(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=216فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217وتوكل على العزيز الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=218الذي يراك حين تقوم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وتقلبك في الساجدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220إنه هو السميع العليم ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=216فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217وتوكل على العزيز الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=218الذي يراك حين تقوم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وتقلبك في الساجدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220إنه هو السميع العليم ) .
اعلم أنه سبحانه لما بالغ في تسلية رسوله أولا ، ثم أقام الحجة على نبوته ثانيا ثم أورد سؤال المنكرين ، وأجاب عنه ثالثا ، أمره بعد ذلك بما يتعلق بباب التبليغ والرسالة وهو ههنا أمور ثلاثة :
الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين ) وذلك لأنه تعالى بدأ بالرسول فتوعده إن دعا مع الله إلها آخر ، ثم أمره بدعوة الأقرب فالأقرب ، وذلك لأنه إذا تشدد على نفسه أولا ، ثم بالأقرب فالأقرب ثانيا ، لم يكن لأحد فيه طعن البتة وكان قوله أنفع وكلامه أنجع ، وروي "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013531أنه لما نزلت هذه الآية صعد الصفا فنادى الأقرب فالأقرب وقال : يا بني هاشم ، يا بني عبد مناف ، يا nindex.php?page=showalam&ids=18عباس عم محمد ، يا nindex.php?page=showalam&ids=252صفية عمة محمد ؛ إني لا أملك لكم من الله شيئا ، سلوني من المال ما شئتم " وروي "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013532أنه جمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا على رجل شاة وقعب من لبن ، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة ويشرب العس ، فأكلوا وشربوا ، ثم قال يا بني عبد المطلب لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا ، أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، فقال : nindex.php?page=treesubj&link=30611_19857إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " .
الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215واخفض جناحك ) واعلم أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه ، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في التواضع ولين الجانب ، فإن قيل المتبعون للرسول هم المؤمنون وبالعكس فلم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215لمن اتبعك من المؤمنين ) ؟ جوابه : لا نسلم أن المتبعين للرسول هم المؤمنون فإن كثيرا منهم كانوا يتبعونه للقرابة والنسب لا للدين .
فأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=216فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون ) فمعناه ظاهر ، قال
الجبائي : هذا يدل على أنه عليه السلام كان بريئا من معاصيهم ، وذلك يوجب أن الله تعالى أيضا بريء من عملهم كالرسول وإلا كان مخالفا لله ، كما لو رضي عمن سخط الله عليه لكان كذلك ، وإذا كان تعالى بريئا من عملهم فكيف يكون فاعلا له ومريدا له ؟ الجواب : أنه تعالى بريء من المعاصي بمعنى أنه ما أمر بها بل نهى عنها ، فأما بمعنى أنه لا يريدها فلا نسلم والدليل عليه أنه علم وقوعها ، وعلم أن ما هو معلوم الوقوع فهو واجب الوقوع وإلا لانقلب علمه جهلا وهو محال والمفضي إلى المحال محال ، وعلم أن ما هو واجب الوقوع فإنه لا يراد عدم وقوعه فثبت ما قلناه .
والثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217وتوكل ) والتوكل عبارة عن تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر
[ ص: 149 ] على نفعه وضره ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217على العزيز الرحيم ) أي على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته ثم أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو كالسبب لتلك الرحمة ، وهو قيامه وتقلبه في الساجدين وفيه وجوه :
أحدها : المراد ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المجتهدين ليطلع على أسرارهم ، كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه على ما يوجد منهم من الطاعات ، فوجدها كبيوت الزنابير لما يسمع منها من دندنتهم بذكر الله تعالى والمراد بالساجدين المصلين .
وثانيها : المعنى يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذ كان إماما لهم .
وثالثها : أنه لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين .
ورابعها : المراد تقلب بصره فيمن يصلي خلفه من قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013533أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلفي " .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220إنه هو السميع ) أي لما تقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220العليم ) أي بما تنويه وتعمله ، وهذا يدل على أن كونه سميعا أمر مغاير لعلمه بالمسموعات وإلا لكان لفظ "العليم" مفيدا فائدته . واعلم أنه قرئ " ونقلبك " .
واعلم أن
الرافضة ذهبوا إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30596_30595آباء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين وتمسكوا في ذلك بهذه الآية وبالخبر ، أما هذه الآية فقالوا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وتقلبك في الساجدين ) يحتمل الوجوه التي ذكرتم ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى نقل روحه من ساجد إلى ساجد كما نقوله نحن ، وإذا احتمل كل هذه الوجوه وجب حمل الآية على الكل ضرورة أنه لا منافاة ولا رجحان ، وأما الخبر فقوله عليه السلام : "
لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " وكل من كان كافرا فهو نجس لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إنما المشركون نجس ) [ التوبة : 28 ] قالوا : فإن تمسكتم على فساد هذا المذهب بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ) [ الأنعام : 74 ] قلنا : الجواب عنه أن لفظ الأب قد يطلق على العم كما قال أبناء
يعقوب له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=133نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) [ البقرة : 133 ] فسموا
إسماعيل أبا له مع أنه كان عما له ، وقال عليه السلام : "
ردوا علي أبي " يعني
العباس ، ويحتمل أيضا أن يكون متخذ الأصنام أب أمه فإن هذا قد يقال له الأب قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=84ومن ذريته داود وسليمان ) [ الأنعام : 84 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=85وعيسى ) [ الأنعام : 85 ] فجعل
عيسى من ذرية
إبراهيم مع أن
إبراهيم كان جده من قبل الأم .
واعلم أنا نتمسك بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74لأبيه آزر ) وما ذكروه صرف للفظ عن ظاهره ، وأما حمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وتقلبك في الساجدين ) على جميع الوجوه فغير جائز لما بينا أن حمل المشترك على كل معانيه غير جائز ، وأما الحديث فهو خبر واحد فلا يعارض القرآن .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=216فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=218الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=216فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=218الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَالَغَ فِي تَسْلِيَةِ رَسُولِهِ أَوَّلًا ، ثُمَّ أَقَامَ الحجة عَلَى نُبُوَّتِهِ ثَانِيًا ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالَ الْمُنْكِرِينَ ، وَأَجَابَ عَنْهُ ثَالِثًا ، أَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِبَابِ التَّبْلِيغِ وَالرِّسَالَةِ وَهُوَ هَهُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِالرَّسُولِ فَتَوَعَّدَهُ إِنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِدَعْوَةِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا تَشَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا ، ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ثَانِيًا ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيهِ طَعْنٌ الْبَتَّةَ وَكَانَ قَوْلُهُ أَنْفَعَ وَكَلَامُهُ أَنْجَعَ ، وَرُوِيَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013531أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ صَعِدَ الصَّفَا فَنَادَى الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَقَالَ : يَا بَنِي هَاشِمٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ مُنَافٍ ، يَا nindex.php?page=showalam&ids=18عَبَّاسُ عَمَّ مُحَمَّدٍ ، يَا nindex.php?page=showalam&ids=252صَفِيَّةُ عَمَّةَ مُحَمَّدٍ ؛ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، سَلُونِي مِنَ الْمَالِ مَا شِئْتُمْ " وَرُوِيَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013532أَنَّهُ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا عَلَى رِجْلِ شَاةٍ وَقَعْبٍ مِنْ لَبَنٍ ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ وَيَشْرَبُ الْعُسَّ ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ، ثم قال يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ خَيْلًا ، أَكَنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَقَالَ : nindex.php?page=treesubj&link=30611_19857إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " .
الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ ) وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّائِرَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْحَطَّ لِلْوُقُوعِ كَسَرَ جَنَاحَهُ وَخَفَضَهُ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ لِلطَّيَرَانِ رَفَعَ جَنَاحَهُ فَجَعَلَ خَفْضَ جَنَاحِهِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ مَثَلًا فِي التَّوَاضُعِ وَلِينِ الْجَانِبِ ، فَإِنْ قِيلَ الْمُتَّبِعُونَ لِلرَّسُولِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَبِالْعَكْسِ فَلِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ؟ جَوَابُهُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُتَّبِعِينَ لِلرَّسُولِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ كَانُوا يَتَّبِعُونَهُ لِلْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ لَا لِلدِّينِ .
فَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=216فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ ، قَالَ
الْجُبَّائِيُّ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ بَرِيئًا مِنْ مَعَاصِيهِمْ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَيْضًا بَرِيءٌ مِنْ عَمَلِهِمْ كَالرَّسُولِ وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِلَّهِ ، كَمَا لَوْ رَضِيَ عَمَّنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَكَانَ كَذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ تَعَالَى بَرِيئًا مِنْ عَمَلِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ فَاعِلًا لَهُ وَمُرِيدًا لَهُ ؟ الْجَوَابُ : أَنَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنَ الْمَعَاصِي بِمَعْنَى أَنَّهُ مَا أَمَرَ بِهَا بَلْ نَهَى عَنْهَا ، فَأَمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُهَا فَلَا نُسَلِّمُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلِمَ وُقُوعَهَا ، وَعَلِمَ أَنَّ مَا هُوَ مَعْلُومُ الْوُقُوعِ فَهُوَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ وَإِلَّا لَانْقَلَبَ عِلْمُهُ جَهْلًا وَهُوَ مُحَالٌ وَالْمُفْضِي إِلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ ، وَعَلِمَ أَنَّ مَا هُوَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ لَا يُرَادُ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ .
وَالثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217وَتَوَكَّلْ ) وَالتَّوَكُّلُ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيضِ الرَّجُلِ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ أَمْرَهُ وَيَقْدِرُ
[ ص: 149 ] عَلَى نَفْعِهِ وَضُرِّهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=217عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) أَيْ عَلَى الَّذِي يَقْهَرُ أَعْدَاءَكَ بِعِزَّتِهِ وَيَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ ثُمَّ أَتْبَعُ كَوْنَهُ رَحِيمًا عَلَى رَسُولِهِ مَا هُوَ كَالسَّبَبِ لِتِلْكَ الرَّحْمَةِ ، وَهُوَ قِيَامُهُ وَتَقَلُّبُهُ فِي السَّاجِدِينَ وَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : الْمُرَادُ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ قِيَامِهِ لِلتَّهَجُّدِ وَتَقَلُّبِهِ فِي تَصَفُّحِ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَسْرَارِهِمْ ، كَمَا يُحْكَى أَنَّهُ حِينَ نُسِخَ فَرْضُ قِيَامِ اللَّيْلِ طَافَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِبُيُوتِ أَصْحَابِهِ لِيَنْظُرَ مَا يَصْنَعُونَ لِحِرْصِهِ عَلَى مَا يُوجَدُ مِنْهُمْ مَنِ الطَّاعَاتِ ، فَوَجَدَهَا كَبُيُوتِ الزَّنَابِيرِ لِمَا يَسْمَعُ مِنْهَا مِنْ دَنْدَنَتِهِمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِالسَّاجِدِينَ الْمُصَلِّينَ .
وَثَانِيهَا : الْمَعْنَى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ جَمَاعَةً ، وَتُقَلُّبُهُ فِي السَّاجِدِينَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِقِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَقُعُودِهِ إِذْ كَانَ إِمَامًا لَهُمْ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُكَ كُلَّمَا قُمْتَ وَتَقَلَّبْتَ مَعَ السَّاجِدِينَ فِي كِفَايَةِ أُمُورِ الدِّينِ .
وَرَابِعُهَا : الْمُرَادُ تَقَلُّبُ بَصَرِهُ فِيمَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013533أَتَمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي " .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) أَيْ لِمَا تَقُولُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=220الْعَلِيمُ ) أَيْ بِمَا تَنْوِيهِ وَتَعْمَلُهُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ سَمِيعًا أَمْرٌ مُغَايِرٌ لِعِلْمِهِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَإِلَّا لَكَانَ لَفْظُ "الْعَلِيمُ" مُفِيدًا فَائِدَتَهُ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ قُرِئَ " وَنُقَلِّبُكَ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ
الرَّافِضَةَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30596_30595آبَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِالْخَبَرِ ، أَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالُوا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) يَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ الَّتِي ذَكَرْتُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَقَلَ رُوحَهُ مِنْ سَاجِدٍ إِلَى سَاجِدٍ كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ ، وَإِذَا احْتَمَلَ كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكُلِّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ وَلَا رُجْحَانَ ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
لَمْ أَزَلْ أُنْقَلُ مِنْ أَصْلَابِ الطَّاهِرَيْنِ إِلَى أَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ " وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) [ التَّوْبَةِ : 28 ] قَالُوا : فَإِنْ تَمَسَّكْتُمْ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ) [ الْأَنْعَامِ : 74 ] قُلْنَا : الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمِّ كَمَا قَالَ أَبْنَاءُ
يَعْقُوبَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=133نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) [ الْبَقَرَةِ : 133 ] فَسَمَّوْا
إِسْمَاعِيلَ أَبًا لَهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَمًّا لَهُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي " يَعْنِي
الْعَبَّاسَ ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُتَّخِذَ الْأَصْنَامِ أَبَ أُمِّهِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يُقَالُ لَهُ الْأَبُ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=84وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ) [ الْأَنْعَامِ : 84 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=85وَعِيسَى ) [ الْأَنْعَامِ : 85 ] فَجَعَلَ
عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ
إِبْرَاهِيمَ مَعَ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ جَدَّهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ .
وَاعْلَمْ أَنَّا نَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74لِأَبِيهِ آزَرَ ) وَمَا ذَكَرُوهُ صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ ، وَأَمَّا حَمْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى كُلِّ مَعَانِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يُعَارِضُ الْقُرْآنَ .