( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) ثم قال تعالى :
( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
والمقت هو البغض ، ومن استوجب مقت الله لزمه العذاب ، قال صاحب الكشاف المقت أشد البغض وأبلغه وأفحشه ، وقال الزجاج : " أن " في موضع رفع و : " مقتا " منصوب على التمييز ، والمعنى : كبر قولكم ما لا تفعلون مقتا عند الله ، وهذا كقوله تعالى : ( كبرت كلمة ) [ الكهف : 5 ] .
قوله تعالى : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص )
قرأ : يقاتلون بفتح التاء ، وقرئ يقتلون أي يصفون صفا ، والمعنى يصفون أنفسهم عند القتال كأنهم بنيان مرصوص ، قال زيد بن علي الفراء : مرصوص بالرصاص ، يقال : رصصت البناء إذا لاءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة ، وقال الليث : يقال : رصصت البناء إذا ضممته ، والرص انضمام الأشياء بعضها إلى بعض ، وقال : يوضع الحجر على الحجر ثم يرص بأحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه [ ص: 271 ] فتسميه ابن عباس أهل مكة المرصوص ، وقال أبو إسحاق : أعلم ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص ، وقال : ويجوز أن يكون على أن يستوي شأنهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة ، وموالاة بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص ، وقيل : ضرب هذا المثل للثبات ، يعني إذا اصطفوا ثبتوا كالبنيان المرصوص الثابت المستقر ، وقيل : فيه دلالة على الله تعالى أنه يحب من يثبت في الجهاد ، لأن العرب يصطفون على هذه الصفة ، ثم المحبة في الظاهر على وجهين : فضل القتال راجلا
أحدهما : الرضا عن الخلق .
وثانيها : الثناء عليهم بما يفعلون ، ثم ما وجه تعلق الآية بما قبلها وهو قوله تعالى : ( كبر مقتا عند الله أن ) نقول تلك الآية ، وهذه الآية محمدة الموافقين في القتال وهم الذين قاتلوا في سبيل الله وبالغوا فيه . مذمة المخالفين في القتال وهم الذين وعدوا بالقتال ولم يقاتلوا