ثم إنه [ ص: 10 ] سبحانه لما قرر هذين الدليلين رتب عليهما ما هو المطلوب والنتيجة وذكر أمورا خمسة :
أحدها : قوله: ( ذلك بأن الله هو الحق ) والحق هو الموجود الثابت ، فكأنه سبحانه بين أن هذه الوجوه دالة على وجود الصانع وحاصلها راجع إلى أن حدوث هذه . الأمراض المتنافية وتواردها على الأجسام يدل على وجود الصانع
وثانيها : قوله تعالى : ( وأنه يحيي الموتى ) فهذا تنبيه على أنه لما لم يستبعد من الإله إيجاد هذه الأشياء فكيف يستبعد منه إعادة الأموات ؟
وثالثها : قوله : ( وأنه على كل شيء قدير ) يعني أن الذي يصح منه إيجاد هذه الأشياء لا بد وأن يكون واجب الإنصاف لذاته بالقدرة ، ومن كان كذلك كان قادرا على جميع الممكنات ، ومن كان كذلك فإنه لا بد وأن يكون قادرا على الإعادة .
ورابعها : قوله : ( وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ) والمعنى أنه لما أقام الدلائل على أن الإعادة في نفسها ممكنة ، وأنه سبحانه وتعالى قادر على كل الممكنات وجب القطع بكونه قادرا على الإعادة في نفسها وإذا ثبت الإمكان والصادق أخبر عن وقوعه ، فلا بد من القطع بوقوعه ، واعلم أن تحرير هذه الدلالة على الوجه النظري أن يقال : الإعادة في نفسها ممكنة ، والصادق أخبر عن وقوعها فلا بد من القطع بوقوعها ، أما بيان الإمكان فالدليل عليه أن هذه الأجسام بعد تفرقها قابلة لتلك الصفات التي كانت قائمة بها حال كونها حية عاقلة ، والبارئ سبحانه عالم بكل المعلومات قادر على كل المقدورات الممكنة وذلك يقتضي القطع بإمكان الإعادة لما قلنا : إن تلك الأجسام بعد تفرقها قابلة لتلك الصفات ؛ لأنها لو لم تكن قابلة لها في وقت لما كانت قابلة لها في شيء من الأوقات لأن الأمور الذاتية لا تزول ، ولو لم تكن قابلة لها في شيء من الأوقات لما كانت حية عاقلة في شيء من الأوقات ، لكنها كانت حية عاقلة فوجب أن تكون قابلة أبدا لهذه الصفات . وأما أن البارئ سبحانه يمكنه تحصيل ذلك الممكن فلأنه سبحانه عالم بكل المعلومات فيكون عالما بأجزاء كل واحد من المكلفين على التعيين وقادرا على كل الممكنات ، فيكون قادرا على إيجاد تلك الصفات في تلك الذوات . فثبت أن الإعادة في نفسها ممكنة وأنه سبحانه يمكنه تحصيل ذلك الممكن . فثبت أن الإعادة ممكنة في نفسها . فإذا أخبر الصادق عن وقوعها فلا بد من القطع بوقوعها ، فهذا هو الكلام في تقرير هذا الأصل . فإن قيل : فأي منفعة لذكر مراتب خلقة الحيوانات وخلقة النبات في هذه الدلالة ؟ قلنا : إنها تدل على أنه سبحانه قادر على كل الممكنات وعالم بكل المعلومات ، ومتى صح ذلك فقد صح كون الإعادة ممكنة ، فإن الخصم لا ينكر المعاد إلا بناء على إنكار أحد هذين الأصلين ، ولذلك فإن الله تعالى حيث أقام الدلالة على البعث في كتابه ذكر معه كونه قادرا عالما كقوله : ( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) [ يس : 79 ] فقوله : ( قل يحييها الذي أنشأها ) بيان للقدرة ، وقوله : ( وهو بكل خلق عليم ) بيان للعلم ، والله أعلم .