(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بل عجبت ويسخرون ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=29008بل عجبت ويسخرون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تقرير الكلام أن يقال إن هؤلاء المنكرين أقروا بأنه تعالى قادر على تكوين أشياء أصعب من إعادة الحياة إلى هذه الأجساد ، وقد تقرر في صرائح العقول أن القادر على الأشق الأشد يكون قادرا على الأسهل الأيسر ، ثم مع قيام هذه الحجة البديهية بقي هؤلاء الأقوام مصرين على
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30179إنكار البعث والقيامة وهذا في موضع التعجب الشديد فإن مع ظهور هذه الحجة الجلية الظاهرة كيف يعقل بقاء القوم على الإصرار فيه ، فأنت يا
محمد تتعجب من إصرارهم على الإنكار وهم في طرف الإنكار وصلوا إلى حيث يسخرون منك في قولك بإثبات الحشر والنشر والبعث والقيامة ، فهذا هو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بل عجبت ويسخرون ) .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28935_28938قرأ حمزة والكسائي " عجبت " بضم التاء والباقون بفتحها قال
الواحدي : والضم قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وإبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=17307ويحيى بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وقراءة
أهل الكوفة واختيار
أبي عبيدة ، أما الذين قرءوا بالفتح فقد احتجوا بوجوه :
الأول : أن القراءة بالضم تدل على
nindex.php?page=treesubj&link=29682إسناد العجب إلى الله تعالى وذلك محال ؛ لأن التعجب حالة تحصل عند الجهل بصفة الشيء ومعلوم أن الجهل على الله محال .
والثاني : أن الله تعالى أضاف التعجب إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - في آية أخرى في هذه المسألة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا ) [ الرعد : 5 ] .
والثالث : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بل عجبت ويسخرون ) والظاهر أنهم سخروا لأجل
[ ص: 111 ] ذلك التعجب فلما سخروا منه وجب أن يكون ذلك التعجب صادرا منه ، وأما الذين قرءوا بضم التاء ، فقد أجابوا عن الحجة الأولى من وجوه :
الأول : أن القراءة بالضم لا نسلم أنها تدل على إسناد التعجب إلى الله تعالى ، وبيانه أنه يكون التقدير قل يا
محمد ( بل عجبت ويسخرون ) ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=38أسمع بهم وأبصر ) [ مريم : 38 ] معناه أن هؤلاء ما تقولون فيه أنتم هذا النحو من الكلام ، وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175فما أصبرهم على النار ) [ البقرة : 175 ] .
الثاني : سلمنا أن ذلك يقتضي إضافة التعجب إلى الله تعالى فلم قلتم إن ذلك محال ؟ ويروى أن
شريحا كان يختار القراءة بالنصب ويقول : العجب لا يليق إلا بمن لا يعلم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : فذكرت ذلك
لإبراهيم فقال : إن
شريحا يعجب بعلمه ، وكان
عبد الله أعلم ، وكان يقرأ بالضم ، وتحقيق القول فيه أن نقول : دل القرآن والخبر على جواز إضافة العجب إلى الله تعالى ، أما القرآن فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وإن تعجب فعجب قولهم ) [ الرعد : 5 ] والمعنى : وإن تعجب يا
محمد من قولهم فهو أيضا عجب عندي ، وأجيب عنه أنه لا يمتنع أن يكون المراد وإن تعجب فعجب قولهم عندكم ، وأما الخبر فقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013609عجب ربكم من إلكم وقنوطكم ، وعجب ربكم من شاب ليست له صبوة . وإذا ثبت هذا فنقول : العجب من الله تعالى خلاف العجب من الآدميين كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30ويمكرون ويمكر الله ) [ الأنفال : 30 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=79سخر الله منهم ) [ التوبة : 79 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وهو خادعهم ) [ النساء : 142 ] والمكر والخداع والسخرية من الله تعالى بخلاف هذه الأحوال من العباد ، وقد ذكرنا أن القانون في هذا الباب أن هذه الألفاظ محمولة على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض .
وكذلك ههنا من تعجب من شيء فإنه يستعظمه فالتعجب في حق الله تعالى محمول على أنه تعالى يستعظم تلك الحالة ، إن كانت قبيحة فيترتب العقاب العظيم عليه ، وإن كانت حسنة فيترتب الثواب العظيم عليه ، فهذا تمام الكلام في هذه المناظرة ، والأقرب أن يقال القراءة بالضم إن ثبت بالتواتر وجب المصير إليها ويكون التأويل ما ذكرناه وإن لم تثبت هذه القراءة بالتواتر ، كانت القراءة بفتح التاء أولى والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=29008بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : تَقْرِيرُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ أَقَرُّوا بِأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى تَكْوِينِ أَشْيَاءَ أَصْعَبَ مِنْ إِعَادَةِ الْحَيَاةِ إِلَى هَذِهِ الْأَجْسَادِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي صَرَائِحِ الْعُقُولِ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْأَشَقِّ الْأَشَدِّ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى الْأَسْهَلِ الْأَيْسَرِ ، ثُمَّ مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الْحُجَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ بَقِيَ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامُ مُصِرِّينَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30179إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَهَذَا فِي مَوْضِعِ التَّعَجُّبِ الشَّدِيدِ فَإِنَّ مَعَ ظُهُورِ هَذِهِ الْحُجَّةِ الْجَلِيَّةِ الظَّاهِرَةِ كَيْفَ يُعْقَلُ بَقَاءُ الْقَوْمِ عَلَى الْإِصْرَارِ فِيهِ ، فَأَنْتَ يَا
مُحَمَّدُ تَتَعَجَّبُ مِنْ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَهُمْ فِي طَرَفِ الْإِنْكَارِ وَصَلُوا إِلَى حَيْثُ يَسْخَرُونَ مِنْكَ فِي قَوْلِكَ بِإِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28935_28938قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " عَجِبْتُ " بِضَمِّ التَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَالضَّمُّ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=showalam&ids=17307وَيَحْيَى بْنِ ثَابِتٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ وَقِرَاءَةُ
أَهْلِ الْكُوفَةِ وَاخْتِيَارُ
أَبِي عُبَيْدَةَ ، أَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا بِالْفَتْحِ فَقَدِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالضَّمِّ تَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29682إِسْنَادِ الْعَجَبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ التَّعَجُّبَ حَالَةٌ تَحْصُلُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الشَّيْءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَهْلَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ التَّعَجُّبَ إِلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيَةٍ أُخْرَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) [ الرَّعْدِ : 5 ] .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ سَخِرُوا لِأَجْلِ
[ ص: 111 ] ذَلِكَ التَّعَجُّبِ فَلَمَّا سَخِرُوا مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّعَجُّبُ صَادِرًا مِنْهُ ، وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا بِضَمِّ التَّاءِ ، فَقَدْ أَجَابُوا عَنِ الْحُجَّةِ الْأُولَى مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالضَّمِّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى إِسْنَادِ التَّعَجُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْدِيرُ قُلْ يَا
مُحَمَّدُ ( بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ ) وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=38أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ) [ مَرْيَمَ : 38 ] مَعْنَاهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مَا تَقُولُونَ فِيهِ أَنْتُمْ هَذَا النَّحْوَ مِنَ الْكَلَامِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) [ الْبَقَرَةِ : 175 ] .
الثَّانِي : سَلَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي إِضَافَةَ التَّعَجُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ ؟ وَيُرْوَى أَنَّ
شُرَيْحًا كَانَ يَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِالنَّصْبِ وَيَقُولُ : الْعَجَبُ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِمَنْ لَا يَعْلَمُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ : إِنَّ
شُرَيْحًا يَعْجَبُ بِعِلْمِهِ ، وَكَانَ
عَبْدُ اللَّهِ أَعْلَمَ ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالضَّمِّ ، وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ نَقُولَ : دَلَّ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ عَلَى جَوَازِ إِضَافَةِ الْعَجَبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ) [ الرَّعْدِ : 5 ] وَالْمَعْنَى : وَإِنْ تَعْجَبْ يَا
مُحَمَّدُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَهُوَ أَيْضًا عَجَبٌ عِنْدِي ، وَأُجِيبَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ عِنْدَكُمْ ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013609عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ ، وَعَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ شَابٍّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ . وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْعَجَبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خِلَافُ الْعَجَبِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ) [ الْأَنْفَالِ : 30 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=79سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) [ التَّوْبَةِ : 79 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) [ النِّسَاءِ : 142 ] وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ وَالسُّخْرِيَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْعِبَادِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَانُونَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَحْمُولَةٌ عَلَى نِهَايَاتِ الْأَعْرَاضِ لَا عَلَى بِدَايَاتِ الْأَعْرَاضِ .
وَكَذَلِكَ هَهُنَا مَنْ تَعَجَّبَ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَسْتَعْظِمُهُ فَالتَّعَجُّبُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَسْتَعْظِمُ تِلْكَ الْحَالَةَ ، إِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً فَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ الْعَظِيمُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ حَسَنَةً فَيَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ الْعَظِيمُ عَلَيْهِ ، فَهَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ الْقِرَاءَةُ بِالضَّمِّ إِنَ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَيَكُونُ التَّأْوِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِالتَّوَاتُرِ ، كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .