(
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) .
اعلم أنه تعالى لما وصف الولد البار بوالديه في الآية المتقدمة ،
nindex.php?page=treesubj&link=18026وصف الولد العاق لوالديه في هذه الآية ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17والذي قال لوالديه أف لكما ) وفي هذه الآية قولان :
الأول : أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=72عبد الرحمن بن أبي بكر ، قالوا : كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام فيأبى ، ويقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أف لكما ) واحتج القائلون بهذا القول على صحته ، بأنه لما كتب
معاوية إلى
مروان يبايع الناس
ليزيد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=72عبد الرحمن بن أبي بكر : لقد جئتم بها هرقلية ، أتبايعون لأبنائكم ؟ فقال
مروان : يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17والذي قال لوالديه أف لكما ) . والقول الثاني : أنه ليس المراد منه شخص معين ، بل المراد منه كل من كان موصوفا بهذه الصفة ، وهو كل من دعاه أبواه إلى
[ ص: 21 ] الدين الحق فأباه وأنكره ، وهذا القول هو الصحيح عندنا ، ويدل عليه وجوه :
الأول : أنه تعالى وصف هذا الذي قال لوالديه : "
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أف لكما أتعدانني " بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) ولا شك أن
عبد الرحمن آمن وحسن إسلامه ، وكان من سادات المسلمين ، فبطل حمل الآية عليه ، فإن قالوا : روي أنه لما دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أتعدانني أن أخرج ) من القبر ، يعني : أبعث بعد الموت (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وقد خلت القرون من قبلي ) يعني : الأمم الخالية ، فلم أر أحدا منهم بعث ، فأين
عبد الله بن جدعان ، وأين فلان وفلان؟ إذا عرفت هذا فنقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أولئك الذين حق عليهم القول ) المراد هؤلاء الذين ذكرهم
عبد الرحمن من المشركين الذين ماتوا قبله ، وهم الذين حق عليهم القول ، وبالجملة فهو عائد إلى المشار إليهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وقد خلت القرون من قبلي ) لا إلى المشار إليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17والذي قال لوالديه أف لكما ) هذا ما ذكره
الكلبي في دفع ذلك الدليل ، وهو حسن .
والوجه الثاني : في إبطال ذلك القول ، ما روي أن
مروان لما خاطب
nindex.php?page=showalam&ids=72عبد الرحمن بن أبي بكر بذلك الكلام سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ذلك فغضبت وقالت : والله ما هو به ، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه .
الوجه الثالث وهو الأقوى : أن يقال : إنه تعالى وصف الولد البار بأبويه في الآية المتقدمة ، ووصف الولد العاق لأبويه في هذه الآية ، وذكر من صفات ذلك الولد أنه بلغ في العقوق إلى حيث لما دعاه أبواه إلى الدين الحق ، وهو الإقرار بالبعث والقيامة أصر على الإنكار وأبى واستكبر ، وعول في ذلك الإنكار على شبهات خسيسة وكلمات واهية ، وإذا كان كذلك كان المراد كل ولد اتصف بالصفات المذكورة ولا حاجة البتة إلى تخصيص اللفظ المطلق بشخص معين . قال صاحب "الكشاف" : قرئ "أف" بالفتح والكسر بغير تنوين ، وبالحركات الثلاث مع التنوين ، وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر ، كما إذا قال : حس ، علم أنه متوجع ، واللام للبيان معناه هذا التأفيف لكما خاصة ، ولأجلكما دون غيركما ، وقرئ "أتعدانني" بنونين ، و" أتعداني" بأحدهما و" أتعداني" بالإدغام ، وقرأ بعضهم : "أتعدانني" بفتح النون كأنه استثقل اجتماع النونين والكسرين والياء ، ففتح الأولى تحريا للتخفيف كما تحراه من أدغم ومن طرح أحدهما .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أن أخرج ) أي : أن أبعث وأخرج من الأرض ، وقرئ : " أخرج وقد خلت القرون من قبلي " يعني ولم يبعث منهم أحد .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وهما يستغيثان الله ) أي : الوالدان يستغيثان الله ، فإن قالوا : كان الواجب أن يقال : يستغيثان بالله؟ قلنا : الجواب من وجهين :
الأول : أن المعنى أنهما يستغيثان الله من كفره وإنكاره ، فلما حذف الجار وصل الفعل .
الثاني : يجوز أن يقال : الباء حذف ؛ لأنه أريد بالاستغاثة ههنا الدعاء على ما قاله المفسرون " يدعوان الله" فلما أريد بالاستغاثة الدعاء حذف الجار ؛ لأن الدعاء لا يقتضيه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17ويلك ) أي : يقولان له ويلك ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17آمن ) وصدق بالبعث وهو دعاء عليه بالثبور ، والمراد به الحث ، والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17إن وعد الله )
nindex.php?page=treesubj&link=28760بالبعث حق ، فيقول لهما : ما هذا الذي تقولان من أمر البعث وتدعوانني إليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17إلا أساطير الأولين ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أولئك الذين حق عليهم القول ) أي : حقت عليهم كلمة العذاب ، ثم ههنا قولان :
[ ص: 22 ] فالذين يقولون المراد بنزول الآية
nindex.php?page=showalam&ids=72عبد الرحمن بن أبي بكر ، قالوا : المراد بهؤلاء الذين حقت عليهم كلمة العذاب هم القرون الذين خلوا من قبله ، والذين قالوا : المراد به ليس
عبد الرحمن ، بل كل ولد كان موصوفا بالصفة المذكورة ، قالوا : هذا الوعيد مختص بهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18في أمم ) نظير لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=16في أصحاب الجنة ) وقد ذكرنا أنه نظير لقوله : أكرمني الأمير في أناس من أصحابه ، يريد أكرمني في جملة من أكرم منهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18إنهم كانوا خاسرين ) وقرئ " أن " بالفتح على معنى آمن بأن وعد الله حق .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19ولكل درجات مما عملوا ) وفيه قولان :
الأول : أن الله تعالى ذكر الولد البار ، ثم أردفه بذكر الولد العاق ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19ولكل درجات مما عملوا ) خاص بالمؤمنين ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=18004المؤمن البار بوالديه له درجات متفاوتة ، ومراتب مختلفة في هذا الباب .
والقول الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19ولكل درجات مما عملوا ) عائد إلى الفريقين ، والمعنى ولكل واحد من الفريقين درجات في الإيمان والكفر والطاعة والمعصية ، فإن قالوا : كيف يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28907ذكر لفظ الدرجات في أهل النار ، وقد جاء في الأثر : الجنة درجات ، والنار دركات ، قلنا : فيه وجوه : الأول : يجوز أن يقال ذلك على جهة التغليب .
الثاني : قال
ابن زيد : درج أهل الجنة يذهب علوا ، ودرج أهل النار ينزل هبوطا .
الثالث : أن المراد بالدرجات المراتب المتزايدة ، إلا أن زيادات أهل الجنة في الخيرات والطاعات ، وزيادات أهل النار في المعاصي والسيئات .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19وليوفيهم ) وقرئ بالنون وهذا تعليل معلله محذوف لدلالة الكلام عليه كأنه وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم قدر جزاءهم على مقادير أعمالهم ، فجعل
nindex.php?page=treesubj&link=30438_30401الثواب درجات والعقاب دركات ، ولما بين الله تعالى أنه يوصل حق كل أحد إليه بين أحوال أهل العقاب أولا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=34ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) قيل : يدخلون النار ، وقيل : تعرض عليهم النار ليروا أهوالها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) قرأ
ابن كثير : " آذهبتم " استفهام بهمزة ومدة ،
وابن عامر استفهام بهمزتين بلا مدة والباقون " أذهبتم " بلفظ الخبر والمعنى أن كل ما قدر لكم من الطيبات والراحات فقد استوفيتموه في الدنيا وأخذتموه ، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها ، وعن
عمر : " لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وأحسنكم لباسا ، ولكني أستبقي طيباتي .
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل على أهل الصفة وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعا فقال : " أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى ، ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى ويستر بيته كما تستر الكعبة ، قالوا : نحن يومئذ خير ، قال : بل أنتم اليوم خير ؟ " ، رواه صاحب "الكشاف" . قال
الواحدي : إن
nindex.php?page=treesubj&link=24628الصالحين يؤثرون التقشف والزهد في الدنيا رجاء أن يكون ثوابهم في الآخرة أكمل ، إلا أن هذه الآية لا تدل على المنع من التنعم ؛ لأن هذه الآية وردت في حق الكافر ، وإنما وبخ الله الكافر لأنه يتمتع بالدنيا ولم يؤد شكر المنعم بطاعته والإيمان به ، وأما المؤمن فإنه يؤدي بإيمانه شكر المنعم فلا يوبخ بتمتعه ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) [الأعراف : 32] نعم لا ينكر أن الاحتراز عن التنعم أولى ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19952النفس إذا اعتادت التنعم صعب عليها الاحتراز والانقباض ، وحينئذ فربما حمله الميل إلى تلك الطيبات على فعل ما لا ينبغي ، وذلك مما يجر بعضه إلى بعض ويقع في البعد عن الله تعالى بسببه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20فاليوم تجزون عذاب الهون ) أي الهوان ، وقرئ "عذاب الهوان "
[ ص: 23 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) فعلل تعالى ذلك العذاب بأمرين :
أولهما :
nindex.php?page=treesubj&link=29556_18673_18672الاستكبار والترفع وهو
nindex.php?page=treesubj&link=29557_29559ذنب القلب .
الثاني : الفسق وهو
nindex.php?page=treesubj&link=30522ذنب الجوارح ، وقدم الأول على الثاني لأن أحوال القلوب أعظم وقعا من أعمال الجوارح ، ويمكن أن يكون المراد من الاستكبار أنهم يتكبرون عن قبول الدين الحق ، ويستنكفون عن الإيمان
بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وأما الفسق فهو المعاصي واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20710الكفار مخاطبون بفروع الشرائع ، قالوا : لأنه تعالى علل عذابهم بأمرين : أولهما : الكفر .
وثانيهما : الفسق ، وهذا الفسق لا بد وأن يكون مغايرا لذلك الكفر ؛ لأن العطف يوجب المغايرة ، فثبت أن فسق الكفار يوجب العقاب في حقهم ، ولا معنى للفسق إلا ترك المأمورات وفعل المنهيات ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْوَلَدَ الْبَارَّ بِوَالِدَيْهِ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18026وَصَفَ الْوَلَدَ الْعَاقَّ لِوَالِدَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ) وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=72عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالُوا : كَانَ أَبَوَاهُ يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيَأْبَى ، وَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أُفٍّ لَكُمَا ) وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى صِحَّتِهِ ، بِأَنَّهُ لَمَّا كَتَبَ
مُعَاوِيَةُ إِلَى
مَرْوَانَ يُبَايِعُ النَّاسَ
لِيَزِيدَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=72عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا هِرَقْلِيَّةَ ، أَتُبَايَعُونَ لِأَبْنَائِكُمْ ؟ فَقَالَ
مَرْوَانُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ) . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ دَعَاهُ أَبَوَاهُ إِلَى
[ ص: 21 ] الدِّينِ الْحَقِّ فَأَبَاهُ وَأَنْكَرَهُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ هَذَا الَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي " بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) وَلَا شَكَّ أَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ آمَنَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، فَبَطَلَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَالُوا : رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَاهُ أَبَوَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبَرَاهُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) مِنَ الْقَبْرِ ، يَعْنِي : أُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ) يَعْنِي : الْأُمَمُ الْخَالِيَةُ ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بُعِثَ ، فَأَيْنَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ ، وَأَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) الْمُرَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ ، وَهُمُ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ) لَا إِلَى الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ) هَذَا مَا ذَكَرَهُ
الْكَلْبِيُّ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ ، وَهُوَ حَسَنٌ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ الْقَوْلِ ، مَا رُوِيَ أَنَّ
مَرْوَانَ لَمَّا خَاطَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=72عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ الْكَلَامِ سَمِعَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ ذَلِكَ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَعَنَ أَبَاكَ وَأَنْتَ فِي صُلْبِهِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْأَقْوَى : أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْوَلَدَ الْبَارَّ بِأَبَوَيْهِ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَوَصَفَ الْوَلَدَ الْعَاقَّ لِأَبَوَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَذَكَرَ مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ الْوَلَدِ أَنَّهُ بَلَغَ فِي الْعُقُوقِ إِلَى حَيْثُ لَمَّا دَعَاهُ أَبَوَاهُ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ أَصَرَّ عَلَى الْإِنْكَارِ وَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ ، وَعَوَّلَ فِي ذَلِكَ الْإِنْكَارِ عَلَى شُبُهَاتٍ خَسِيسَةٍ وَكَلِمَاتٍ وَاهِيَةٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُرَادُ كُلُّ وَلَدٍ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا حَاجَةَ الْبَتَّةَ إِلَى تَخْصِيصِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ . قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : قُرِئَ "أَفِّ" بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ ، وَبِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ مَعَ التَّنْوِينِ ، وَهُوَ صَوْتٌ إِذَا صَوَّتَ بِهِ الْإِنْسَانُ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَضَجِّرٌ ، كَمَا إِذَا قَالَ : حَسِّ ، عُلِمَ أَنَّهُ مُتَوَجِّعٌ ، وَاللَّامُ لِلْبَيَانِ مَعْنَاهُ هَذَا التَّأْفِيفُ لَكُمَا خَاصَّةً ، وَلِأَجْلِكُمَا دُونَ غَيْرِكُمَا ، وَقُرِئَ "أَتَعِدَانِنِي" بِنُونَيْنِ ، وَ" أَتَعِدَانِي" بِأَحَدِهِمَا وَ" أَتَعِدَانِّي" بِالْإِدْغَامِ ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ : "أَتَعِدَانَنِي" بِفَتْحِ النُّونِ كَأَنَّهُ اسْتَثْقَلَ اجْتِمَاعُ النُّونَيْنِ وَالْكَسْرَيْنِ وَالْيَاءِ ، فَفَتْحَ الْأُولَى تَحَرِّيًا لِلتَّخْفِيفِ كَمَا تَحَرَّاهُ مَنْ أَدْغَمَ وَمَنْ طَرَحَ أَحَدَهُمَا .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17أَنْ أُخْرَجَ ) أَيْ : أَنْ أُبْعَثَ وَأُخْرَجَ مِنَ الْأَرْضِ ، وَقُرِئَ : " أَخْرُجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي " يَعْنِي وَلَمْ يُبْعَثْ مِنْهُمْ أَحَدٌ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ) أَيْ : الْوَالِدَانِ يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ، فَإِنْ قَالُوا : كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ : يَسْتَغِيثَانِ بِاللَّهِ؟ قُلْنَا : الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ مَنْ كُفْرِهِ وَإِنْكَارِهِ ، فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ وُصِلَ الْفِعْلُ .
الثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْبَاءُ حُذِفَ ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالِاسْتِغَاثَةِ هَهُنَا الدُّعَاءُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ " يَدْعُوَانِ اللَّهَ" فَلَمَّا أُرِيدَ بِالِاسْتِغَاثَةِ الدُّعَاءُ حُذِفَ الْجَارُّ ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَقْتَضِيهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَيْلَكَ ) أَيْ : يَقُولَانِ لَهُ وَيْلَكَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17آمِنْ ) وَصَدِّقْ بِالْبَعْثِ وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالثُّبُورِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَثُّ ، وَالتَّحْرِيضُ عَلَى الْإِيمَانِ لَا حَقِيقَةَ الْهَلَاكِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ )
nindex.php?page=treesubj&link=28760بِالْبَعْثِ حَقٌّ ، فَيَقُولُ لَهُمَا : مَا هَذَا الَّذِي تَقُولَانِ مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ وَتَدْعُوَانِنِي إِلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) أَيْ : حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ، ثُمَّ هَهُنَا قَوْلَانِ :
[ ص: 22 ] فَالَّذِينَ يَقُولُونَ الْمُرَادُ بِنُزُولِ الْآيَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=72عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالُوا : الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ هُمُ الْقُرُونُ الَّذِينَ خَلَوْا مَنْ قَبْلِهِ ، وَالَّذِينَ قَالُوا : الْمُرَادُ بِهِ لَيْسَ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، بَلْ كُلُّ وَلَدٍ كَانَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ، قَالُوا : هَذَا الْوَعِيدُ مُخْتَصٌّ بِهِمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18فِي أُمَمٍ ) نَظِيرٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=16فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ نَظِيرٌ لِقَوْلِهِ : أَكْرَمَنِي الْأَمِيرُ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، يُرِيدُ أَكْرَمَنِي فِي جُمْلَةِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْهُمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=18إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) وَقُرِئَ " أَنَّ " بِالْفَتْحِ عَلَى مَعْنَى آمَنَ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَلَدَ الْبَارَّ ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ الْوَلَدِ الْعَاقِّ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18004الْمُؤْمِنَ الْبَارَّ بِوَالِدَيْهِ لَهُ دَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ ، وَمَرَاتِبُ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) عَائِدٌ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ ، وَالْمَعْنَى وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ دَرَجَاتٌ فِي الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ ، فَإِنْ قَالُوا : كَيْفَ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28907ذِكْرُ لَفْظِ الدَّرَجَاتِ فِي أَهْلِ النَّارِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ : الْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ ، وَالنَّارُ دَرَكَاتٌ ، قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ : الْأَوَّلُ : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيبِ .
الثَّانِي : قَالَ
ابْنُ زَيْدٌ : دَرَجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَذْهَبُ عُلُوًّا ، وَدَرَجُ أَهْلِ النَّارِ يَنْزِلُ هُبُوطًا .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَجَاتِ الْمَرَاتِبُ الْمُتَزَايِدَةُ ، إِلَّا أَنَّ زِيَادَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ ، وَزِيَادَاتِ أَهْلِ النَّارِ فِي الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=19وَلِيُوَفِّيَهُمْ ) وَقُرِئَ بِالنُّونِ وَهَذَا تَعْلِيلٌ مُعَلَّلُهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَلَا يَظْلِمَهُمْ حُقُوقَهُمْ قَدَّرَ جَزَاءَهُمْ عَلَى مَقَادِيرِ أَعْمَالِهِمْ ، فَجَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=30438_30401الثَّوَابَ دَرَجَاتٍ وَالْعِقَابَ دَرَكَاتٍ ، وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُوَصِّلُ حَقَّ كُلِّ أَحَدٍ إِلَيْهِ بَيَّنَ أَحْوَالَ أَهْلِ الْعِقَابِ أَوَّلًا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=34وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) قِيلَ : يَدْخُلُونَ النَّارَ ، وَقِيلَ : تُعْرَضُ عَلَيْهِمُ النَّارَ لِيَرَوْا أَهْوَالَهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ) قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ : " آذَهَبْتُمْ " اسْتِفْهَامٌ بِهَمْزَةٍ وَمَدَّةٍ ،
وَابْنُ عَامِرٍ اسْتِفْهَامٌ بِهَمْزَتَيْنِ بِلَا مَدَّةٍ وَالْبَاقُونَ " أَذْهَبْتُمْ " بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا قُدِّرَ لَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَالرَّاحَاتِ فَقَدِ اسْتَوْفَيْتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا وَأَخَذْتُمُوهُ ، فَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَظِّكُمْ شَيْءٌ مِنْهَا ، وَعَنْ
عُمَرَ : " لَوْ شِئْتُ لَكُنْتُ أَطْيَبُكُمْ طَعَامًا وَأَحْسَنُكُمْ لِبَاسًا ، وَلَكِنِّي أَسْتَبْقِي طَيِّبَاتِي .
وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ وَهُمْ يُرَقِّعُونَ ثِيَابَهُمْ بِالْأَدَمِ مَا يَجِدُونَ لَهَا رِقَاعًا فَقَالَ : " أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ أَمْ يَوْمَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ بِجَفْنَةٍ وَيُرَاحُ عَلَيْهِ بِأُخْرَى وَيُسْتَرُ بَيْتُهُ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ ، قَالُوا : نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ ، قَالَ : بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ ؟ " ، رَوَاهُ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24628الصَّالِحِينَ يُؤْثِرُونَ التَّقَشُّفَ وَالزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَكْمَلَ ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّنَعُّمِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ، وَإِنَّمَا وَبَّخَ اللَّهُ الْكَافِرَ لِأَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِالدُّنْيَا وَلَمْ يُؤَدِّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ بِطَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي بِإِيمَانِهِ شُكْرَ الْمُنْعِمِ فَلَا يُوَبَّخُ بِتَمَتُّعِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) [الْأَعْرَافِ : 32] نَعَمْ لَا يُنْكَرُ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنِ التَّنَعُّمِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19952النَّفْسَ إِذَا اعْتَادَتِ التَّنَعُّمَ صَعُبَ عَلَيْهَا الِاحْتِرَازُ وَالِانْقِبَاضُ ، وَحِينَئِذٍ فَرُبَّمَا حَمَلَهُ الْمَيْلُ إِلَى تِلْكَ الطَّيِّبَاتِ عَلَى فِعْلِ مَا لَا يَنْبَغِي ، وَذَلِكَ مِمَّا يَجُرُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ وَيَقَعُ فِي الْبُعْدِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) أَيِ الْهَوَانِ ، وَقُرِئَ "عَذَابَ الْهَوَانِ "
[ ص: 23 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) فَعَلَّلَ تَعَالَى ذَلِكَ الْعَذَابَ بِأَمْرَيْنِ :
أَوَّلُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29556_18673_18672الِاسْتِكْبَارُ وَالتَّرَفُّعُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29557_29559ذَنْبُ الْقَلْبِ .
الثَّانِي : الْفِسْقُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30522ذَنْبُ الْجَوَارِحِ ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ أَحْوَالَ الْقُلُوبِ أَعْظَمُ وَقْعًا مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِكْبَارِ أَنَّهُمْ يَتَكَبَّرُونَ عَنْ قَبُولِ الدِّينِ الْحَقِّ ، وَيَسْتَنْكِفُونَ عَنِ الْإِيمَانِ
بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَأَمَّا الْفِسْقُ فَهُوَ الْمَعَاصِي وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20710الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ ، قَالُوا : لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّلَ عَذَابَهُمْ بِأَمْرَيْنِ : أَوَّلُهُمَا : الْكُفْرُ .
وَثَانِيهِمَا : الْفِسْقُ ، وَهَذَا الْفِسْقُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لِذَلِكَ الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ الْمُغَايَرَةَ ، فَثَبَتَ أَنَّ فِسْقَ الْكُفَّارِ يُوجِبُ الْعِقَابَ فِي حَقِّهِمْ ، وَلَا مَعْنَى لِلْفِسْقِ إِلَّا تَرْكُ الْمَأْمُورَاتِ وَفِعْلُ الْمَنْهِيَّاتِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .