فصل :
في رحله ورفقته وما قرب منه ، وعنه لا يجب طلبه إلا إذا غلب على ظنه وجوده أو رأى أمارات [ ص: 426 ] وجوده بأن يرى خضرة أو حفرة أو ركبا أو طيرا يتساقط على مكان ؛ لأنه عادم للماء فجاز له التيمم كما لو طلب ، ولأن الأصل عدم طلب الماء ولا أمارة تزيل حكم الأصل فوجب العمل به كاستصحاب الحال ، والمشهور أنه يجب الطلب إذا رجا وجود الماء ، فإن تيقن أن لا ماء فلا يجب الطلب قولا واحدا لأن الله تعالى قال : ( ولا يكون عادما حتى يطلب الماء بعد دخول الوقت فلم تجدوا ماء ) ولا ينفي عنه الوجود إلا بعد سابقة الطلب كما في قوله : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) وقوله : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) ولأن التيمم بدل عن غيره مشروط بعدمه ، فلم يجز إلا بعد الطلب كالصيام الذي هو بدل عن الرقبة وعن الهدي وعن التكفير بالمال ، والقياس الذي هو بدل عن النص ، والميت الذي هو بدل عن المذكى ، ولأن البدل في مثل هذا إنما أبيح للضرورة وإنما تستيقن الضرورة بعد الطلب ، وصفته أن يفتش على الماء في رحله ، ويسأل رفقته عن موارده أو عن ما معهم ليبيعوه أو يبذلوه .
قال القاضي : سواء قالوا : لو سألتنا أعطيناك أو منعناك ، وفي إلزامه سؤالهم البدل نظر ، ويسعى أمامه ووراءه وعن يمينه وعن شماله إلى حيث جرت عادة السفار بالسعي إليه لطلب الماء والمرعى ، هكذا قال بعض أصحابنا ، وقال القاضي : لا يلزمه المشي في طلبه وعدوله عن طريقه لأنه ليس في تقدير ما يلزمه من المشي توقيف يرجع إليه ، وليس الميل بأولى من الميلين ، واحتج إسحاق على ذلك بأن ( لم يكن يعدل إلى الماء وهو منه غلوة أو غلوتين ) . ابن عمر
وحمل القاضي قول أحمد وقد قيل له : وعلى كم يطلب الماء ؟ فقال : " إن لم [ ص: 427 ] يصرفه عن وجهه نراه الميل والميلين ، وإن استدل عليه الميلان والثلاثة فلا يطلبه " .
وهذا في السائر ، فأما النازل فلا تردد أنه يلزمه المشي في طلبه ، وإذا رأى بشرا أو حائطا قصد ذلك وطلب الماء عنده ، فإذا لم يجد الماء حينئذ ظهر عجزه .
قال القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا : ولا يعتد بطلبه قبل الوقت ، بل يلزمه إعادة الطلب في وقت كل صلاة ؛ لأن فلا يصح في وقت لا يصح فيه التيمم ؛ لأنه في وقت كل صلاة مخاطب بقوله : ( طلب الماء شرط لصحة التيمم فلم تجدوا ماء ) وذلك لا يلزمه إلا بعد الطلب ، وهذا إنما يكون مع الطمع بحصول الماء فأما مع اليأس فلا ، وإذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت صلى بالتيمم لأنه لم يكن وجب عليه الوضوء ، نص عليه ، وإن أراقه بعد دخول الوقت أو مر بماء في الوقت فلم يتوضأ مع أنه لا يرجو وجود ماء آخر ، فقد عصى بذلك ، فيتيمم ويصلي ويعيد في أحد الوجهين ؛ لأنه فرط بترك المأمور به ، ولا يعيد في الآخر كما لو كسر ساقه فعجز عن القيام ، أو حرق ثوبه فصار عاريا ، وكذلك لو وهبه بعد دخول الوقت أو باعه ، لم يصح في أشهر الوجهين لأنه قد تعين صرفه في الطهارة ، ولا يصح تيممه إلا أن يكون بعد استهلاكه ، ففيه الوجهان ، وإذا نسي الماء في رحله وصلى بالتيمم لزمه الإعادة ، وكذلك إن جهله بموضع ينسب فيه إلى التفريط مثل أن يكون بقربه بئر أعلامه ظاهرة ؛ لأنه شرط فعلي يتقدم الصلاة فلم يسقط بالنسيان كالسترة ، فلأنه تطهير واجب فلم يسقط بالنسيان كما لو نسي بعض أعضائه أو انقضت مدة المسح ولم يشعر ، وهذا لأن النسيان والجهل إذا كان عن تفريط فإنه قادر على الاحتراز منه في الجملة ، ولهذا يقال : لا تنس ، وإن أضل راحلته أو أضل بئرا كان يعرفها ثم وجدها ، فلا إعادة عليه ، وقيل : يعيد ، وقيل : يعيد في ضلال البئر ؛ لأن مكانها واحد ، وإن كان الماء مع عبده أو وضعه في رحله من حيث لا يشعر ، أعاد في أقوى الوجهين .