(
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51إن المتقين في مقام أمين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=52في جنات وعيون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=53يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54كذلك وزوجناهم بحور عين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يدعون فيها بكل فاكهة آمنين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59فارتقب إنهم مرتقبون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51إن المتقين في مقام أمين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=52في جنات وعيون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=53يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54كذلك وزوجناهم بحور عين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يدعون فيها بكل فاكهة آمنين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59فارتقب إنهم مرتقبون ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد في الآيات المتقدمة ذكر الوعد في هذه الآيات فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51إن المتقين ) قال أصحابنا :
nindex.php?page=treesubj&link=19862_19863_19864_19867كل من اتقى الشرك فقد صدق عليه اسم المتقي ، فوجب أن يدخل الفاسق في هذا الوعد .
واعلم أنه تعالى ذكر من أسباب تنعمهم أربعة أشياء ، أولها : مساكنهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51في مقام أمين ) .
واعلم أن المسكن إنما يطيب بشرطين :
أحدهما : أن يكون آمنا عن جميع ما يخاف ويحذر وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51في مقام أمين ) ، قرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51في مقام ) بفتح الميم ، وقرأ
نافع وابن عامر بضم الميم ، قال صاحب “ الكشاف “ : المقام بفتح الميم وهو موضع القيام ، والمراد المكان ، وهو من الخاص الذي جعل مستعملا في المعنى العام ، وبالضم هو موضع الإقامة ، والأمين من قولك : أمن الرجل أمانة فهو أمين ، وهو ضد الخائن ، فوصف به المكان استعارة لأن المكان المخيف كأنه يخون صاحبه .
والشرط الثاني لطيب المكان أن يكون قد حصل فيه أسباب النزهة وهي الجنات والعيون ، فلما ذكر تعالى هذين الشرطين في
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30390_30391مساكن أهل الجنة فقد وصفها بما لا يقبل الزيادة .
والقسم الثاني من تنعماتهم الملبوسات فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=53يلبسون من سندس وإستبرق ) قيل : السندس : ما رق من الديباج ، والإستبرق ما غلظ منه ، وهو تعريب استبرك ، فإن قالوا : كيف جاز
nindex.php?page=treesubj&link=24945_28907_28906_28905ورود الأعجمي في القرآن ؟ قلنا : لما عرب فقد صار عربيا .
[ ص: 217 ] والقسم الثالث : فهو جلوسهم على صفة التقابل والغرض منه استئناس البعض بالبعض ، فإن قالوا : الجلوس على هذا الوجه موحش لأنه يكون كل واحد منهم مطلعا على ما يفعله الآخر ، وأيضا فالذي يقل ثوابه إذا اطلع على حال من يكثر ثوابه يتنغص عيشه ، قلنا : أحوال الآخرة بخلاف أحوال الدنيا .
والقسم الرابع : أزواجهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54كذلك وزوجناهم بحور عين ) الكاف فيه وجهان : أن تكون مرفوعة والتقدير : الأمر كذلك ، أو منصوبة والتقدير : آتيناهم مثل ذلك ، قال
أبو عبيدة : جعلناهم أزواجا كما يزوج البعل بالبعل أي جعلناهم اثنين اثنين ، واختلفوا في أن هذا اللفظ هل يدل على حصول عقد التزويج أم لا ؟ قال
يونس : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54وزوجناهم بحور عين ) أي قرناهم بهن فليس من عقد التزويج ، والعرب لا تقول : تزوجت بها ، وإنما تقول : تزوجتها ، قال
الواحدي رحمه الله : والتنزيل يدل على ما قال
يونس ، وذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) [ الأحزاب : 37 ] ، ولو كان المراد تزوجت بها زوجناك بها ، وأيضا فقول القائل : زوجته به معناه أنه كان فردا فزوجته بآخر كما يقال شفعته بآخر ، وأما الحور فقال
الواحدي : أصل الحور البياض والتحوير التبييض ، وقد ذكرنا ذلك في تفسير الحواريين ، وعين حوراء إذا اشتد بياض بياضها واشتد سواد سوادها ، ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون حور عينيها بياضا في لون الجسد ، والدليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30396_30397المراد بالحور في هذه الآية البيض قراءة
ابن مسعود بعيس عين ، والعيس البيض ، وأما العين فجمع عيناء ، وهي التي تكون عظيمة العينين من النساء ، فقال
الجبائي : رجل أعين إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء والجمع عين ، ثم اختلفوا في هؤلاء الحور العين ، فقال
الحسن : هن عجائزكم الدرد ينشئهن الله خلقا آخر ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : إنهن ليسوا من نساء الدنيا .
والنوع الخامس
nindex.php?page=treesubj&link=30395_30391_30383_30413من تنعمات أهل الجنة المأكول فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ) قالوا إنهم يأكلون جميع أنواع الفاكهة لأجل أنهم آمنون من التخم والأمراض .
ولما وصف الله تعالى أنواع ما هم فيه من الخيرات والراحات بين أن حياتهم دائمة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) ، وفيه سؤالان :
السؤال الأول : أنهم ما ذاقوا الموتة الأولى في الجنة فكيف حسن هذا الاستثناء ؟ وأجيب عنه من وجوه :
الأول : قال صاحب “ الكشاف “ : أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة ، فوضع قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56إلا الموتة الأولى ) موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال في المستقبل ، فهو من باب التعليق بالمحال ، كأنه قيل : إن كانت الموتة الأولى يمكن ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها .
الثاني : أن ( إلا ) بمعنى ( لكن ) والتقدير : لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى قد ذاقوها .
والثالث : أن الجنة حقيقتها ابتهاج النفس وفرحها بمعرفة الله تعالى وبطاعته ومحبته ، وإذا كان الأمر كذلك فإن الإنسان الذي فاز بهذه السعادة فهو في الدنيا في الجنة وفي الآخرة أيضا في الجنة ، وإذا كان الأمر كذلك فقد وقعت الموتة الأولى حين كان الإنسان في الجنة الحقيقية التي هي جنة المعرفة بالله والمحبة ، فذكر هذا الاستثناء كالتنبيه على قولنا : إن الجنة الحقيقية هي حصول هذه الحالة لا الدار التي هي دار الأكل والشرب ، ولهذا السبب قال عليه السلام : (
أنبياء الله لا يموتون ، ولكن ينقلون من دار إلى دار ) .
والرابع : أن من جرب شيئا ووقف عليه صح أن يقال : إنه ذاقه ، وإذا صح أن يسمى العلم بالذوق صح أن يسمى تذكره أيضا بالذوق ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) يعني إلا الذوق
[ ص: 218 ] الحاصل بسبب تذكر الموتة الأولى .
السؤال الثاني : أليس أن أهل النار أيضا لا يموتون فلم بشر أهل الجنة بهذا مع أن أهل النار يشاركونهم فيه ؟ والجواب : أن البشارة ما وقعت بدوام الحياة بل بدوام الحياة مع سابقة حصول تلك الخيرات والسعادات فظهر الفرق .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56ووقاهم عذاب الجحيم ) قرئ ( ووقاهم ) بالتشديد ، فإن قالوا : مقتضى الدليل أن يكون ذكر الوقاية عن عذاب الجحيم متقدما على ذكر الفوز بالجنة لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30445_19888الذي وقي عن عذاب الجحيم قد يفوز وقد لا يفوز ، فإذا ذكر بعده أنه فاز بالجنة حصلت الفائدة ، أما الذي فاز بخيرات الجنة فقد تخلص عن عقاب الله لا محالة ، فلم يكن ذكر الفوز عن عذاب جهنم بعد الفوز بثواب الجنة مفيدا ، قلنا : التقدير كأنه تعالى قال : ووقاهم في أول الأمر عن عذاب الجحيم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57فضلا من ربك ) يعني كل ما وصل إليه المتقون من الخلاص عن النار والفوز بالجنة فإنما يحصل بفضل الله ، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30404_29693_33144الثواب يحصل تفضلا من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق لأنه تعالى لما عدد أقسام ثواب المتقين بين أنها بأسرها إنما حصلت على سبيل الفضل والإحسان من الله تعالى ، قال القاضي : أكثر هذه الأشياء وإن كانوا قد استحقوه بعملهم فهو بفضل الله ؛ لأنه تعالى تفضل بالتكليف ، وغرضه منه أن يصيرهم إلى هذه المنزلة فهو كمن أعطى غيره مالا ليصل به إلى ملك ضيعة ، فإنه يقال في تلك الضيعة : إنها من فضله ، قلنا : مذهبك أن هذا الثواب حق لازم على الله ، وأنه تعالى لو أخل به لصار سفيها ولخرج به عن الإلهية ، فكيف يمكن وصف مثل هذا الشيء بأنه فضل من الله تعالى ؟
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57ذلك هو الفوز العظيم ) واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32411التفضيل أعلى درجة من الثواب المستحق ، فإنه تعالى وصفه بكونه فضلا من الله ، ثم وصف الفضل من الله بكونه فوزا عظيما ، ويدل عليه أيضا أن الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر فإن تلك الخلعة أعلى حالا من إعطاء تلك الأجرة ، ولما بين الله تعالى الدلائل وشرح الوعد والوعيد قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) ، والمعنى أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=32232_32234_28424وصف القرآن في أول هذه السورة بكونه كتابا مبينا كثير البيان والفائدة ، وذكر في خاتمتها ما يؤكد ذلك فقال : إن ذلك الكتاب المبين الكثير الفائدة إنما يسرناه بلسانك ، أي إنما أنزلناه عربيا بلغتك ، لعلهم يتذكرون ، قال القاضي : وهذا يدل على أنه تعالى أراد من الكل الإيمان والمعرفة ، وأنه ما أراد من أحد الكفر ، وأجاب أصحابنا أن الضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58لعلهم يتذكرون ) عائد إلى أقوام مخصوصين ، فنحن نحمل ذلك على المؤمنين .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59فارتقب ) أي فانتظر ما يحل بهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59إنهم مرتقبون ) ما يحل بك ، متربصون بك الدوائر ، والله أعلم .
قال المصنف رحمه الله تعالى : تم تفسير هذه السورة ليلة الثلاثاء في نصف الليل الثاني عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة .
يا دائم المعروف ، يا قديم الإحسان ، شهد لك إشراق العرش وضوء الكرسي ، ومعارج السماوات ، وأنوار الثوابت والسيارات على منابرها ، المتوغلة في العلو الأعلى ، ومعارجها المقدسة عن غبار عالم الكون والفساد ، بأن الأول الحق الأزلي ، لا يناسبه شيء من علائق العقول ، وشوائب
[ ص: 219 ] الخواطر ، ومناسبات المحدثات ، فالقمر بسبب محوه مقر بالنقصان ، والشمس بشهادة المعارج بتغيراتها معترفة بالحاجة إلى تدبير الرحمن ، والطبائع مقهورة تحت القدرة القاهرة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28658_29626_29627فالله في غيبيات المعارج العالية ، والمتغيرات شاهدة بعدم تغيره ، والمتعاقبات ناطقة بدوام سرمديته ، وكل ما نوجه عليه أنه مضى وسيأتي فهو خالقه وأعلى منه ، فبوجوده الوجود والإيجاد ، وبإعدامه الفناء والفساد ، وكل ما سواه فهو تائه في جبروته ، نائر عند طلوع نور ملكوته ، وليس عند عقول الخلق إلا أنه بخلاف كل الخلق ، له العز والجلال ، والقدرة والكمال ، والجود والإفضال ، ربنا ورب مبادينا إياك نروم ، ولك نصلي ونصوم ، وعليك المعول ، وأنت المبدأ الأول ، سبحانك سبحانك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=52فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=53يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=52فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=53يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْوَعِيدَ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذَكَرَ الْوَعْدَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51إِنَّ الْمُتَّقِينَ ) قَالَ أَصْحَابُنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=19862_19863_19864_19867كُلُّ مَنِ اتَّقَى الشِّرْكَ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُتَّقِي ، فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ الْفَاسِقُ فِي هَذَا الْوَعْدِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مِنْ أَسْبَابِ تَنَعُّمِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ ، أَوَّلُهَا : مَسَاكِنُهُمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْكَنَ إِنَّمَا يَطِيبُ بِشَرْطَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ آمِنًا عَنْ جَمِيعِ مَا يَخَافُ وَيَحْذَرُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ) ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=51فِي مَقَامٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ ، قَالَ صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ : الْمَقَامُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْقِيَامِ ، وَالْمُرَادُ الْمَكَانُ ، وَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ الَّذِي جُعِلَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ ، وَبِالضَّمِّ هُوَ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ ، وَالْأَمِينُ مِنْ قَوْلِكَ : أَمُنَ الرَّجُلُ أَمَانَةً فَهُوَ أَمِينٌ ، وَهُوَ ضِدُّ الْخَائِنِ ، فَوُصِفَ بِهِ الْمَكَانُ اسْتِعَارَةً لِأَنَّ الْمَكَانَ الْمُخِيفَ كَأَنَّهُ يَخُونُ صَاحِبَهُ .
وَالشَّرْطُ الثَّانِي لِطِيبِ الْمَكَانِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَلَ فِيهِ أَسْبَابُ النُّزْهَةِ وَهِيَ الْجَنَّاتُ وَالْعُيُونُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30390_30391مَسَاكِنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَدْ وَصَفَهَا بِمَا لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ تَنَعُّمَاتِهِمُ الْمَلْبُوسَاتُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=53يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) قِيلَ : السُّنْدُسُ : مَا رَقَّ مِنَ الدِّيبَاجِ ، وَالْإِسْتَبْرَقُ مَا غَلُظَ مِنْهُ ، وَهُوَ تَعْرِيبُ اسْتَبْرَكْ ، فَإِنْ قَالُوا : كَيْفَ جَازَ
nindex.php?page=treesubj&link=24945_28907_28906_28905وُرُودُ الْأَعْجَمِيِّ فِي الْقُرْآنِ ؟ قُلْنَا : لَمَّا عُرِّبَ فَقَدْ صَارَ عَرَبِيًّا .
[ ص: 217 ] وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : فَهُوَ جُلُوسُهُمْ عَلَى صِفَةِ التَّقَابُلِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ اسْتِئْنَاسُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ ، فَإِنْ قَالُوا : الْجُلُوسُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُوحِشٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُطَّلِعًا عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْآخَرُ ، وَأَيْضًا فَالَّذِي يَقِلُّ ثَوَابُهُ إِذَا اطَّلَعَ عَلَى حَالِ مَنْ يَكْثُرُ ثَوَابُهُ يَتَنَغَّصُ عَيْشُهُ ، قُلْنَا : أَحْوَالُ الْآخِرَةِ بِخِلَافِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا .
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَزْوَاجُهُمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) الْكَافُ فِيهِ وَجْهَانِ : أَنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً وَالتَّقْدِيرُ : الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، أَوْ مَنْصُوبَةً وَالتَّقْدِيرُ : آتَيْنَاهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ ، قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : جَعَلْنَاهُمْ أَزْوَاجًا كَمَا يُزَوَّجُ الْبَعْلُ بِالْبَعْلِ أَيْ جَعَلْنَاهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ هَلْ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ عَقْدِ التَّزْوِيجِ أَمْ لَا ؟ قَالَ
يُونُسُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=54وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ فَلَيْسَ مِنْ عَقْدِ التَّزْوِيجِ ، وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ : تَزَوَّجْتُ بِهَا ، وَإِنَّمَا تَقُولُ : تَزَوَّجْتُهَا ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالتَّنْزِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ
يُونُسُ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) [ الْأَحْزَابِ : 37 ] ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَزَوَّجْتَ بِهَا زَوَّجْنَاكَ بِهَا ، وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقَائِلِ : زَوَّجْتُهُ بِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ فَرْدًا فَزَوَّجْتُهُ بِآخَرَ كَمَا يُقَالُ شَفَعْتُهُ بِآخَرَ ، وَأَمَّا الْحُورُ فَقَالَ
الْوَاحِدِيُّ : أَصْلُ الْحَوَرِ الْبَيَاضُ وَالتَّحْوِيرُ التَّبْيِيضُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْحَوَارِيِّينَ ، وَعَيْنٌ حَوْرَاءُ إِذَا اشْتَدَّ بَيَاضُ بَيَاضِهَا وَاشْتَدَّ سَوَادُ سَوَادِهَا ، وَلَا تُسَمَّى الْمَرْأَةُ حَوْرَاءَ حَتَّى يَكُونَ حَوَرُ عَيْنَيْهَا بَيَاضًا فِي لَوْنِ الْجَسَدِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30396_30397الْمُرَادَ بِالْحَوَرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْبِيضُ قِرَاءَةُ
ابْنِ مَسْعُودٍ بِعِيسٍ عِينٍ ، وَالْعِيسُ الْبِيضُ ، وَأَمَّا الْعِينُ فَجَمْعُ عَيْنَاءَ ، وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ عَظِيمَةَ الْعَيْنَيْنِ مِنَ النِّسَاءِ ، فَقَالَ
الْجُبَّائِيُّ : رَجُلٌ أَعْيَنُ إِذَا كَانَ ضَخْمَ الْعَيْنِ وَاسِعَهَا وَالْأُنْثَى عَيْنَاءُ وَالْجَمْعُ عِينٌ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْحُورِ الْعِينِ ، فَقَالَ
الْحَسَنُ : هُنَّ عَجَائِزُكُمُ الدُّرْدُ يُنْشِئُهُنَّ اللَّهُ خَلْقًا آخَرَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : إِنَّهُنَّ لَيْسُوا مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا .
وَالنَّوْعُ الْخَامِسُ
nindex.php?page=treesubj&link=30395_30391_30383_30413مِنْ تَنَعُّمَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْمَأْكُولُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ) قَالُوا إِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ آمِنُونَ مِنَ التُّخَمِ وَالْأَمْرَاضِ .
وَلَمَّا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْوَاعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالرَّاحَاتِ بَيَّنَ أَنَّ حَيَاتَهُمْ دَائِمَةٌ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ) ، وَفِيهِ سُؤَالَانِ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ مَا ذَاقُوا الْمَوْتَةَ الْأُولَى فِي الْجَنَّةِ فَكَيْفَ حَسُنَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : قَالَ صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ : أُرِيدَ أَنْ يُقَالَ : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ الْبَتَّةَ ، فَوُضِعَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ) مَوْضِعَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْتَةَ الْمَاضِيَةَ مُحَالٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ كَانَتِ الْمَوْتَةُ الْأُولَى يُمْكِنُ ذَوْقُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُمْ يَذُوقُونَهَا .
الثَّانِي : أَنَّ ( إِلَّا ) بِمَعْنَى ( لَكِنَّ ) وَالتَّقْدِيرُ : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ لَكِنَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى قَدْ ذَاقُوهَا .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْجَنَّةَ حَقِيقَتُهَا ابْتِهَاجُ النَّفْسِ وَفَرَحُهَا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِطَاعَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي فَازَ بِهَذِهِ السَّعَادَةِ فَهُوَ فِي الدُّنْيَا فِي الْجَنَّةِ وَفِي الْآخِرَةِ أَيْضًا فِي الْجَنَّةِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ وَقَعْتِ الْمَوْتَةُ الْأُولَى حِينَ كَانَ الْإِنْسَانُ فِي الْجَنَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ جَنَّةُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَالْمَحَبَّةِ ، فَذِكْرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَالتَّنْبِيهِ عَلَى قَوْلِنَا : إِنَّ الْجَنَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ حُصُولُ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا الدَّارُ الَّتِي هِيَ دَارُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
أَنْبِيَاءُ اللَّهِ لَا يَمُوتُونَ ، وَلَكِنْ يُنْقَلُونَ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ ) .
وَالرَّابِعُ : أَنَّ مَنْ جَرَّبَ شَيْئًا وَوَقَفَ عَلَيْهِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ ذَاقَهُ ، وَإِذَا صَحَّ أَنْ يُسَمَّى الْعِلْمُ بِالذَّوْقِ صَحَّ أَنْ يُسَمَّى تَذَكُّرُهُ أَيْضًا بِالذَّوْقِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ) يَعْنِي إِلَّا الذَّوْقَ
[ ص: 218 ] الْحَاصِلَ بِسَبَبِ تَذَكُّرِ الْمَوْتَةِ الْأُولَى .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَلَيْسَ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَيْضًا لَا يَمُوتُونَ فَلِمَ بَشَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِهَذَا مَعَ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يُشَارِكُونَهُمْ فِيهِ ؟ وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْبِشَارَةَ مَا وَقَعَتْ بِدَوَامِ الْحَيَاةِ بَلْ بِدَوَامِ الْحَيَاةِ مَعَ سَابِقَةِ حُصُولِ تِلْكَ الْخَيْرَاتِ وَالسَّعَادَاتِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) قُرِئَ ( وَوَقَّاهَمْ ) بِالتَّشْدِيدِ ، فَإِنْ قَالُوا : مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْوِقَايَةِ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ مُتَقَدِّمًا عَلَى ذِكْرِ الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30445_19888الَّذِي وُقِيَ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ قَدْ يَفُوزُ وَقَدْ لَا يَفُوزُ ، فَإِذَا ذُكِرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ فَازَ بِالْجَنَّةِ حَصَلَتِ الْفَائِدَةُ ، أَمَّا الَّذِي فَازَ بِخَيْرَاتِ الْجَنَّةِ فَقَدْ تَخَلَّصَ عَنْ عِقَابِ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الْفَوْزِ عَنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ بَعْدَ الْفَوْزِ بِثَوَابِ الْجَنَّةِ مُفِيدًا ، قُلْنَا : التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : وَوَقَاهُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ) يَعْنِي كُلَّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْمُتَّقُونَ مِنَ الْخَلَاصِ عَنِ النَّارِ وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِفَضْلِ اللَّهِ ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30404_29693_33144الثَّوَابَ يَحْصُلُ تَفَضُّلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِطْرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَدَّدَ أَقْسَامَ ثَوَابِ الْمُتَّقِينَ بَيَّنَ أَنَّهَا بِأَسْرِهَا إِنَّمَا حَصَلَتْ عَلَى سَبِيلِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ الْقَاضِي : أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانُوا قَدِ اسْتَحَقُّوهُ بِعَمَلِهِمْ فَهُوَ بِفَضْلِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى تَفَضَّلَ بِالتَّكْلِيفِ ، وَغَرَضُهُ مِنْهُ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَهُوَ كَمَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ مَالًا لِيَصِلَ بِهِ إِلَى مِلْكِ ضَيْعَةٍ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي تِلْكَ الضَّيْعَةِ : إِنَّهَا مِنْ فَضْلِهِ ، قُلْنَا : مَذْهَبُكَ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ حَقٌّ لَازِمٌ عَلَى اللَّهِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَخَلَّ بِهِ لَصَارَ سَفِيهًا وَلَخَرَجَ بِهِ عَنِ الْإِلَهِيَّةِ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ وَصْفُ مِثْلِ هَذَا الشَّيْءِ بِأَنَّهُ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ؟
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=57ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32411التَّفْضِيلَ أَعْلَى دَرَجَةً مِنَ الثَّوَابِ الْمُسْتَحَقِّ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ، ثُمَّ وَصَفَ الْفَضْلَ مِنَ اللَّهِ بِكَوْنِهِ فَوْزًا عَظِيمًا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إِذَا أَعْطَى الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ ثُمَّ خَلَعَ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ فَإِنَّ تِلْكَ الْخِلْعَةَ أَعْلَى حَالًا مِنْ إِعْطَاءِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ ، وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّلَائِلَ وَشَرَحَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=32232_32234_28424وَصَفَ الْقُرْآنَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِكَوْنِهِ كِتَابًا مُبِينًا كَثِيرَ الْبَيَانِ وَالْفَائِدَةِ ، وَذَكَرَ فِي خَاتِمَتِهَا مَا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ الْمُبِينَ الْكَثِيرَ الْفَائِدَةِ إِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ، أَيْ إِنَّمَا أَنْزَلْنَاهُ عَرَبِيًّا بِلُغَتِكَ ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنَ الْكُلِّ الْإِيمَانَ وَالْمَعْرِفَةَ ، وَأَنَّهُ مَا أَرَادَ مِنْ أَحَدٍ الْكُفْرَ ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=58لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) عَائِدٌ إِلَى أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ ، فَنَحْنُ نَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59فَارْتَقِبْ ) أَيْ فَانْتَظِرْ مَا يَحِلُّ بِهِمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=59إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ) مَا يَحِلُّ بِكَ ، مُتَرَبِّصُونَ بِكَ الدَّوَائِرَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ .
يَا دَائِمَ الْمَعْرُوفِ ، يَا قَدِيمَ الْإِحْسَانِ ، شَهِدَ لَكَ إِشْرَاقُ الْعَرْشِ وَضَوْءُ الْكُرْسِيِّ ، وَمَعَارِجُ السَّمَاوَاتِ ، وَأَنْوَارُ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ عَلَى مَنَابِرِهَا ، الْمُتَوَغِّلَةِ فِي الْعُلُوِّ الْأَعْلَى ، وَمَعَارِجِهَا الْمُقَدَّسَةِ عَنْ غُبَارِ عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ ، بِأَنَّ الْأَوَّلَ الْحَقَّ الْأَزَلِيَّ ، لَا يُنَاسِبُهُ شَيْءٌ مِنْ عَلَائِقِ الْعُقُولِ ، وَشَوَائِبِ
[ ص: 219 ] الْخَوَاطِرِ ، وَمُنَاسَبَاتِ الْمُحْدَثَاتِ ، فَالْقَمَرُ بِسَبَبِ مَحْوِهِ مُقِرٌّ بِالنُّقْصَانِ ، وَالشَّمْسُ بِشَهَادَةِ الْمَعَارِجِ بِتَغَيُّرَاتِهَا مُعْتَرِفَةٌ بِالْحَاجَةِ إِلَى تَدْبِيرِ الرَّحْمَنِ ، وَالطَّبَائِعُ مَقْهُورَةٌ تَحْتَ الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28658_29626_29627فَاللَّهُ فِي غَيْبِيَّاتِ الْمَعَارِجِ الْعَالِيَةِ ، وَالْمُتَغَيِّرَاتٌ شَاهِدَةٌ بِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ ، وَالْمُتَعَاقِبَاتُ نَاطِقَةٌ بِدَوَامِ سَرْمَدِيَّتِهِ ، وَكُلُّ مَا نُوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَضَى وَسَيَأْتِي فَهُوَ خَالِقُهُ وَأَعْلَى مِنْهُ ، فَبِوُجُودِهِ الْوُجُودُ وَالْإِيجَادُ ، وَبِإِعْدَامِهِ الْفَنَاءُ وَالْفَسَادُ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ تَائِهٌ فِي جَبَرُوتِهِ ، نَائِرٌ عِنْدَ طُلُوعِ نُورِ مَلَكُوتِهِ ، وَلَيْسَ عِنْدَ عُقُولِ الْخَلْقِ إِلَّا أَنَّهُ بِخِلَافِ كُلِّ الْخَلْقِ ، لَهُ الْعِزُّ وَالْجَلَالُ ، وَالْقُدْرَةُ وَالْكَمَالُ ، وَالْجُودُ وَالْإِفْضَالُ ، رَبَّنَا وَرَبَّ مَبَادِينَا إِيَّاكَ نَرُومُ ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَصُومُ ، وَعَلَيْكَ الْمُعَوَّلُ ، وَأَنْتَ الْمَبْدَأُ الْأَوَّلُ ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ .