وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007_28781لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم لنعلم ) اللام لام الغرض ، فيدل على أن أفعال الله معللة بالأغراض ، وقد سبق الكلام فيه .
المسألة الثانية : ظاهر اللفظ يقتضي أنه تعالى إنما بعثهم ليحصل له هذا العلم ، وعند هذا يرجع إلى أنه تعالى ، هل يعلم الحوادث قبل وقوعها أم لا ؟ فقال
هشام : لا يعلمها إلا عند حدوثها ، واحتج بهذه الآية ، والكلام فيه قد سبق ، ونظائر هذه الآية كثيرة في القرآن منها ما سبق في هذه السورة ، ومنها قوله في سورة البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) ( البقرة : 143 ) وفي آل عمران (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) ( آل عمران : 142 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ) ( الكهف : 7 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ) ( محمد : 31 ) .
المسألة الثالثة : ( أي ) رفع بالابتداء و( أحصى ) خبره ، وهذه الجملة بمجموعها متعلق العلم ؛ فلهذا السبب لم يظهر عمل قوله : ( لنعلم ) في لفظة ( أي ) بل بقيت على ارتفاعها ، ونظيره قوله : اذهب فاعلم أيهم قام ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سلهم أيهم بذلك زعيم ) ( القلم : 40 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) ( مريم : 69 ) وقرئ ليعلم على فعل ما لم يسم فاعله ، وفي هذه القراءة فائدتان :
إحداهما : أن على هذا التقدير لا يلزم إثبات العلم المتجدد لله ، بل المقصود أنا بعثناهم ليحصل هذا العلم لبعض الخلق .
والثانية : أن على هذا التقدير يجب ظهور النصب في لفظة أي ، لكن لقائل أن يقول : الإشكال بعد باق ، لأن ارتفاع لفظة (أي) بالابتداء لا بإسناد يعلم إليه ، ولمجيب أن يجيب ، فيقول : إنه لا يمتنع اجتماع عاملين على معمول واحد ؛ لأن العوامل النحوية علامات ومعرفات ، ولا يمتنع اجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد ، والله أعلم .
المسألة الرابعة : اختلفوا في الحزبين فقال
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه ما : المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك ، فالملوك حزب وأصحاب الكهف حزب .
والقول الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : الحزبان من هذه الفتية ؛ لأن أصحاب الكهف لما انتبهوا اختلفوا في أنهم كم ناموا ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ) ( الكهف : 19 ) فالحزبان هما هذان ، وكان الذين قالوا : ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول .
القول الثالث : قال
الفراء : إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم .
المسألة الخامسة : قال
أبو علي الفارسي قوله : أحصى ليس من باب أفعل التفضيل ؛ لأن هذا البناء من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس ، فأما قولهم : ما أعطاه للدرهم ، وما أولاه للمعروف ، وأعدى من الجرب ، وأفلس من ابن المدلق ، فمن الشواذ والشاذ لا يقاس عليه ، بل الصواب : أن "أحصى" فعل ماض وهو خبر المبتدأ ، والمبتدأ
[ ص: 72 ] والخبر مفعول نعلم ، و"أمدا" مفعول به لأحصى ، و"ما" في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لما لبثوا ) مصدرية ، والتقدير أحصى أمدا للبثهم ، وحاصل الكلام : لنعلم أي الحزبين أحصى أمد ذلك اللبث ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6أحصاه الله ) ( المجادلة : 6 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=28وأحصى كل شيء عددا ) ( الجن : 28 ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007_28781لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ ) اللَّامُ لَامُ الْغَرَضِ ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا بَعَثَهُمْ لِيَحْصُلَ لَهُ هَذَا الْعِلْمُ ، وَعِنْدَ هَذَا يُرْجَعُ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى ، هَلْ يَعْلَمُ الْحَوَادِثَ قَبْلَ وُقُوعِهَا أَمْ لَا ؟ فَقَالَ
هِشَامٌ : لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِهَا ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ قَدْ سَبَقَ ، وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْآيَةِ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) ( الْبَقَرَةِ : 143 ) وَفِي آلِ عِمْرَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 142 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ ) ( الْكَهْفِ : 7 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ ) ( مُحَمَّدٍ : 31 ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ( أَيُّ ) رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَ( أَحْصَى ) خَبَرُهُ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بِمَجْمُوعِهَا مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ ؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ لَمْ يَظْهَرْ عَمَلُ قَوْلِهِ : ( لِنَعْلَمَ ) فِي لَفْظَةِ ( أَيُّ ) بَلْ بَقِيَتْ عَلَى ارْتِفَاعِهَا ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : اذْهَبْ فَاعْلَمْ أَيُّهُمْ قَامَ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ) ( الْقَلَمِ : 40 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=69ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ) ( مَرْيَمَ : 69 ) وَقُرِئَ لِيُعْلَمَ عَلَى فِعْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ، وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَائِدَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَلْزَمُ إِثْبَاتُ الْعِلْمِ الْمُتَجَدِّدِ لِلَّهِ ، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّا بَعَثْنَاهُمْ لِيَحْصُلَ هَذَا الْعِلْمُ لِبَعْضِ الْخَلْقِ .
وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجِبُ ظُهُورُ النَّصْبِ فِي لَفْظَةِ أَيْ ، لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْإِشْكَالُ بَعْدُ بَاقٍ ، لِأَنَّ ارْتِفَاعَ لَفْظَةِ (أَيُّ) بِالِابْتِدَاءِ لَا بِإِسْنَادٍ يُعْلَمُ إِلَيْهِ ، وَلِمُجِيبٍ أَنْ يُجِيبَ ، فَيَقُولَ : إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْعَوَامِلَ النَّحْوِيَّةَ عَلَامَاتٌ وَمُعَرِّفَاتٌ ، وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْمُعَرِّفَاتِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اخْتَلَفُوا فِي الْحِزْبَيْنِ فَقَالَ
عَطَاءٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا : الْمُرَادُ بِالْحِزْبَيْنِ الْمُلُوكُ الَّذِينَ تَدَاوَلُوا الْمَدِينَةَ مَلِكًا بَعْدَ مَلِكٍ ، فَالْمُلُوكَ حِزْبٌ وَأَصْحَابُ الْكَهْفِ حِزْبٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : الْحِزْبَانِ مِنْ هَذِهِ الْفِتْيَةِ ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ لَمَّا انْتَبَهُوا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ كَمْ نَامُوا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ) ( الْكَهْفِ : 19 ) فَالْحِزْبَانِ هُمَا هَذَانِ ، وَكَانَ الَّذِينَ قَالُوا : رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ هُمُ الَّذِينَ عَلِمُوا أَنَّ لُبْثَهُمْ قَدْ تَطَاوَلَ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : قَالَ
الْفَرَّاءُ : إِنَّ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ قَوْلُهُ : أَحْصَى لَيْسَ مِنْ بَابِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ مِنْ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ لَيْسَ بِقِيَاسٍ ، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ : مَا أَعْطَاهُ لِلدِّرْهَمِ ، وَمَا أَوْلَاهُ لِلْمَعْرُوفِ ، وَأَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ ، وَأَفْلَسُ مِنَ ابْنِ الْمُدْلِقِ ، فَمِنَ الشَّوَاذِّ وَالشَّاذُّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، بَلِ الصَّوَابُ : أَنَّ "أَحْصَى" فِعْلٌ مَاضٍ وَهُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ ، وَالْمُبْتَدَأُ
[ ص: 72 ] وَالْخَبَرُ مَفْعُولُ نَعْلَمُ ، وَ"أَمَدًا" مَفْعُولٌ بِهِ لَأَحْصَى ، وَ"مَا" فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لِمَا لَبِثُوا ) مَصْدَرِيَّةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ أَحْصَى أَمَدًا لِلُبْثِهِمْ ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ : لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى أَمَدَ ذَلِكَ اللُّبْثِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6أَحْصَاهُ اللَّهُ ) ( الْمُجَادَلَةِ : 6 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=28وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) ( الْجِنِّ : 28 ) .