(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
لما ذكر العرضيات التي للأنفس اللازمة والمفارقة ذكر العرضيات التي للآفاق ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ) . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : لما قدم دلائل الأنفس هاهنا قدم العرضيات التي للأنفس وأخر العرضيات التي للآفاق ، كما أخر دلائل الآفاق ، بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=22ومن آياته خلق السماوات والأرض )
المسألة الثانية : قدم لوازم الأنفس على العوارض المفارقة حيث ذكر أولا اختلاف الألسنة والألوان ثم
[ ص: 100 ] المنام والابتغاء ، وقدم في الآفاق العوارض المفارقة على اللوازم حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل ) وذلك لأن الإنسان متغير الحال ، والعوارض له غير بعيدة ، وأما اللوازم فيه فقريبة . وأما السماوات والأرض فقليلة التغير ، فالعوارض فيها أغرب من اللوازم ، فقدم ما هو أعجب لكونه أدخل في كونه آية . ونزيده بيانا فنقول : الإنسان يتغير حاله بالكبر والصغر والصحة والسقم وله صوت يعرف به لا يتغير وله لون يتميز عن غيره ، وهو يتغير في الأحوال وذلك لا يتغير وهو آية عجيبة ، والسماء والأرض ثابتان لا يتغيران ، ثم يرى في بعض الأحوال أمطار هاطلة وبروق هائلة ، والسماء كما كانت والأرض كذلك ، فهو آية دالة على فاعل مختار يديم أمرا مع تغير المحل ويزيل أمرا مع ثبات المحل .
المسألة الثالثة : كما قدم السماء على الأرض قدم ما هو من السماء وهو البرق والمطر على ما هو من الأرض وهو الإنبات والإحياء .
المسألة الرابعة : كما أن في إنزال المطر وإنبات الشجر منافع ، كذلك في تقدم البرق والرعد على المطر منفعة ، وذلك لأن البرق إذا لاح ، فالذي لا يكون تحت كن يخاف الابتلال فيستعد له ، والذي له صهريج أو مصنع يحتاج إلى الماء أو زرع يسوي مجاري الماء ، وأيضا العرب من أهل البوادي فلا يعلمون البلاد المعشبة إن لم يكونوا قد رأوا البروق اللائحة من جانب دون جانب ، واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19786_28658فوائد البرق وإن لم تظهر للمقيمين بالبلاد فهي ظاهرة للبادين ؛ ولهذا جعل تقديم البرق على تنزيل الماء من السماء نعمة وآية ، وأما كونه آية فظاهر فإن في السحاب ليس إلا ماء وهواء ، وخروج النار منها بحيث تحرق الجبال في غاية البعد ، فلا بد له من خالق هو الله ، قالت الفلاسفة : السحاب فيه كثافة ولطافة بالنسبة إلى الهواء والماء . فالهواء ألطف منه والماء أكثف فإذا هبت ريح قوية تخرق السحاب بعنف فيحدث صوت الرعد ويخرج منه النار كمساس جسم جسما بعنف ، وهذا كما أن النار تخرج من وقوع الحجر على الحديد فإن قال قائل : الحجر والحديد جسمان صلبان ، والسحاب والريح جسمان رطبان ، فيقولون لكن حركة يد الإنسان ضعيفة ، وحركة الريح قوية تقلع الأشجار ، فنقول لهم : البرق والرعد أمران حادثان لا بد لهما من سبب ، وقد علم بالبرهان كون كل حادث من الله فهما من الله ، ثم إنا نقول هب أن الأمر كما تقولون ، فهبوب تلك الريح القوية من الأمور الحادثة العجيبة ، لا بد له من سبب وينتهي إلى واجب الوجود ، فهو آية للعاقل على قدرة الله كيفما فرضتم ذلك .
المسألة الخامسة : قال هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24لقوم يعقلون ) لما كان حدوث الولد من الوالد أمرا عاديا مطردا قليل الاختلاف كان يتطرق إلى الأوهام العامية أن ذلك بالطبيعة ; لأن المطرد أقرب إلى الطبيعة من المختلف ، لكن البرق والمطر ليس أمرا مطردا غير متخلف إذ يقع ببلدة دون بلدة وفي وقت دون وقت وتارة تكون قوية وتارة تكون ضعيفة ، فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار ، فقال هو آية لمن له عقل إن لم يتفكر تفكرا تاما .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .
لَمَّا ذَكَرَ الْعَرَضِيَّاتِ الَّتِي لِلْأَنْفُسِ اللَّازِمَةِ وَالْمُفَارِقَةِ ذَكَرَ الْعَرَضِيَّاتِ الَّتِي لِلْآفَاقِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ ) . وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لَمَّا قَدَّمَ دَلَائِلَ الْأَنْفُسِ هَاهُنَا قَدَّمَ الْعَرَضِيَّاتِ الَّتِي لِلْأَنْفُسِ وَأَخَّرَ الْعَرَضِيَّاتِ الَّتِي لِلْآفَاقِ ، كَمَا أَخَّرَ دَلَائِلَ الْآفَاقِ ، بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=22وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَدَّمَ لَوَازِمَ الْأَنْفُسِ عَلَى الْعَوَارِضِ الْمُفَارِقَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا اخْتِلَافَ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ ثُمَّ
[ ص: 100 ] الْمَنَامَ وَالِابْتِغَاءَ ، وَقَدَّمَ فِي الْآفَاقِ الْعَوَارِضَ الْمُفَارِقَةَ عَلَى اللَّوَازِمِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُتَغَيِّرُ الْحَالِ ، وَالْعَوَارِضُ لَهُ غَيْرُ بَعِيدَةٍ ، وَأَمَّا اللَّوَازِمُ فِيهِ فَقَرِيبَةٌ . وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فَقَلِيلَةُ التَّغَيُّرِ ، فَالْعَوَارِضُ فِيهَا أَغْرَبُ مِنَ اللَّوَازِمِ ، فَقَدَّمَ مَا هُوَ أَعْجَبُ لِكَوْنِهِ أَدْخَلَ فِي كَوْنِهِ آيَةً . وَنَزِيدُهُ بَيَانًا فَنَقُولُ : الْإِنْسَانُ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَلَهُ صَوْتٌ يُعْرَفُ بِهِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَهُ لَوْنٌ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ يَتَغَيَّرُ فِي الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ آيَةٌ عَجِيبَةٌ ، وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ثَابِتَانِ لَا يَتَغَيَّرَانِ ، ثُمَّ يُرَى فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَمْطَارٌ هَاطِلَةٌ وَبُرُوقٌ هَائِلَةٌ ، وَالسَّمَاءُ كَمَا كَانَتْ وَالْأَرْضُ كَذَلِكَ ، فَهُوَ آيَةٌ دَالَّةٌ عَلَى فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يُدِيمُ أَمْرًا مَعَ تَغَيُّرِ الْمَحَلِّ وَيُزِيلُ أَمْرًا مَعَ ثَبَاتِ الْمَحَلِّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : كَمَا قَدَّمَ السَّمَاءَ عَلَى الْأَرْضِ قَدَّمَ مَا هُوَ مِنَ السَّمَاءِ وَهُوَ الْبَرْقُ وَالْمَطَرُ عَلَى مَا هُوَ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ الْإِنْبَاتُ وَالْإِحْيَاءُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : كَمَا أَنَّ فِي إِنْزَالِ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الشَّجَرِ مَنَافِعَ ، كَذَلِكَ فِي تَقَدُّمِ الْبَرْقِ وَالرَّعْدِ عَلَى الْمَطَرِ مَنْفَعَةٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَرْقَ إِذَا لَاحَ ، فَالَّذِي لَا يَكُونُ تَحْتَ كِنٍّ يَخَافُ الِابْتِلَالَ فَيَسْتَعِدُّ لَهُ ، وَالَّذِي لَهُ صِهْرِيجٌ أَوْ مَصْنَعٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْمَاءِ أَوْ زَرْعٌ يُسَوِّي مَجَارِيَ الْمَاءِ ، وَأَيْضًا الْعَرَبُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي فَلَا يَعْلَمُونَ الْبِلَادَ الْمُعْشِبَةَ إِنْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوُا الْبُرُوقَ اللَّائِحَةَ مِنْ جَانِبٍ دُونَ جَانِبٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19786_28658فَوَائِدَ الْبَرْقِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لِلْمُقِيمِينَ بِالْبِلَادِ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ لِلْبَادِينَ ؛ وَلِهَذَا جَعَلَ تَقْدِيمَ الْبَرْقِ عَلَى تَنْزِيلِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ نِعْمَةً وَآيَةً ، وَأَمَّا كَوْنُهُ آيَةً فَظَاهِرٌ فَإِنَّ فِي السَّحَابِ لَيْسَ إِلَّا مَاءً وَهَوَاءً ، وَخُرُوجُ النَّارِ مِنْهَا بِحَيْثُ تَحْرِقُ الْجِبَالَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ هُوَ اللَّهُ ، قَالَتِ الْفَلَاسِفَةُ : السَّحَابُ فِيهِ كَثَافَةٌ وَلَطَافَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ . فَالْهَوَاءُ أَلْطَفُ مِنْهُ وَالْمَاءُ أَكْثَفُ فَإِذَا هَبَّتْ رِيحٌ قَوِيَّةٌ تَخْرِقُ السَّحَابَ بِعُنْفٍ فَيَحْدُثُ صَوْتُ الرَّعْدِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ النَّارُ كَمِسَاسِ جِسْمٍ جِسْمًا بِعُنْفٍ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ النَّارَ تَخْرُجُ مِنْ وُقُوعِ الْحَجَرِ عَلَى الْحَدِيدِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : الْحَجَرُ وَالْحَدِيدُ جِسْمَانِ صَلْبَانِ ، وَالسَّحَابُ وَالرِّيحُ جِسْمَانِ رَطْبَانِ ، فَيَقُولُونَ لَكِنْ حَرَكَةُ يَدِ الْإِنْسَانِ ضَعِيفَةٌ ، وَحَرَكَةُ الرِّيحِ قَوِيَّةٌ تَقْلَعُ الْأَشْجَارَ ، فَنَقُولُ لَهُمُ : الْبَرْقُ وَالرَّعْدُ أَمْرَانِ حَادِثَانِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ سَبَبٍ ، وَقَدْ عُلِمَ بِالْبُرْهَانِ كَوْنُ كُلِّ حَادِثٍ مِنَ اللَّهِ فَهُمَا مِنَ اللَّهِ ، ثُمَّ إِنَّا نَقُولُ هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا تَقُولُونَ ، فَهُبُوبُ تِلْكَ الرِّيحِ الْقَوِيَّةِ مِنَ الْأُمُورِ الْحَادِثَةِ الْعَجِيبَةِ ، لَا بُدَّ لَهُ مَنْ سَبَبٍ وَيَنْتَهِي إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ ، فَهُوَ آيَةٌ لِلْعَاقِلِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ كَيْفَمَا فَرَضْتُمْ ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=24لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) لَمَّا كَانَ حُدُوثُ الْوَلَدِ مِنَ الْوَالِدِ أَمْرًا عَادِيًّا مُطَّرِدًا قَلِيلَ الِاخْتِلَافِ كَانَ يَتَطَرَّقُ إِلَى الْأَوْهَامِ الْعَامِّيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ بِالطَّبِيعَةِ ; لِأَنَّ الْمُطَّرِدَ أَقْرَبُ إِلَى الطَّبِيعَةِ مِنَ الْمُخْتَلِفِ ، لَكِنَّ الْبَرْقَ وَالْمَطَرَ لَيْسَ أَمْرًا مُطَّرِدًا غَيْرَ مُتَخَلِّفٍ إِذْ يَقَعُ بِبَلْدَةٍ دُونَ بَلْدَةٍ وَفِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَتَارَةً تَكُونُ قَوِيَّةً وَتَارَةً تَكُونُ ضَعِيفَةً ، فَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْعَقْلِ دَلَالَةً عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ ، فَقَالَ هُوَ آيَةٌ لِمَنْ لَهُ عَقْلٌ إِنْ لَمْ يَتَفَكَّرْ تَفَكُّرًا تَامًّا .