(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وإن كل لما جميع لدينا محضرون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ياحسرة على العباد ) أي هذا وقت الحسرة ، فاحضري يا حسرة ، والتنكير للتكثير ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الألف واللام في العباد يحتمل وجهين :
أحدهما : للمعهود ، وهم الذين أخذتهم الصيحة ، فيا حسرة على أولئك .
وثانيهما : لتعريف الجنس جنس الكفار المكذبين .
المسألة الثانية : من المتحسر ؟ نقول فيه وجوه :
الأول : لا متحسر أصلا في الحقيقة ؛ إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عند تحقق العذاب .
وههنا بحث لغوي : وهو أن المفعول قد يرفض رأسا إذا كان الغرض غير متعلق به ، يقال : إن فلانا يعطي ويمنع ، ولا يكون هناك شيء معطى ، إذ المقصود أن له المنع والإعطاء ، ورفض المفعول كثير ، وما نحن فيه رفض الفاعل وهو قليل ، والوجه فيه ما ذكرنا : إن ذكر المتحسر غير مقصود ، وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في ذلك الوقت .
الثاني : أن قائل : يا حسرة هو الله على الاستعارة تعظيما للأمر وتهويلا له ، وحينئذ يكون كالألفاظ التي وردت في حق الله كالضحك والنسيان والسخر والتعجب والتمني ، أو نقول : ليس معنى قولنا : يا حسرة ويا ندامة ، أن القائل متحسر أو نادم ، بل المعنى أنه مخبر عن وقوع الندامة ، ولا يحتاج إلى تجوز في بيان كونه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ياحسرة ) بل يخبر به على حقيقته إلا في الندامة ، فإن النداء مجاز ، والمراد الإخبار .
الثالث : المتلهفون من المسلمين والملائكة ، ألا ترى إلى ما حكي عن
حبيب أنه حين القتل كان يقول : اللهم
[ ص: 56 ] اهد قومي ، وبعد ما قتلوه وأدخل الجنة ، قال : يا ليت قومي يعلمون ، فيجوز أن
nindex.php?page=treesubj&link=18805يتحسر المسلم للكافر ويتندم له وعليه .
المسألة الثالثة : قرئ ( يا حسرة ) بالتنوين ، و ( يا حسرة العباد ) بالإضافة من غير كلمة على ، وقرئ يا حسرة على بالهاء إجراء للوصل مجرى الوقف .
المسألة الرابعة : من المراد بالعباد ؟ نقول فيه وجوه :
أحدها : الرسل الثلاثة كأن الكافرين يقولون عند ظهور البأس : يا حسرة عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين شأننا لنؤمن بهم .
وثانيها : هم قوم
حبيب .
وثالثها : كل من كفر وأصر واستكبر ، وعلى الأول فإطلاق العباد على المؤمنين كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) ( الحجر : 42 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53ياعبادي الذين أسرفوا ) ( الزمر : 53 ) وعلى الثاني
nindex.php?page=treesubj&link=21151فإطلاق العباد على الكفار ، وفرق بين العبد مطلقا وبين المضاف إلى الله تعالى ، فإن الإضافة إلى الشريف تكسو المضاف شرفا ، تقول : بيت الله ، فيكون فيه من الشرف ما لا يكون في قولك : البيت ، وعلى هذا فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وعباد الرحمن ) ( الفرقان : 63 ) من قبيل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ) وكذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عباد الله ) ( الإنسان : 6 ) .
ثم بين الله تعالى سبب الحسرة بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=11وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) وهذا سبب الندامة ، وذلك لأن من جاءه ملك من بادية ، وأعرفه نفسه ، وطلب منه أمرا هينا فكذبه ولم يجبه إلى ما دعاه ، ثم وقف بين يديه وهو على سرير ملكه فعرفه أنه ذلك ، يكون عنده من الندامة ما لا مزيد عليه ، فكذلك الرسل هم ملوك وأعظم منهم بإعزاز الله إياهم وجعلهم نوابه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ( آل عمران : 31 ) وجاءوا وعرفوا أنفسهم ، ولم يكن لهم عظمة ظاهرة في الحس ، ثم يوم القيامة أو عند ظهور البأس ظهرت عظمتهم عند الله لهم ، وكان ما يدعون إليه أمرا هينا نفعه عائد إليهم من عبادة الله ، وما كانوا يسألون عليه أجرا ، فعند ذلك تكون الندامة الشديدة ، وكيف لا وهم يقتنعون بالإعراض حتى آذوا واستهزءوا واستخفوا واستهانوا ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ما يأتيهم ) الضمير يجوز أن يكون عائدا إلى قوم
حبيب ، أي ما يأتيهم من رسول من الرسل الثلاثة (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30إلا كانوا به يستهزئون ) على قولنا : الحسرة عليهم ، ويجوز أن يكون عائدا إلى الكفار المصرين .
ثم إن الله تعالى لما بين حال الأولين قال للحاضرين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون ) أي الباقون لا يرون ما جرى على من تقدمهم ، ويحتمل أن يقال : إن الذين قيل في حقهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ياحسرة ) هم الذين قال في حقهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31ألم يروا ) ومعناه أن كل مهلك تقدمه قوم كذبوا وأهلكوا إلى قوم
نوح وقبله .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أنهم إليهم لا يرجعون ) بدل في المعنى عن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31كم أهلكنا ) وذلك لأن معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31كم أهلكنا ) ألم يروا كثرة إهلاكنا ، وفي معنى : ألم يروا المهلكين الكثيرين أنهم إليهم لا يرجعون ، وحينئذ يكون كبدل الاشتمال ، لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أنهم إليهم لا يرجعون ) حال من أحوال المهلكين ، أي أهلكوا بحيث لا رجوع لهم إليهم ، فيصير كقولك : ألا ترى زيدا أدبه ، وعلى هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أنهم إليهم لا يرجعون ) فيه وجهان :
أحدهما : أهلكوا إهلاكا لا رجوع لهم إلى من في الدنيا .
وثانيهما : هو أنهم لا يرجعون إليهم ، أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة ، يعني أهلكناهم وقطعنا نسلهم ، ولا شك في أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم ، والوجه الأول أشهر نقلا ، والثاني أظهر عقلا .
[ ص: 57 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) لما بين الإهلاك بين أنه ليس من أهلكه الله تركه ، بل بعده جمع وحساب وحبس وعقاب ، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة ، ونعم ما قال القائل :
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا
ونسأل بعده عن كل شي
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وإن كل لما ) في إن وجهان :
أحدهما : أنها مخففة من الثقيلة ، واللام في لما فارقة بينها وبين النافية ، وما زائدة مؤكدة في المعنى ، والقراءة حينئذ بالتخفيف في لما .
وثانيهما : أنها نافية ولما بمعنى إلا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : يقال : نشدتك بالله لما فعلت ، بمعنى إلا فعلت ، والقراءة حينئذ بالتشديد في لما ، يؤيد هذا ما روي أن
أبيا قرأ ( وما كل إلا جميع ) وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : لما بمعنى إلا وارد معنى مناسب ، وهو أن لما كأنها حرفا نفي جمعا ، وهما لم وما فتأكد النفي ، ولهذا يقال في جواب من قال : قد فعل لما يفعل ، وفي جواب من قال فعل لم يفعل ، وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قال قائل : كل وجميع بمعنى واحد ، فكيف جعل جميعا خبرا لكل حيث دخلت اللام عليه ، إذ التقدير : وإن كل لجميع ؟ نقول : معنى جميع مجموع ، ومعنى كل : كل فرد حيث لا يخرج عن الحكم أحد ، فصار المعنى : كل فرد مجموع مع الآخر مضموم إليه ، ويمكن أن يقال : محضرون ، يعني عما ذكره ، وذلك لأنه لو قال : وإن جميع لجميع محضرون ، لكان كلاما صحيحا ولم يوجد ما ذكره من الجواب ، بل الصحيح أن ( محضرون ) كالصفة للجميع ، فكأنه قال : جميع جميع محضرون ، كما يقال : الرجل رجل عالم ، والنبي نبي مرسل ، والواو في (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وإن كل ) لعطف الحكاية على الحكاية ، كأنه يقول : بينت لك ما ذكرت ، وأبين أن كلا لدينا محضرون ، وكذلك الواو في قوله تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) أَيْ هَذَا وَقْتُ الْحَسْرَةِ ، فَاحْضُرِي يَا حَسْرَةُ ، وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّكْثِيرِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْعِبَادِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِلْمَعْهُودِ ، وَهُمُ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ، فَيَا حَسْرَةً عَلَى أُولَئِكَ .
وَثَانِيهِمَا : لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ جِنْسِ الْكُفَّارِ الْمُكَذِّبِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : مَنِ الْمُتَحَسِّرُ ؟ نَقُولُ فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : لَا مُتَحَسِّرَ أَصْلًا فِي الْحَقِيقَةِ ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ طَلَبِ الْحَسْرَةِ حَيْثُ تَحَقَّقَتِ النَّدَامَةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَذَابِ .
وَهَهُنَا بَحْثٌ لُغَوِيٌّ : وَهُوَ أَنَّ الْمَفْعُولَ قَدْ يُرْفَضُ رَأْسًا إِذَا كَانَ الْغَرَضُ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِهِ ، يُقَالُ : إِنَّ فُلَانًا يُعْطِي وَيَمْنَعُ ، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ شَيْءٌ مُعْطًى ، إِذِ الْمَقْصُودُ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ وَالْإِعْطَاءَ ، وَرَفْضُ الْمَفْعُولِ كَثِيرٌ ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ رَفْضُ الْفَاعِلِ وَهُوَ قَلِيلٌ ، وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا : إِنَّ ذِكْرَ الْمُتَحَسِّرِ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَسْرَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
الثَّانِي : أَنَّ قَائِلَ : يَا حَسْرَةً هُوَ اللَّهُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَتَهْوِيلًا لَهُ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْأَلْفَاظِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ كَالضَّحِكِ وَالنِّسْيَانِ وَالسُّخْرِ وَالتَّعَجُّبِ وَالتَّمَنِّي ، أَوْ نَقُولُ : لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِنَا : يَا حَسْرَةً وَيَا نَدَامَةً ، أَنَّ الْقَائِلَ مُتَحَسِّرٌ أَوْ نَادِمٌ ، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ النَّدَامَةِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجَوُّزٍ فِي بَيَانِ كَوْنِهِ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يَاحَسْرَةً ) بَلْ يُخْبِرُ بِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ إِلَّا فِي النَّدَامَةِ ، فَإِنَّ النِّدَاءَ مَجَازٌ ، وَالْمُرَادَ الْإِخْبَارُ .
الثَّالِثُ : الْمُتَلَهِّفُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَلَائِكَةِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا حُكِيَ عَنْ
حَبِيبٍ أَنَّهُ حِينَ الْقَتْلِ كَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ
[ ص: 56 ] اهْدِ قَوْمِي ، وَبَعْدَ مَا قَتَلُوهُ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ، فَيَجُوزُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18805يَتَحَسَّرَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَيَتَنَدَّمَ لَهُ وَعَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قُرِئَ ( يَا حَسْرَةً ) بِالتَّنْوِينِ ، وَ ( يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ ) بِالْإِضَافَةِ مِنْ غَيْرِ كَلِمَةِ عَلَى ، وَقُرِئَ يَا حَسْرَةً عَلَى بِالْهَاءِ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : مَنِ الْمُرَادُ بِالْعِبَادِ ؟ نَقُولُ فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : الرُّسُلُ الثَّلَاثَةُ كَأَنَّ الْكَافِرِينَ يَقُولُونَ عِنْدَ ظُهُورِ الْبَأْسِ : يَا حَسْرَةً عَلَيْهِمْ يَا لَيْتَهُمْ كَانُوا حَاضِرِينَ شَأْنَنَا لِنُؤْمِنَ بِهِمْ .
وَثَانِيهَا : هُمْ قَوْمُ
حَبِيبٍ .
وَثَالِثُهَا : كُلُّ مَنْ كَفَرَ وَأَصَرَّ وَاسْتَكْبَرَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِطْلَاقُ الْعِبَادِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ( الْحِجْرِ : 42 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا ) ( الزُّمَرِ : 53 ) وَعَلَى الثَّانِي
nindex.php?page=treesubj&link=21151فَإِطْلَاقُ الْعِبَادِ عَلَى الْكُفَّارِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الشَّرِيفِ تَكْسُو الْمُضَافَ شَرَفًا ، تَقُولُ : بَيْتُ اللَّهِ ، فَيَكُونُ فِيهِ مِنَ الشَّرَفِ مَا لَا يَكُونُ فِي قَوْلِكَ : الْبَيْتُ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ) ( الْفُرْقَانِ : 63 ) مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي ) وَكَذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عِبَادُ اللَّهِ ) ( الْإِنْسَانِ : 6 ) .
ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبَ الْحَسْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=11وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وَهَذَا سَبَبُ النَّدَامَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ جَاءَهُ مَلِكٌ مِنْ بَادِيَةٍ ، وَأَعْرَفَهُ نَفْسَهُ ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَمْرًا هَيِّنًا فَكَذَّبَهُ وَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى مَا دَعَاهُ ، ثُمَّ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ فَعَرَّفَهُ أَنَّهُ ذَلِكَ ، يَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ النَّدَامَةِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ هُمْ مُلُوكٌ وَأَعْظَمُ مِنْهُمْ بِإِعْزَازِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَجَعَلَهُمْ نُوَّابَهُ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 31 ) وَجَاءُوا وَعَرَّفُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَظَمَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الْحِسِّ ، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ عِنْدَ ظُهُورِ الْبَأْسِ ظَهَرَتْ عَظَمَتُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ لَهُمْ ، وَكَانَ مَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ أَمْرًا هَيِّنًا نَفْعُهُ عَائِدٌ إِلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَمَا كَانُوا يَسْأَلُونَ عَلَيْهِ أَجْرًا ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ النَّدَامَةُ الشَّدِيدَةُ ، وَكَيْفَ لَا وَهُمْ يَقْتَنِعُونَ بِالْإِعْرَاضِ حَتَّى آذَوْا وَاسْتَهْزَءُوا وَاسْتَخَفُّوا وَاسْتَهَانُوا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30مَا يَأْتِيهِمْ ) الضَّمِيرُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى قَوْمِ
حَبِيبٍ ، أَيْ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ الثَّلَاثَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) عَلَى قَوْلِنَا : الْحَسْرَةُ عَلَيْهِمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْكُفَّارِ الْمُصِرِّينَ .
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْأَوَّلِينَ قَالَ لِلْحَاضِرِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ) أَيِ الْبَاقُونَ لَا يَرَوْنَ مَا جَرَى عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الَّذِينَ قِيلَ فِي حَقِّهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يَاحَسْرَةً ) هُمُ الَّذِينَ قَالَ فِي حَقِّهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أَلَمْ يَرَوْا ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَهْلِكٍ تَقَدَّمَهُ قَوْمٌ كَذَّبُوا وَأُهْلِكُوا إِلَى قَوْمِ
نُوحٍ وَقَبْلَهُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ) بَدَلٌ فِي الْمَعْنَى عَنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31كَمْ أَهْلَكْنَا ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31كَمْ أَهْلَكْنَا ) أَلَمْ يَرَوْا كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا ، وَفِي مَعْنَى : أَلَمْ يَرَوُا الْمُهْلَكِينَ الْكَثِيرِينَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَبَدَلِ الِاشْتِمَالِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ) حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الْمُهْلَكِينَ ، أَيْ أُهْلِكُوا بِحَيْثُ لَا رُجُوعَ لَهُمْ إِلَيْهِمْ ، فَيَصِيرُ كَقَوْلِكَ : أَلَا تَرَى زَيْدًا أَدَبَهُ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أُهْلِكُوا إِهْلَاكًا لَا رُجُوعَ لَهُمْ إِلَى مَنْ فِي الدُّنْيَا .
وَثَانِيهِمَا : هُوَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ ، أَيِ الْبَاقُونَ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْمُهْلَكِينَ بِنَسَبٍ وَلَا وِلَادَةٍ ، يَعْنِي أَهْلَكْنَاهُمْ وَقَطَعْنَا نَسْلَهُمْ ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْإِهْلَاكَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ قَطْعِ النَّسْلِ أَتَمُّ وَأَعَمُّ ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ نَقْلًا ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ عَقْلًا .
[ ص: 57 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) لَمَّا بَيَّنَ الْإِهْلَاكَ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مَنْ أَهْلَكَهُ اللَّهُ تَرَكَهُ ، بَلْ بَعْدَهُ جَمْعٌ وَحِسَابٌ وَحَبْسٌ وَعِقَابٌ ، وَلَوْ أَنَّ مَنْ أُهْلِكَ تُرِكَ لَكَانَ الْمَوْتُ رَاحَةً ، وَنِعْمَ مَا قَالَ الْقَائِلُ :
وَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا لَكَانَ الْمَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيْ وَلَكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنَا
وَنُسْأَلُ بَعْدَهُ عَنْ كُلِّ شَيْ
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا ) فِي إِنْ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَاللَّامُ فِي لَمَّا فَارِقَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِيَةِ ، وَمَا زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ فِي الْمَعْنَى ، وَالْقِرَاءَةُ حِينَئِذٍ بِالتَّخْفِيفِ فِي لَمَّا .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَلَمَّا بِمَعْنَى إِلَّا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : يُقَالُ : نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ لَمَّا فَعَلْتَ ، بِمَعْنَى إِلَّا فَعَلْتَ ، وَالْقِرَاءَةُ حِينَئِذٍ بِالتَّشْدِيدِ فِي لَمَّا ، يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ
أُبَيًّا قَرَأَ ( وَمَا كَلٌّ إِلَّا جَمِيعٌ ) وَفِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : لَمَّا بِمَعْنَى إِلَّا وَارِدُ مَعْنًى مُنَاسِبٍ ، وَهُوَ أَنَّ لَمَّا كَأَنَّهَا حَرْفَا نَفْيٍ جُمِعَا ، وَهُمَا لَمْ وَمَا فَتَأَكَّدَ النَّفْيُ ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ : قَدْ فَعَلَ لَمَّا يَفْعَلُ ، وَفِي جَوَابِ مَنْ قَالَ فَعَلَ لَمْ يَفْعَلْ ، وَإِلَّا كَأَنَّهَا حَرْفَا نَفْيٍ إِنْ وَلَا فَاسْتُعْمِلَ أَحَدُهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : كُلٌّ وَجَمِيعٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، فَكَيْفَ جُعِلَ جَمِيعًا خَبَرًا لِكُلٍّ حَيْثُ دَخَلَتِ اللَّامُ عَلَيْهِ ، إِذِ التَّقْدِيرُ : وَإِنْ كُلٌّ لَجَمِيعٌ ؟ نَقُولُ : مَعْنَى جَمِيعٍ مَجْمُوعٌ ، وَمَعْنَى كُلٍّ : كُلُّ فَرْدٍ حَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْحُكْمِ أَحَدٌ ، فَصَارَ الْمَعْنَى : كُلُّ فَرْدٍ مَجْمُوعٌ مَعَ الْآخَرِ مَضْمُومٌ إِلَيْهِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : مُحْضَرُونَ ، يَعْنِي عَمَّا ذَكَرَهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَإِنْ جَمِيعٌ لَجَمِيعٌ مُحْضَرُونَ ، لَكَانَ كَلَامًا صَحِيحًا وَلَمْ يُوجَدْ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْجَوَابِ ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ ( مُحْضَرُونَ ) كَالصِّفَةِ لِلْجَمِيعِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : جَمِيعٌ جَمِيعٌ مُحْضَرُونَ ، كَمَا يُقَالُ : الرَّجُلُ رَجُلٌ عَالِمٌ ، وَالنَّبِيُّ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَالْوَاوُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=32وَإِنْ كُلٌّ ) لِعَطْفِ الْحِكَايَةِ عَلَى الْحِكَايَةِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : بَيَّنْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ ، وَأُبَيِّنُ أَنَّ كُلًّا لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ، وَكَذَلِكَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :