( فصل )
وأما الواجب عليه إذا وطئ بعد التحلل الأول ؛ فقد قال - في رواية أبي [ ص: 239 ] الحارث - : يأتي مسجد عائشة فيحرم بعمرة فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال ، وعليه دم ، وقال - في رواية الميموني وابن منصور وابن الحكم - : إذا أصاب الرجل أهله بعد رمي الجمرة ينتقض إحرامه يتعمر من التنعيم ويهريق دم شاة ويجزئه فإذا خرج إلى التنعيم فأحرم ، فيكون إحرام مكان إحرام ويهريق دما . يذهب إلى قول يأتي بدم ويتعمر من ابن عباس التنعيم .
وقال - في رواية المروذي فيمن - : فسد حجه وعليه الحج من قابل فإن وطئ قبل رمي جمرة العقبة : عليه دم ويتعمر من رمى وحلق وذبح ووطئ قبل أن يزور البيت التنعيم ؛ لأن عليه أربعة أميال مكان أربعة ، وكذلك نقل أبو طالب : يعتمر من التنعيم لأنه من منى إلى مكة أربعة أميال ، ومن التنعيم أربعة أميال .
وقال - في رواية الفضل بن زياد في من واقع قبل الزيارة - يعتمر من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق .
وذلك لما روى قتادة عن علي بن عبد الله البارقي : " أن رجلا وامرأة أتيا قضيا المناسك كلها ما خلا الطواف فغشيها ، فقال ابن عمر : عليهما الحج عاما قابلا ، فقال : أنا إنسان من ابن عمر أهل عمان ، وإن دارنا نائية ، فقال : [ ص: 240 ] وإن كنتما من أهل عمان ، وكانت داركما نائية حجا عاما قابلا ، فأتيا ، فأمرهما أن يأتيا ابن عباس التنعيم ، فيهلا منه بعمرة ، فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال وإحرام مكان إحرام ، وطواف مكان طواف " رواه سعيد بن أبي عروبة في المناسك عنه ، وروى مالك عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة - قال : لا أظنه إلا عن - قال : " الذي يصيب أهله قبل أن يفيض : يتعمر ويهدي " ورواه ابن عباس النجاد ، عن عكرمة عن من غير شك . فإذا اختلف الصحابة على قولين : ابن عباس
أحدهما : إيجاب حج كامل ، والثاني إيجاب عمرة : لم يجز الخروج عنهما ، والاجتزاء بدون ذلك . ولا يعرف في الصحابة من قال بخلاف هذين ، وقد تقدم أنه لا يفسد جميع الحجة ، فبقي قول . ابن عباس
وأيضا : فإنه كان قد بقي عليه من الحج أن يفيض من منى إلى مكة ، فيطوف طواف الإفاضة ، ويسعى معه ، وإن كان لم يسع أولا فيما بقي عليه من إحرامه ، وهو الإحرام من النساء خاصة . فإذا وطئ فقد فسد هذا الإحرام فإن ما يفسد الإحرام الكامل : يفسد الإحرام الناقص بطريق الأولى ، ولو لم يجب عليه استبقاء الإحرام من النساء إلى تمام الإفاضة : لجاز الوطء قبلها ، وهو غير جائز بالسنة والإجماع . فإذا فسد ما بقي من الإحرام : فلو جاز أن يكتفي به لجاز الاكتفاء بالإحرام الفاسد عن الصحيح ، ولو وقعت الإفاضة وطوافها في غير إحرام صحيح وهذا غير مجزئ وإذا وجب أن يأتي بإحرام صحيح : فلا بد أن يخرج إلى الحل ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم [ ص: 241 ] ثم اختلف أصحابنا في صفة ما يفعل : فمنهم من أطلق القول بأن عليه عمرة يخرج إلى التنعيم فيهل بها على لفظ المنقول عن ابن عباس وأحمد .
وقال الخرقي : يمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم ، وكذلك قال ابن أبي موسى : ويخرجان إلى التنعيم فيحرمان بعمرة ليطوفا طواف الإفاضة وهما محرمان ، إنما الواجب عليه الإحرام فقط ليطوف في إحرام صحيح ، وليس عليه سعي ، ولا حلق ، لكن هل يلبي وكيف يحرم ؟ .
وقال القاضي - في آخر أمره - : يمضي في بقية الحج في الإحرام الذي أفسده ، فيطوف طواف الإفاضة ، ويسعى إن كان لم يسع في ذلك الإحرام الفاسد ، ثم يقضي هذا بإحرام صحيح من الحل يطوف فيه ويسعى ، سواء كان قد سعى عقب طواف القدوم ، أو لم يسع ؛ قال : لأن أحمد أطلق القول في رواية الجماعة أنه يحرم بعمرة ، ولم يقل يمضي في بقية إحرامه ، ومعناه : أنه يحرم ليفعل أفعال العمرة . وقد نقل عنه ما يدل على أنه يمضي فيما بقي .
وقال - في رواية الفضل - : إنه يعتمر من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق ، فقد أمره بتأخير الإحرام بعد أيام التشريق ، وليس هذا إلا لاشتغاله ببقية أفعال [ ص: 242 ] الحج لأن القضاء إنما يكون تمام ما بقي عليه ، قال : وقد نص - فيمن - يدخل متعمرا ، فيطوف بعمرة ، ثم يطوف طواف الزيارة . نسي طواف الزيارة حتى رجع بلده
ووجه هذا : أنه قد أفسد ما بقي عليه ، والإفساد يوجب المضي فيما بقي من النسك وقضاءه ، فوجب عليه أن يمضي فيه ، ووجب القضاء . لكن الإحرام المبتدأ لا يكون إلا بحج أو عمرة ، فوجب عليه أن يأتي بعمرة تامة تكون قضاء لما أفسده من بقية النسك ، وعلى هذا فيلبي في إحرامه ، ويحلق أو يقصر إذا قضاه لأنها عمرة تامة .
وقال القاضي - في المجرد - والشريف أبو جعفر وابن عقيل وغيرهم : إنما عليه عمرة فقط وهذا هو المنقول عن ابن عباس وأحمد وهو الصواب .
ثم اختلفت عباراتهم : فقال القاضي - في موضع - والشريف : معناه أنه يحرم للطواف والسعي ؛ وهو أفعال العمرة فالمعنى : أنه يأتي في إحرامه بأفعال العمرة . وقال ابن عقيل : كلام أحمد يدل على أنه يحرم بنفس العمرة حتى لا يكون إحرامه لمجرد الطواف والسعي الذي هو فعل من أفعال الحج ، بل يحرم بنسك كامل ، ويجعل ما بقي من الحج داخلا في أثنائه ، ولا يكفيه أن يأتي بما بقي من غير إحرام . وهذا أجود فعليه أن يأتي بعمرة تامة يتجرد لها ، ويهل من [ ص: 243 ] الحل ويطوف ويسعى ويقصر ، أو يحلق ويعتقد أن هذه العمرة قائمة مقام ما بقي عليه ، وأن طوافها هو طواف الحج الذي كان عليه ، فإن ابن عباس وأحمد : صرحا بأنه يتعمر ويهدي ، وفسرا ذلك بأربعة أميال مكان أربعة أميال .
نعم وجب عليه إنشاء الإحرام ليأتي بما بقي عليه في إحرام صحيح ، ومن لوازم الإحرام المبتدأ أن يتجنب فيه جميع المحظورات ، وأن يهل فيه ، وأن لا يتحلل منه إلا بعد السعي والحلق . وهذه الزيادات وإن لم تكن كانت واجبة ، فإنها وجبت لجبر ما قد فسد من إحرامه إذ لا يمكن الجبر إلا بإحرام صحيح ، ولا يكون الإحرام الصحيح إلا هكذا .
وقول أحمد : يعتمر أيام التشريق : ليس فيه دليل على أنه يفيض في ذلك الإحرام الفاسد ، وإنما أمره بذلك لأن العمرة يشرع أن تكون بعد أيام التشريق وهو يرمي الجمار أيام التشريق ؛ لأن الجمار إنما يكون بعد الحل كله ، فوقوعه بعد فساد الإحرام : لا يضره ، ووقوع طواف الإفاضة بعد أيام منى : جائز . نعم قد يكره... ، وإنما لم يجب عليه المضي فيما بقي بإحرامه الفاسد وقضاؤه : لأن القضاء المشروع يحكي الأداء ، وهنا ليس القضاء مثل الأداء ، وإنما وجب عليه عمرة فيها إحرام تام ، وخروج إلى الحل ، وطواف وسعي وغير ذلك ، وإنما كان عليه طواف فقط وهو متطيب لابس يفيض إلى مكة من منى ، فأغنى إيجاب هذه الزيادات عن طوافه في ذلك الإحرام الفاسد .
وأما من أوجب عليه إحراما صحيحا ليطوف فيه فقط : فهذا خلاف الأصول ؛ لأن كل إحرام صحيح من الحل يتضمن الإهلال : لا بد له من إحلال ، والمحرم : لا يحل إلا بالحلق أو التقصير بعد طواف وسعي ، فكيف يحل بمجرد السعي ، اللهم إلا على قولنا بأن السعي والحلاق شيئان غير واجبين ، فهنا يحل بمجرد [ ص: 244 ] الطواف ويكون هذا عمرة ...
ولا يتعين الإحرام من التنعيم ، بل له أن يحرم من أي الجوانب شاء .
وإن اعتمر في أيام التشريق .
وإن وطئ بعد إفاضته ، وقبل طوافه ، أو قبل تكميل الطواف ، فنقل الميموني ...