مسألة :
" ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة "
لا يختلف المذهب أنه أن يكون قد لبسهما على طهارة ، فلو كان محدثا حين لبسهما أو أحدث حين وضع قدمه في " الخف " قبل أن يستقر لم يجز له المسح؛ لأن الحديث تعلق بالرجل في حال ظهورها فصار فرضها الغسل؛ لأنه لا مشقة فيه حينئذ فلا يجوز أن ينوب عنه المسح؛ لأنه أخف منه، كمن نسي صلاة حضر فذكرها في السفر فقد استقرت في ذمته تامة فلا يجوز قصرها بخلاف ما إذا لبس طاهرا ثم أحدث فإنه تعلق بها على صفة يشق غسلها فكان الفرض فيها على أحد الأمرين ؛ إما الغسل أو المسح ، وكذلك لا بد أن تكون الطهارة قبل اللبس فلو يشترط في جواز المسح على العمامة والخفين لم يجز له المسح عليه حتى يخلعه ثم يلبسه ليكون حين اللبس متطهرا . لبس الخف على حدث ثم توضأ وغسل رجليه فيه
[ ص: 278 ] لما قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه، وغسل ذراعيه ثم مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال : " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما " المغيرة بن شعبة متفق عليه ، روى : " ولأبي داود " . دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان فمسح عليهما
قال : " قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال : نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان " المغيرة بن شعبة رواه وعن في مسنده الحميدي في سننه ، والدارقطني صفوان بن عسال قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا " ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نخلعهما إلا من جنابة " رواه وعن أحمد والدارقطني ، قال وابن خزيمة : " هو صحيح الإسناد ، وبهذا يدل على أن الطهارة شرط حين أدخلهما الخفين؛ ولأنه إذا لبس الخف محدثا لبسه مع قيام فرض الغسل بالرجل فأشبه ما لو لم يغسلهما حتى أحدث، ولا يقال النزع واللبس عبث بل هو تحقيق لشرط الإباحة كما أن من ابتاع طعاما بالكيل ثم باعه فإنه يكيله ثانيا . الخطابي
[ ص: 279 ] ولا بد أن يبتدئ لبسهما على طهارة كاملة في أشهر الروايتين، وفي الأخرى يكفيه أن يدخل كل قدم وهي طاهرة ، فلو لم يبح له المسح في ظاهر المذهب حتى يخلع ما لبسه قبل تمام طهره فليلبسه بعده ، ولذلك لو نوى الجنب رفع الحدثين وغسل رجليه ثم أدخلهما الخف ثم تمم طهارته أو فعل ذلك المحدث، وقلنا: الترتيب ليس بشرط لم يجز له المسح على الأولى ، وجاز على الثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم الأخرى وأدخلها الخف ) وذلك يقتضي توزيع الأفراد على الأفراد ، كما يقال دخل الرجلان الدار وهما راكبان فإنه يقتضي أن كليهما راكب حين دخوله سواء كان الأول إذ ذاك راكبا أو لم يكن . أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان
ووجه الأول في حديث صفوان المتقدم إذا أدخلناهما مع طهر وذاك إنما يراد به الطهر الكامل .
وعن أبي بكرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما " الأثرم والدارقطني ، وقال وابن خزيمة : هو صحيح الإسناد . الخطابي
والتطهر إنما هو كمال التوضؤ؛ ولأن اللبس اعتبرت له الطهارة فاعتبرت [ ص: 280 ] الطهارة الكاملة كمس المصحف ومسح الخف فإنه لا يجوز أن يمس المصحف بعضو غسله حتى يطهر الجميع .
، والحديث حجة لنا " لإثبات " أن كل واحدة طاهرة عند دخولها ، ولا يثبت لها الطهارة حتى يغسل الأخرى ؛ لأن ولا يمسح على خف رجل غسلها حتى يغسل الرجل الأخرى ويلبس خفها ، ولهذا لا يجوز له مس المصحف بعضو مغسول ، على أن ما ذكروه ليس بمطرد فإنه لو قال لامرأتيه : أنتما طالقتان إن شئتما أو إن حضتما لم يقع طلاق واحدة منهما حتى يوجد الشرط منهما . الحدث الأصغر لا يتبعض ولا يرتفع عن العضو إلا بعد كمال الوضوء
فأما العمامة ، فقال أصحابنا : هي كالخف فلو مسح على رأسه ثم لبسها ثم غسل رجليه لم يجزئه في أشهر الروايتين " حتى " يبتدئ لبسها بعد كمال الطهارة ، وفي الأخرى يجزئه ؛ لأنه لبسها بعد طهارة محلها ، ولو لبسها محدثا ثم توضأ ومسح على رأسه ورفعها رفعا فاحشا فكذلك كما لو لبس الخف محدثا فلما غسل رجليه رفعه إلى الساق ثم أعاده ، وإن لم يرفعها رفعا فاحشا فيحتمل أن يكون كما لو غسل رجليه في الخف ؛ لأن الرفع اليسير لا يخرجه عن حكم اللبس ؛ لأنه إنما عفي عنه هناك للمشقة ، ويتوجه أن يقال في العمامة : لا يشترط فيها ابتداء اللباس على طهارة بل يكفي فيها الطهارة المستدامة ؛ لأن العادة الجارية أن الإنسان إذا توضأ رفع العمامة ومسح برأسه ثم أعادها ، ولم تجر العادة بأن يبقى مكشوف الرأس إلى آخر الوضوء ولا أن يجعلها بعد وضوئه ثم يلبسها بخلاف الخف .
[ ص: 281 ] فإن عادته أن يبتدأ لبسه بعد كمال الطهارة ، وغسله في الخف نادر ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في شيء من ذلك وهو موضع حاجة ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وقد علل أصحابنا الخف بندرة غسل الرجل فيه ، وهذه العلة تنعكس في العمامة لا سيما إن قلنا : ابتداء اللبس على كمال الطهارة واجب ، فأما إن قلنا : يكفي لبسها على طهارة محلها وجعلنا رفعها شيئا يسيرا ، ثم إعادتها ابتداء لبس فهو شبيه بما ذكرنا . المسح على العمامة