان هو الذي ركبها وصورها ، فكيف يليق بالإنسان الذي صنعها أن يعبدها ، وأن يضع الجبهة على التراب تعظيما لها! ثم إنه عليه الصلاة والسلام لما أرشدهم إلى التوحيد ومنعهم عن عبادة الأوثان قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51ياقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني ) وهو عين ما ذكره
نوح - عليه السلام - ؛ وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19700_19857_32022الدعوة إلى الله تعالى إذا كانت مطهرة عن دنس الطمع ، قوي تأثيرها في القلب .
[ ص: 10 ] ثم قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51أفلا تعقلون ) يعني أفلا تعقلون أني مصيب في المنع من عبادة الأصنام ؟ وذلك لأن العلم بصحة هذا المنع ، كأنه مركوز في بدائه العقول .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=31842_28982وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْقَصَصِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا
[ ص: 9 ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا ) [هُودٍ : 25 ] وَالتَّقْدِيرُ : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى
عَادٍ أَخَاهُمْ
هُودًا ، وَقَوْلُهُ : ( هُودًا ) عَطْفُ بَيَانٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ
هُودًا بِأَنَّهُ أَخُوهُمْ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تِلْكَ الْأُخُوَّةَ مَا كَانَتْ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ
هُودًا كَانَ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةِ
عَادٍ ، وَهَذِهِ الْقَبِيلَةُ كَانَتْ قَبِيلَةً مِنَ الْعَرَبِ ، وَكَانُوا بِنَاحِيَةِ
الْيَمَنِ ، وَنَظِيرُهُ مَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ : يَا أَخَا تَمِيمٍ ، وَيَا أَخَا سُلَيْمٍ ، وَالْمُرَادُ : رَجُلٌ مِنْهُمْ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي ابْنِ
نُوحٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) فَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30530_18563قَرَابَةَ النِّسَبِ لَا تُفِيدُ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ قَرَابَةُ الدِّينِ ، وَهَهُنَا أَثْبَتَ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ؟
قُلْنَا : الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ اسْتِمَالَةُ قَوْمِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ لِأَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا يَسْتَبْعِدُونَ فِي
مُحَمَّدٍ - مَعَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ - أَنْ يَكُونَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ
هُودًا كَانَ وَاحِدًا مِنْ
عَادٍ ، وَأَنَّ
صَالِحًا كَانَ وَاحِدًا مِنْ
ثَمُودَ ؛ لِإِزَالَةِ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ
هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ التَّكَالِيفِ :
فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ) وَفِيهِ سُؤَالٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ أَقَامَ الدَّلَالَةَ عَلَى ثُبُوتِ الْإِلَهِ تَعَالَى ؟
قُلْنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29619_29426دَلَائِلُ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرَةٌ ، وَهِيَ دَلَائِلُ الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ ، وَقَلَّمَا تُوجَدُ فِي الدُّنْيَا طَائِفَةٌ يُنْكِرُونَ وُجُودَ الْإِلَهِ تَعَالَى ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْكُفَّارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) [لُقْمَانَ : 25 ] .
قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ وَخَتَمَ لَهُ بِالْحُسْنَى - : دَخَلْتُ بِلَادَ
الْهِنْدِ ، فَرَأَيْتُ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ مُطْبِقِينَ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِ الْإِلَهِ ، وَأَكْثَرُ بِلَادِ
التُّرْكِ أَيْضًا كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، فَإِنَّهَا آفَةٌ عَمَّتْ أَكْثَرَ أَطْرَافِ الْأَرْضِ ، وَهَكَذَا الْأَمْرُ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْقَدِيمِ - أَعْنِي زَمَانَ
نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فَهَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، فَكَانَ قَوْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50اعْبُدُوا اللَّهَ ) مَعْنَاهُ : لَا تَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ عَقِيبَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مَنْعُهُمْ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) فَقُرِئَ ( غَيْرُهُ ) بِالرَّفْعِ صِفَةً عَلَى مَحَلِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ، وَقُرِئَ بِالْجَرِّ صِفَةً عَلَى اللَّفْظِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=50إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ) يَعْنِي أَنَّكُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِكُمْ : إِنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ تَحْسُنُ عِبَادَتُهَا ، أَوْ فِي قَوْلِكُمْ : إِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ هَذَا كَذِبًا وَافْتِرَاءً وَهِيَ جَمَادَاتٌ لَا حِسَّ لَهَا وَلَا إِدْرَاكَ ، وَالْإِنْسَانُ هُوَ الَّذِي رَكَّبَهَا وَصَوَّرَهَا ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْإِنْسَانِ الَّذِي صَنَعَهَا أَنْ يَعْبُدَهَا ، وَأَنْ يَضَعَ الْجَبْهَةَ عَلَى التُّرَابِ تَعْظِيمًا لَهَا! ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا أَرْشَدَهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَمَنَعَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ) وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ
نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19700_19857_32022الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَتْ مُطَهَّرَةً عَنْ دَنَسِ الطَّمَعِ ، قَوِيَ تَأْثِيرُهَا فِي الْقَلْبِ .
[ ص: 10 ] ثُمَّ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) يَعْنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنِّي مُصِيبٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ؟ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْمَنْعِ ، كَأَنَّهُ مَرْكُوزٌ فِي بَدَائِهِ الْعُقُولِ .