(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون )
اعلم أنه تعالى لما بين أن إخراج الألبان من النعم ، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب دلائل قاهرة ، وبينات باهرة على أن لهذا العالم إلها قادرا مختارا حكيما ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=33679_29426إخراج العسل من النحل دليل قاطع وبرهان ساطع على إثبات هذا المقصود ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل ) يقال : وحى وأوحى ، وهو الإلهام ، والمراد من الإلهام أنه تعالى قرر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة التي تعجز عنها العقلاء من البشر ، وبيانه من وجوه :
الأول : أنها تبني البيوت المسدسة من أضلاع متساوية ، لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها ، والعقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات وأدوات مثل المسطر والفرجار .
والثاني : أنه ثبت في الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بأشكال سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة فيما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة ،
[ ص: 57 ] أما إذا كانت تلك البيوت مسدسة فإنه لا يبقى فيما بينها فرج ضائعة ، فإهداء ذلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الخفية والدقيقة اللطيفة من الأعاجيب .
والثالث : أن النحل يحصل فيما بينها واحد يكون كالرئيس للبقية ، وذلك الواحد يكون أعظم جثة من الباقي ، ويكون نافذ الحكم على تلك البقية ، وهم يخدمونه ويحملونه عند الطيران ، وذلك أيضا من الأعاجيب .
والرابع : أنها إذا نفرت من وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر ، فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطنبور والملاهي وآلات الموسيقى ، وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها ، وهذا أيضا حالة عجيبة ، فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والكياسة ، وكان حصول هذه الأنواع من الكياسة ليس إلا على سبيل الإلهام وهي حالة شبيهة بالوحي ، لا جرم قال تعالى في حقها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل ) .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28857الوحي قد ورد في حق الأنبياء لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=51وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ) [ الشورى : 51 ] وفي حق الأولياء أيضا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=111وإذ أوحيت إلى الحواريين ) [ المائدة : 111 ] وبمعنى
nindex.php?page=treesubj&link=22160الإلهام في حق البشر قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وأوحينا إلى أم موسى ) [ القصص : 7 ] وفي حق سائر الحيوانات كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل ) ولكل واحد من هذه الأقسام معنى خاص . والله أعلم .
المسألة الثانية : قال
الزجاج : يجوز أن يقال : سمي هذا الحيوان نحلا ، لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها ، وقال غيره : النحل يذكر ويؤنث ، وهي مؤنثة في لغة
الحجاز ، ولذلك أنثها الله تعالى ، وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكَ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ إِخْرَاجَ الْأَلْبَانِ مِنَ النِّعَمِ ، وَإِخْرَاجَ السَّكَرِ وَالرِّزْقِ الْحَسَنِ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ دَلَائِلُ قَاهِرَةٌ ، وَبَيِّنَاتٌ بَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ إِلَهًا قَادِرًا مُخْتَارًا حَكِيمًا ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_29426إِخْرَاجُ الْعَسَلِ مِنَ النَّحْلِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَبُرْهَانٌ سَاطِعٌ عَلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْمَقْصُودِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) يُقَالُ : وَحَى وَأَوْحَى ، وَهُوَ الْإِلْهَامُ ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْإِلْهَامِ أَنَّهُ تَعَالَى قَرَّرَ فِي أَنْفُسِهَا هَذِهِ الْأَعْمَالَ الْعَجِيبَةَ الَّتِي تَعْجِزُ عَنْهَا الْعُقَلَاءُ مِنَ الْبَشَرِ ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا تَبْنِي الْبُيُوتَ الْمُسَدَّسَةَ مِنْ أَضْلَاعٍ مُتَسَاوِيَةٍ ، لَا يَزِيدُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِمُجَرَّدِ طِبَاعِهَا ، وَالْعُقَلَاءُ مِنَ الْبَشَرِ لَا يُمْكِنُهُمْ بِنَاءُ مِثْلِ تِلْكَ الْبُيُوتِ إِلَّا بِآلَاتٍ وَأَدَوَاتٍ مِثْلَ الْمِسْطَرِ وَالْفِرْجَارِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْهَنْدَسَةِ أَنَّ تِلْكَ الْبُيُوتَ لَوْ كَانَتْ مُشَكَّلَةً بِأَشْكَالٍ سِوَى الْمُسَدَّسَاتِ فَإِنَّهُ يَبْقَى بِالضَّرُورَةِ فِيمَا بَيْنَ تِلْكَ الْبُيُوتِ فُرَجٌ خَالِيَةٌ ضَائِعَةٌ ،
[ ص: 57 ] أَمَّا إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْبُيُوتُ مُسَدَّسَةً فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى فِيمَا بَيْنَهَا فُرَجٌ ضَائِعَةٌ ، فَإِهْدَاءُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ الضَّعِيفِ إِلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ الْخَفِيَّةِ وَالدَّقِيقَةِ اللَّطِيفَةِ مِنَ الْأَعَاجِيبِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ النَّحْلَ يَحْصُلُ فِيمَا بَيْنَهَا وَاحِدٌ يَكُونُ كَالرَّئِيسِ لِلْبَقِيَّةِ ، وَذَلِكَ الْوَاحِدُ يَكُونُ أَعْظَمَ جُثَّةً مِنَ الْبَاقِي ، وَيَكُونُ نَافِذَ الحكم عَلَى تِلْكَ الْبَقِيَّةِ ، وَهُمْ يَخْدِمُونَهُ وَيَحْمِلُونَهُ عِنْدَ الطَّيَرَانِ ، وَذَلِكَ أَيْضًا مِنَ الْأَعَاجِيبِ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّهَا إِذَا نَفَرَتْ مِنْ وَكْرِهَا ذَهَبَتْ مَعَ الْجَمْعِيَّةِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَإِذَا أَرَادُوا عَوْدَهَا إِلَى وَكْرِهَا ضَرَبُوا الطُّنْبُورَ وَالْمَلَاهِي وَآلَاتِ الْمُوسِيقَى ، وَبِوَاسِطَةِ تِلْكَ الْأَلْحَانِ يَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّهَا إِلَى وَكْرِهَا ، وَهَذَا أَيْضًا حَالَةٌ عَجِيبَةٌ ، فَلَمَّا امْتَازَ هَذَا الْحَيَوَانُ بِهَذِهِ الْخَوَاصِّ الْعَجِيبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَزِيدِ الذَّكَاءِ وَالْكِيَاسَةِ ، وَكَانَ حُصُولُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنَ الْكِيَاسَةِ لَيْسَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْإِلْهَامِ وَهِيَ حَالَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْوَحْيِ ، لَا جَرَمَ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28857الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=51وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا ) [ الشُّورَى : 51 ] وَفِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=111وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ ) [ الْمَائِدَةِ : 111 ] وَبِمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=22160الْإِلْهَامِ فِي حَقِّ الْبَشَرِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ) [ الْقَصَصِ : 7 ] وَفِي حَقِّ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَعْنًى خَاصٌّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : سُمِّيَ هَذَا الْحَيَوَانُ نَحْلًا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَحَلَ النَّاسَ الْعَسَلَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا ، وَقَالَ غَيْرُهُ : النَّحْلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فِي لُغَةِ
الْحِجَازِ ، وَلِذَلِكَ أَنَّثَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ كَلُّ جَمْعٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ إِلَّا الْهَاءُ .