( علمه شديد القوى )
ثم قال تعالى : ( علمه شديد القوى ) وفيه وجهان أشهرهما عند المفسرين أن الضمير في ( علمه ) عائد إلى الوحي أي الوحي علمه شديد القوى ، والوحي إن كان هو الكتاب فظاهر ، وإن كان الإلهام فهو كقوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين ) [ الشعراء : 193] والأولى أن يقال الضمير عائد إلى محمد صلى الله عليه وسلم تقديره محمدا شديد القوى جبريل ، وحينئذ يكون عائدا إلى صاحبكم ، تقديره علم صاحبكم ، وشديد القوى هو علم جبريل ، أي قواه العلمية والعملية كلها شديدة فيعلم ويعمل ، وقوله ( شديد القوى ) فيه فوائد الأولى : أن مدح المعلم مدح المتعلم ، فلو قال علمه جبريل ولم يصفه ما كان يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم فضيلة ظاهرة . الثانية : هي أن فيه ردا عليهم حيث قالوا أساطير الأولين سمعها وقت سفره إلى الشام ، فقال لم يعلمه أحد من الناس بل معلمه شديد القوى ، والإنسان خلق ضعيفا وما أوتي من العلم إلا قليلا . الثالثة : فيه وثوق بقول جبريل عليه السلام ، فقوله تعالى : ( علمه شديد القوى ) جمع ما يوجب الوثوق لأن قوة الإدراك شرط الوثوق بقول القائل لأنا إن ظننا [ ص: 246 ] بواحد فساد ذهن ثم نقل إلينا عن بعض الأكابر مسألة مشكلة لا نثق بقوله ونقول هو ما فهم ما قال ، وكذلك قوة الحفظ حتى لا نقول أدركها لكن نسيها ، وكذلك قوة الأمانة حتى لا نقول حرفها وغيرها فقال : ( شديد القوى ) ليجمع هذه الشرائط فيصير كقوله تعالى : ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) [ التكوير : 20] إلى أن قال : ( أمين ) ، الرابعة : في وهي من حيث إن الله تعالى لم يكن مختصا بمكان فنسبته إلى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم جبريل كنسبته إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإذا علم بواسطته يكون نقصا عن درجته ، فقال ليس كذلك لأنه شديد القوى يثبت لمكالمتنا ، وأنت بعد ما استويت فتكون كموسى حيث خر فكأنه تعالى قد علمه بواسطة ثم علمه من غير واسطة كما قال تعالى : ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) [ النساء : 113] وقال صلى الله عليه وسلم : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " .