النوع الثاني : من المدائح المذكورة في هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وحملناهم في البر والبحر ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل ، وفي البحر على السفن ، وهذا أيضا من مؤكدات التكريم المذكور أولا ، لأنه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو ويقاتل ويذب عن نفسه ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32415_29703تسخير الله تعالى المياه والسفن وغيرها ليركبها وينقل عليها ويتكسب بها مما يختص به ابن آدم ، كل ذلك مما يدل على أن الإنسان في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع ، وكل ما سواه فهو رعيته وتبع له .
النوع الثالث : من المدائح قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70ورزقناهم من الطيبات ) وذلك لأن الأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، وكلا القسمين إنما يتغذى الإنسان منه بألطف أنواعها وأشرف أقسامها بعد التنقية التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ ، وذلك مما لا يحصل إلا للإنسان .
النوع الرابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) وههنا بحثان :
البحث الأول : أنه قال في أول الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70ولقد كرمنا بني آدم ) وقال في آخرها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وفضلناهم ) ولا بد من الفرق بين هذا التكريم والتفضيل وإلا لزم التكرار ، والأقرب أن يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=32412_29703إنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ، ثم إنه تعالى عرضه بواسطة ذلك العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة ، فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل .
البحث الثاني : أنه تعالى لم يقل : وفضلناهم على الكل بل قال :
[ ص: 14 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) فهذا يدل على أنه حصل في مخلوقات الله تعالى شيء لا يكون الإنسان مفضلا عليه ، وكل من أثبت هذا القسم قال : إنه هو الملائكة ، فلزم القول بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28809الإنسان ليس أفضل من الملائكة بل الملك أفضل من الإنسان ، وهذا القول مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس واختيار
الزجاج على ما رواه
الواحدي في البسيط . واعلم أن هذا الكلام مشتمل على بحثين :
البحث الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28809_30173الأنبياء عليهم السلام أفضل أم الملائكة ؟ وقد سبق ذكر هذه المسألة بالاستقصاء في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) ( البقرة : 34 ) .
والبحث الثاني : أن عوام الملائكة وعوام المؤمنين أيهما أفضل ؟ منهم من قال بتفضيل المؤمنين على الملائكة ، واحتجوا عليه بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم أنه قال : قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك فأعطنا ذاك في الآخرة ، فقال : وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - رضي الله عنه - : المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده ، هكذا أورده
الواحدي في "البسيط" ، وأما القائلون بأن الملك أفضل من البشر على الإطلاق فقد عولوا على هذه الآية ، وهو في الحقيقة تمسك بدليل الخطاب لأن تقرير الدليل أن يقال : إن تخصيص الكثير بالذكر يدل على أن الحال في القليل بالضد ، وذلك تمسك بدليل الخطاب والله أعلم .
النَّوْعُ الثَّانِي : مِنَ الْمَدَائِحِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : فِي الْبَرِّ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ ، وَفِي الْبَحْرِ عَلَى السُّفُنِ ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ مُؤَكِّدَاتِ التَّكْرِيمِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا ، لِأَنَّهُ تَعَالَى سَخَّرَ هَذِهِ الدَّوَابَّ لَهُ حَتَّى يَرْكَبَهَا وَيَحْمِلَ عَلَيْهَا وَيَغْزُوَ وَيُقَاتِلَ وَيَذُبَّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32415_29703تَسْخِيرُ اللَّهِ تَعَالَى الْمِيَاهَ وَالسُّفُنَ وَغَيْرَهَا لِيَرْكَبَهَا وَيَنْقِلَ عَلَيْهَا وَيَتَكَسَّبَ بِهَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ ابْنُ آدَمَ ، كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي هَذَا الْعَالَمِ كَالرَّئِيسِ الْمَتْبُوعِ وَالْمَلِكِ الْمُطَاعِ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ رَعِيَّتُهُ وَتَبَعٌ لَهُ .
النَّوْعُ الثَّالِثُ : مِنَ الْمَدَائِحِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَغْذِيَةَ إِمَّا حَيَوَانِيَّةٌ وَإِمَّا نَبَاتِيَّةٌ ، وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ إِنَّمَا يَتَغَذَّى الْإِنْسَانُ مِنْهُ بِأَلْطَفِ أَنْوَاعِهَا وَأَشْرَفِ أَقْسَامِهَا بَعْدَ التَّنْقِيَةِ التَّامَّةِ وَالطَّبْخِ الْكَامِلِ وَالنُّضْجِ الْبَالِغِ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِلْإِنْسَانِ .
النَّوْعُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) وَهَهُنَا بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) وَقَالَ فِي آخِرِهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَفَضَّلْنَاهُمْ ) وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا التَّكْرِيمِ وَالتَّفْضِيلِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=32412_29703إِنَّهُ تَعَالَى فَضَّلَ الْإِنْسَانَ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ بِأُمُورٍ خَلْقِيَّةٍ طَبِيعِيَّةٍ ذَاتِيَّةٍ مِثْلَ الْعَقْلِ وَالنُّطْقِ وَالْخَطِّ وَالصُّورَةِ الْحَسَنَةِ وَالْقَامَةِ الْمَدِيدَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَرَضَهُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ لِاكْتِسَابِ الْعَقَائِدِ الْحَقَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ ، فَالْأَوَّلُ هُوَ التَّكْرِيمُ وَالثَّانِي هُوَ التَّفْضِيلُ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْكُلِّ بَلْ قَالَ :
[ ص: 14 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ لَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُفَضَّلًا عَلَيْهِ ، وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ هَذَا الْقِسْمَ قَالَ : إِنَّهُ هُوَ الْمَلَائِكَةُ ، فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28809الْإِنْسَانَ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بَلِ الْمَلَكُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتِيَارُ
الزَّجَّاجِ عَلَى مَا رَوَاهُ
الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَحْثَيْنِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28809_30173الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَفْضَلُ أَمِ الْمَلَائِكَةُ ؟ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ) ( الْبَقَرَةِ : 34 ) .
وَالْبَحْثُ الثَّانِي : أَنَّ عَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامَّ الْمُؤْمِنِينَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ : قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ رَبَّنَا إِنَّكَ أَعْطَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَتَنَعَّمُونَ وَلَمْ تُعْطِنَا ذَلِكَ فَأَعْطِنَا ذَاكَ فِي الْآخِرَةِ ، فَقَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَجْعَلُ ذَرِّيَّةَ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ ، هَكَذَا أَوْرَدَهُ
الْوَاحِدِيُّ فِي "الْبَسِيطِ" ، وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَشَرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَقَدْ عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَمَسُّكٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ لِأَنَّ تَقْرِيرَ الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ تَخْصِيصَ الْكَثِيرِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَالَ فِي الْقَلِيلِ بِالضِّدِّ ، وَذَلِكَ تَمَسُّكٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .