( قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون )
قوله تعالى : ( قالوا ياأبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون ) .
اعلم أن هذا الكلام يدل على أن يعقوب عليه السلام كان يخافهم على يوسف ولولا ذلك وإلا لما قالوا هذا القول .
واعلم أنهم لما أحكموا العزم ذكروا هذا الكلام وأظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف وفي غاية الشفقة عليه ، وكانت عادتهم أن يغيبوا عنه مدة إلى الرعي فسألوه أن يرسله معهم ، وقد كان عليه السلام يحب تطييب قلب يوسف فاغتر بقولهم وأرسله معهم . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب الكشاف : " لا تأمنا " قرئ بإظهار النونين وبالإدغام بإشمام وبغير إشمام ، والمعنى لم تخافنا عليه ونحن نحبه ونريد الخير به .
[ ص: 78 ] المسألة الثانية : في ( يرتع ويلعب ) خمس قراءات :
القراءة الأولى : قرأ ابن كثير بالنون ، وبكسر عين نرتع من الارتعاء ، ويلعب بالياء ، والارتعاء افتعال من رعيت ، يقال : رعت الماشية الكلأ ترعاه رعيا إذا أكلته ، وقوله " نرتع " الارتعاء للإبل والمواشي ، وقد أضافوه إلى أنفسهم ، لأن المعنى نرتع إبلنا ، ثم نسبوه إلى أنفسهم لأنهم هم السبب في ذلك الرعي ، والحاصل أنهم أضافوا الارتعاء والقيام بحفظ المال إلى أنفسهم لأنهم بالغون كاملون وأضافوا اللعب إلى يوسف لصغره .
القراءة الثانية : قرأ نافع كلاهما بالياء وكسر العين من " يرتع " أضاف الارتعاء إلى يوسف بمعنى أنه يباشر رعي الإبل ليتدرب بذلك ، فمرة " يرتع " ومرة " يلعب " كفعل الصبيان .
القراءة الثالثة : قرأ أبو عمرو وابن عامر " نرتع " بالنون وجزم العين ومثله نلعب . قال : الرتع الأكل بشره ، وقيل : إنه الخصب ، وقيل : المراد من اللعب الإقدام على المباحات وهذا يوصف به الإنسان ، وأما " نلعب " فروي أنه قيل ابن الأعرابي لأبي عمرو : كيف يقولون نلعب وهم أنبياء ؟ فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء ، وأيضا جاز أن يكون المراد من اللعب الإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجابر : " " وأيضا كان لعبهم الاستباق ، والغرض منه تعلم المحاربة والمقاتلة مع الكفار ، والدليل عليه قولهم : إنا ذهبنا نستبق ; وإنما سموه لعبا لأنه في صورته . فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك
القراءة الرابعة : قرأ أهل الكوفة كليهما بالياء وسكون العين ، ومعناه إسناد الرتع واللعب إلى يوسف عليه السلام .
القراءة الخامسة : " يرتع " بالياء " ونلعب " بالنون وهذا بعيد ، لأنهم إنما سألوا إرسال يوسف معهم ليفرح هو باللعب لا ليفرحوا باللعب ، والله أعلم .