[ ص: 160 ] أما قوله تعالى : ( وورث سليمان داود ) فقد اختلفوا فيه ، فقال الحسن : المال ؛ لأن النبوة عطية مبتدأة ولا تورث ، وقال غيره : بل النبوة ، وقال آخرون : بل الملك والسياسة ، ولو تأمل الحسن لعلم أن المال إذا ورثه الولد فهو أيضا عطية مبتدأة من الله تعالى ، ولذلك يرث الولد إذا كان مؤمنا ولا يرث إذا كان كافرا أو قاتلا ، لكن الله تعالى جعل فيمن يرث الموت على شرائط ، وليس كذلك النبوة لأن الموت لا يكون سببا لنبوة الولد فمن هذا الوجه يفترقان ، وذلك لا يمنع من أن يوصف بأنه ورث النبوة لما قام به عند موته ، كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته ؛ ومما يبين ما قلناه أنه تعالى لو فصل فقال : وورث سبب الإرث سليمان داود ماله لم يكن لقوله : ( وقال ياأيها الناس علمنا منطق الطير ) معنى ، وإذا قلنا وورث مقامه من النبوة والملك حسن ذلك لأن تعليم منطق الطير يكون داخلا في جملة ما ورثه ، وكذلك قوله تعالى : ( وأوتينا من كل شيء ) لأن وارث الملك يجمع ذلك ووارث المال لا يجمعه وقوله : ( إن هذا لهو الفضل المبين ) لا يليق أيضا إلا بما ذكرنا دون المال الذي قد يحصل للكامل والناقص ، وما ذكره الله تعالى من جنود سليمان بعده لا يليق إلا بما ذكرناه ، فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنه لم يرث إلا المال ، فأما إذا قيل : ورث المال والملك معا فهذا لا يبطل بالوجوه التي ذكرناها ، بل بظاهر قوله عليه السلام : " " . نحن معاشر الأنبياء لا نورث
فأما قوله : ( ياأيها الناس ) فالمقصود منه تشهير نعمة الله تعالى والتنويه بها ودعاء الناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير ، قال صاحب " الكشاف " : المنطق كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد ، وقد ترجم يعقوب كتابه بإصلاح المنطق وما أصلح فيه إلا مفردات الكلم ، وقالت العرب : نطقت الحمامة ؛ فالذي علم سليمان عليه السلام من منطق الطير هو ما يفهم بعضه من بعض من مقاصده وأغراضه .
أما قوله تعالى : ( وأوتينا من كل شيء ) فالمراد كثرة ما أوتي وذلك لأن الكل والبعض الكثير يشتركان في صفة الكثرة ، والمشاركة سبب لجواز الاستعارة فلا جرم يطلق لفظ الكل على الكثير ومثله قوله : ( وأوتيت من كل شيء ) .
أما قوله : ( إن هذا لهو الفضل المبين ) فهو تقرير لقوله : ( الحمد لله الذي فضلنا ) والمقصود منه الشكر والمحمدة كما قال عليه السلام : " " فإن قيل : كيف قال : " علمنا ، وأوتينا " وهو من كلام المتكبرين ؟ جوابه من وجهين : أنا سيد ولد آدم ولا فخر
الأول : أن يريد نفسه وأباه .
والثاني : أن هذه النون يقال لها : نون الواحد المطاع وكان ملكا مطاعا ، وقد يتعلق بتعظيم الملك مصالح فيصير ذلك التعظيم واجبا .