( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )
ثم قال تعالى : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .
لما كان الله تعالى مصليا على نبيه لم ينفك إيذاء الله عن إيذائه ، فإن فبين الله للمؤمنين أنكم إن أتيتم بما أمرتكم وصليتم على النبي كما صليت عليه ، لا ينفك إيذاؤكم عن إيذاء [ ص: 198 ] الرسول فيأثم من يؤذيكم لكون إيذائكم إيذاء الرسول ، كما أن إيذائي إيذاؤه وبالجملة لما حصلت الصلاة من الله والملائكة والرسول والمؤمنين صار لا يكاد ينفك إيذاء أحد منهم عن إيذاء الآخر كما يكون حال الأصدقاء الصادقين في الصداقة ، وقوله : ( من آذى الله فقد آذى الرسول بغير ما اكتسبوا ) احتراز عن ، فإن من جلد مائة على شرب الخمر أو حد أربعين على لعب النرد آذى بغير ما اكتسب أيضا ، ومن جلد على الزنا أو حد الشرب لم يؤذ بغير ما اكتسب ، ويمكن أن يقال لم يؤذ أصلا لأن ذلك إصلاح حال المضروب ، وقوله : ( الأمر بالمعروف من غير عنف زائد فقد احتملوا بهتانا ) ، والإيذاء قد يكون بغير القول فمن آذى مؤمنا بالضرب أو أخذ ماله لا يكون قد احتمل بهتانا ، فنقول : المراد والذين يؤذون المؤمنين بالقول . وهذا لأن الله تعالى أراد إظهار شرف المؤمن ، فلما ذكر أن البهتان هو الزور وهو لا يكون إلا في القول ، وإيذاء الله بأن ينكر وجود الله بعد معرفة دلائل وجوده أو يشرك به من لا يبصر ولا يسمع ، أو من لا يقدر ولا يعلم ، أو من هو محتاج في وجوده إلى موجد ، وهو قول ذكر من آذى الله ورسوله لعن ، وعلى هذا خص الأنبياء بالقول بالذكر لأنه أعم وأتم ، وذلك لأن الإنسان لا يقدر أن يؤذي الله بما يؤلمه من ضرب أو أخذ ما يحتاج إليه فيؤذيه بالقول ، ولأن الفقير الغائب لا يمكن إيذاؤه بالفعل ، ويمكن إيذاؤه بالقول بأن يقول فيه ما يصل إليه فيتأذى . إيذاء المؤمن بالقول
والوجه الثاني في الجواب هو أن نقول : قوله بعد ذلك : ( وإثما مبينا ) مستدرك فكأنه قال : احتمل بهتانا إن كان بالقول وإثما مبينا كيفما كان الإيذاء ، وكيفما كان فإن الله خص الإيذاء القولي بالذكر ، لما بينا أنه أعم ولأنه أتم لأنه يصل إلى القلب ، فإن الكلام يخرج من القلب واللسان دليله ويدخل في القلب والآذان سبيله .