[ ص: 134 ] ( وذكر اسم ربه فصلى )
أما قوله تعالى : ( وذكر اسم ربه فصلى ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكر المفسرون فيه وجوها :
أحدها : قال : ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له . وأقول : هذا التفسير متعين وذلك لأن مراتب أعمال المكلف ثلاثة : ابن عباس
أولها : إزالة العقائد الفاسدة عن القلب .
وثانيها : استحضار معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأسمائه .
وثالثها : الاشتغال بخدمته .
فالمرتبة الأولى : هي المراد بالتزكية في قوله : ( قد أفلح من تزكى ) .
وثانيها : هي المراد بقوله : ( وذكر اسم ربه ) فإن . الذكر بالقلب ليس إلا المعرفة
وثالثها : الخدمة وهي المراد بقوله : ( فصلى ) فإن فمن استنار قلبه بمعرفة جلال الله تعالى وكبريائه ، لا بد وأن يظهر في جوارحه وأعضائه أثر الخضوع والخشوع . الصلاة عبارة عن التواضع والخشوع
وثانيها : قال قوم من المفسرين قوله : ( قد أفلح من تزكى ) يعني من تصدق قبل مروره إلى العيد : ( وذكر اسم ربه فصلى ) يعني ثم صلى صلاة العيد بعد ذلك مع الإمام . وهذا قول عكرمة وأبي العالية وابن سيرين وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا التفسير فيه إشكال من وجهين : وابن عمر
الأول : أن لا تقديم الزكاة على الصلاة . عادة الله تعالى في القرآن تقديم ذكر الصلاة على ذكر الزكاة
والثاني : قال الثعلبي : هذه السورة مكية بالإجماع ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر . أجاب الواحدي عنه بأنه لا يمتنع أن يقال : لما كان في معلوم الله تعالى أن ذلك سيكون أثنى على من فعل ذلك .
وثالثها : قال مقاتل : ( قد أفلح من تزكى ) أي تصدق من ماله وذكر ربه بالتوحيد في الصلاة فصلى له ، والفرق بين هذا الوجه وما قبله أن هذا يتناول الزكاة والصلاة المفروضتين ، والوجه الأول ليس كذلك .
ورابعها : ( قد أفلح من تزكى ) ليس المراد منه زكاة المال بل زكاة الأعمال أي من تطهر في أعماله من الرياء والتقصير ، لأن اللفظ المعتاد أن يقال : في المال " زكى " ولا يقال " تزكى " قال تعالى : ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) [ فاطر : 18 ] .
وخامسها : قال : ( ابن عباس وذكر اسم ربه ) أي كبر في خروجه إلى العيد وصلى صلاة العيد .
وسادسها : المعنى : وذكر اسم ربه في صلاته ، ولا تكون صلاته كصلاة المنافقين حيث يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا .
المسألة الثانية : الفقهاء احتجوا بهذه الآية على وجوب ، واحتج تكبيرة الافتتاح رحمه الله بها على أن تكبيرة الافتتاح ليست من الصلاة ، قال : لأن الصلاة معطوفة عليها والعطف يستدعي المغايرة ، واحتج أيضا بهذه الآية على أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه وأجاب أصحابنا بأن تقدير الآية ، وصلى فذكر اسم ربه ولا فرق بين أن تقول أكرمتني فزرتني وبين أن تقول زرتني فأكرمتني ، ولأبي حنيفة أن يقول : ترك العمل بفاء التعقيب لا يجوز من غير دليل والأولى في الجواب أن يقال : الآية تدل على أبو حنيفة وليس في الآية بيان أن ذلك الذكر هو تكبيرة الافتتاح . فلعل المراد به أن من ذكر الله بقلبه وذكر ثوابه وعقابه دعاه ذلك إلى فعل الصلاة ، فحينئذ يأتي بالصلاة التي أحد أجزائها التكبير ، وحينئذ يندفع الاستدلال .
مدح كل من ذكر اسم الله فصلى عقيبه