( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون )
ثم قال تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون )
لما بين الله تعالى عظمته في الابتداء بقوله : ( ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) وعظمته في الانتهاء ، وهو حين تقوم الساعة ويفترق الناس فريقين ، ويحكم على البعض بأن هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي ، أمر بتنزيهه عن كل سوء وبحمده على كل حال فقال : ( فسبحان الله ) أي سبحوا الله تسبيحا ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في ، أما لفظه ففعلان اسم للمصدر الذي هو التسبيح ، سمي التسبيح بسبحان وجعل علما له . وأما المعنى فقال بعض المفسرين : المراد منه الصلاة ، أي صلوا ، وذكروا أنه أشار إلى الصلوات الخمس ، وقال بعضهم أراد به التنزيه ، أي نزهوه عن صفات النقص وصفوه بصفات الكمال ، وهذا أقوى ، والمصير إليه أولى ; لأنه يتضمن الأول ; وذلك لأن التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب ، وهو الاعتقاد الجازم ، وباللسان مع ذلك وهو الذكر الحسن ، وبالأركان معهما جميعا وهو العمل الصالح ، والأول هو الأصل ، والثاني ثمرة الأول والثالث ثمرة الثاني ، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد شيئا ظهر [ ص: 92 ] من قلبه على لسانه ، وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحواله وأفعاله ، واللسان ترجمان الجنان ، والأركان برهان اللسان ، لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان ، وهي مشتملة على الذكر باللسان والقصد بالجنان ، وهو تنزيه في التحقيق ، فإذا قال نزهوني ، وهذا نوع من أنواع التنزيه ، والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع ، فيجب حمله على كل ما هو تنزيه فيكون أيضا هذا أمرا بالصلاة ، ثم إن قولنا يناسب ما تقدم ، وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال : ( معنى سبحان الله ولفظه فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ) قال : إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات ، والإيمان تنزيه بالجنان وتوحيد باللسان ، والعمل الصالح استعمال الأركان والكل تنزيهات وتحميدات ، فسبحان الله أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض ، والحضور على الحياض .