[ ص: 15 ] مقدمة الإمام
النووي رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله البر الجواد ، الذي جلت نعمه عن الإحصاء بالأعداد ، خالق اللطف ، والإرشاد الهادي إلى سبيل الرشاد ، الموفق بكرمه لطرق السداد . المان بالتفقه في الدين على من لطف به من العباد ، الذي كرم هذه الأمة زادها الله شرفا بالاعتناء بتدوين ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظا له على تكرر العصور ، والآباد ، ونصب كذلك جهابذة من الحفاظ النقاد ، وجعلهم دائبين في إيضاح ذلك في جميع الأزمان ، والبلاد باذلين وسعهم مستفرغين جهدهم في ذلك في جماعات ، وآحاد مستمرين على ذلك متابعين في الجهد ، والاجتهاد .
أحمده أبلغ الحمد ، وأكمله ، وأزكاه ، وأشمله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له الواحد القهار الكريم الغفار ، وأشهد أن
محمدا عبده ، ورسوله ، وحبيبه ، وخليله ، المصطفى بتعميم دعوته ، ورسالته ، المفضل على الأولين ، والآخرين من بريته ، المشرف على العالمين قاطبة بشمول شفاعته ، المخصوص بتأييد ملته ، وسماحة شريعته ، المكرم بتوفيق أمته للمبالغة في إيضاح منهاجه ، وطريقته ، والقيام بتبليغ ما أرسل به إلى أمته ، صلوات الله ، وسلامه عليه ، وعلى إخوانه من النبيين ، وآل كل ، وسائر الصالحين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
( أما بعد ) فقد قال الله تعالى العظيم العزيز الحكيم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } ، وهذا نص في أن
nindex.php?page=treesubj&link=29429_29428العباد خلقوا للعبادة ، ولعمل الآخرة ، والإعراض عن الدنيا بالزهادة ، فكان أولى ما اشتغل به المحققون ، واستغرق الأوقات في تحصيله العارفون ، وبذل الوسع في إدراكه المشهورون ، وهجر ما سواه لنيله المتيقظون ، بعد معرفة الله ، وعمل الواجبات ، التشمير في تبيين ما كان مصححا للعبادات ، التي هي دأب أرباب العقول ، وأصحاب الأنفس الزكيات ، إذ ليس يكفي في العبادات صور الطاعات ، بل لا بد من كونها على وفق القواعد الشرعيات ، وهذا في هذه الأزمان ، وقبلها بأعصار خاليات ، قد انحصرت . معرفته في الكتب الفقهيات ، المصنفة في أحكام الديانات ، فهي المخصوصة ببيان ذلك ، وإيضاح الخفيات منها ، والجليات ، وهي التي أوضح فيها جميع أحكام الدين ، والوقائع الغالبات ، والنادرات ، وحرر فيها الواضحات ، والمشكلات ،
[ ص: 16 ] وقد أكثر العلماء رضي الله عنهم التصنيف فيها من المختصرات ، والمبسوطات ، وأودعوا فيها من المباحث ، والتحقيقات ، والنفائس الجليلات ، وجمع ما يحتاج إليه ، وما يتوقع وقوعه ، ولو على أندر الاحتمالات ، البدائع وغايات النهايات ، حتى لقد تركونا منها على الجليات الواضحات ، فشكر الله الكريم لهم سعيهم ، وأجزل لهم المثوبات ، وأحلهم في دار كرامته أعلى المقامات ، وجعل لنا نصيبا من ذلك ، ومن جميع أنواع الخيرات ، وأدامنا على ذلك في ازدياد حتى الممات ، وغفر لنا ما جرى ، وما يجري منا من الزلات ، وفعل ذلك بوالدينا ، ومشايخنا ، وسائر من نحبه ، ويحبنا ، ومن أحسن إلينا ، وسائر المسلمين ، والمسلمات ، إنه سميع الدعوات جزيل العطيات .
ثم إن أصحابنا المصنفين رضي الله عنهم أجمعين ، وعن سائر علماء المسلمين ، أكثروا التصانيف كما قدمنا ، وتنوعوا فيها كما ذكرنا ، واشتهر منها لتدريس المدرسين ، وبحث المشتغلين ( المهذب ، والوسيط ) ، وهما كتابان عظيمان صنفهما إمامان جليلان :
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847وأبو حامد محمد بن محمد الغزالي رضي الله عنهما ، وتقبل ذلك ، وسائر أعمالهما منهما .
وقد وفر الله الكريم دواعي العلماء من أصحابنا رحمهم الله تعالى الاشتغال بهذين الكتابين ، وما ذاك إلا لجلالتهما ، وعظم فائدتهما ، وحسن نية ذينك الإمامين ، وفي هذين الكتابين دروس المدرسين ، وبحث المحصلين المحققين ، وحفظ الطلاب المعتنين فيما مضى ، وفي هذه الأعصار ، في جميع النواحي ، والأمصار .
فإذا كانا كما وصفنا ، وجلالتهما عند العلماء كما ذكرنا ، كان من أهم الأمور العناية بشرحهما إذ فيهما أعظم الفوائد ، وأجزل العوائد ، فإن فيهما مواضع كثيرة أنكرها أهل المعرفة ، وفيها كتب معروفة مؤلفة ، فمنها ما ليس عنه جواب سديد ، ومنها ما جوابه . صحيح موجود عتيد ، فيحتاج إلى الوقوف على ذلك من لم تحضره معرفته ، ويفتقر إلى العلم به من لم تحط به خبرته ، وكذلك فيهما من الأحاديث ، واللغات ، وأسماء النقلة ، والرواة ، والاحترازات ، والمسائل والمشكلات ، والأصول المفتقرة إلى فروع ، وتتمات ما لا بد من تحقيقه ، وتبيينه بأوضح العبارات . فأما الوسيط فقد جمعت في شرحه جملا مفرقات ، سأهذبها إن شاء الله تعالى في كتاب مفرد ، واضحات متممات .
وأما المهذب فاستخرت الله الكريم ، الرءوف الرحيم ، في جمع كتاب في شرحه سميته ب ( المجموع ) والله الكريم أسأل أن يجعل نفعي ، وسائر المسلمين به من الدائم غير الممنوع .
[ ص: 17 ] أذكر فيه إن شاء الله تعالى جملا من علومه الزاهرات ، وأبين فيه أنواعا من فنونه المتعددات ، فمنها : تفسير الآيات الكريمات ، والأحاديث النبويات ، والآثار الموقوفات ، والفتاوى المقطوعات ، والأشعار الاستشهاديات ، والأحكام الاعتقاديات والفروعيات ، والأسماء ، واللغات ، والقيود ، والاحترازات ، وغير ذلك من فنونه المعروفات .
وأبين من الأحاديث : صحيحها ، وحسنها ، وضعيفها ، مرفوعها ، وموقوفها ، متصلها ، ومرسلها ، ومنقطعها ، ، ومعضلها ، وموضوعها . مشهورها ، وغريبها ، وشاذها ، ومنكرها ، ومقلوبها ، ومعللها ، ومدرجها ، وغير ذلك من أقسامها مما ستراها إن شاء الله تعالى في مواطنها ، وهذه الأقسام التي ذكرتها كلها موجودة في المهذب ، وسنوضحها إن شاء الله تعالى ، وأبين منها أيضا : لغاتها ، وضبط نقلتها ، ورواتها ، وإذا كان الحديث في صحيحي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080، ومسلم رضي الله عنهما ، أو في أحدهما اقتصرت على إضافته إليهما ، ولا أضيفه معهما إلى غيرهما إلا نادرا ، لغرض في بعض المواطن ; لأن ما كان فيهما أو في أحدهما غني عن التقوية بالإضافة إلى ما سواهما ، وأما ما ليس في واحد منهما فأضيفه إلى ما تيسر من كتب السنن ، وغيرها أو إلى بعضها . فإذا كان في سنن
أبي داود ، والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395، والنسائي التي هي تمام أصول الإسلام الخمسة أو في بعضها اقتصرت أيضا على إضافته إليها ، وما خرج عنها أضيفه إلى ما تيسر إن شاء الله تعالى مبينا صحته أو ضعفه ، ومتى كان الحديث ضعيفا بينت ضعفه ، ونبهت على سبب ضعفه إن لم يطل الكلام بوصفه .
وإذا كان الحديث الضعيف هو الذي احتج به المصنف أو هو الذي اعتمده أصحابنا صرحت بضعفه ، ثم أذكر دليلا للمذهب من الحديث [ الصحيح ] إن وجدته ، وإلا فمن القياس وغيره .
وأبين فيه ما وقع في الكتاب من ألفاظ اللغات ، وأسماء الأصحاب ، وغيرهم من العلماء ، والنقلة ، والرواة مبسوطا في وقت ، ومختصرا في وقت بحسب المواطن ، والحاجة ، وقد جمعت في هذا النوع كتابا سميته ب ( تهذيب الأسماء واللغات ) جمعت فيه ما يتعلق بمختصر المزني والمهذب ، والوسيط ، والتنبيه ، والوجيز ، والروضة الذي اختصرته من شرح الوجيز للإمام
أبي القاسم الرافعي رحمه الله من الألفاظ العربية ، والعجمية ، والأسماء ، والحدود ، والقيود ، والقواعد ، والضوابط ، وغير ذلك مما له ذكر في شيء من هذه الكتب الستة .
ولا يستغني طالب علم عن مثله ، فما وقع هنا مختصرا لضرورة أحلته على ذلك ، وأبين فيه الاحترازات ، والضوابط الكليات .
[ ص: 18 ] وأما الأحكام ) فهو مقصود الكتاب ، فأبالغ في إيضاحها بأسهل العبارات ، وأضم إلى ما في الأصل من الفروع ، والتتمات ، والزوائد المستجادات ، والقواعد المحررات ، والضوابط الممهدات ، ما تقر به إن شاء الله تعالى أعين أولي البصائر والعنايات ، والمبرئين من أدناس الزيغ ، والجهالات .
ثم من هذه الزيادات ما أذكره في أثناء كلام صاحب الكتاب ، ومنها ما أذكره في آخر الفصول ، والأبواب ، وأبين ما ذكره المصنف ، وقد اتفق الأصحاب عليه ، وما وافقه عليه الجمهور ، وما انفرد به أو خالفه فيه المعظم ، وهذا النوع قليل جدا ، وأبين فيه ما أنكر على المصنف من الأحاديث ، والأسماء ، واللغات ، والمسائل المشكلات ، مع جوابه إن كان من المرضيات ، وكذلك أبين فيه جملا مما أنكر على الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=15215أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني في مختصره ، وعلى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبي حامد الغزالي في الوسيط ، ، وعلى المصنف في التنبيه ، مع الجواب عنه إن أمكن . فإن الحاجة إليها كالحاجة إلى المهذب ، .
وألتزم فيه بيان الراجح من القولين ، والوجهين ، والطريقين ، والأقوال ، والأوجه ، والطرق ، مما لم يذكره المصنف أو ذكره ووافقوه عليه أو خالفوه ، واعلم أن كتب المذهب فيها اختلاف شديد بين الأصحاب ، بحيث لا يحصل للمطالع وثوق يكون ما قاله مصنف منهم هو المذهب حتى يطالع معظم كتب المذهب المشهورة ، فلهذا لا أترك قولا ، ولا ، وجها ، ولا نقلا ، ولو كان ضعيفا أو واهيا إلا ذكرته إذا ، وجدته إن شاء الله تعالى ، مع بيان رجحان ما كان راجحا ، وتضعيف ما كان ضعيفا ، وتزييف ما كان زائفا ، والمبالغة في تغليط قائله ، ولو كان من الأكابر .
وإنما أقصد بذلك التحذير من الاغترار به ، وأحرص على تتبع كتب الأصحاب من المتقدمين ، والمتأخرين إلى زماني من المبسوطات ، والمختصرات ، وكذلك نصوص الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي صاحب المذهب رضي الله عنه فأنقلها من نفس كتبه المتيسرة عندي كالأم والمختصر
nindex.php?page=showalam&ids=13920والبويطي ، وما نقله المفتون المعتمدون من الأصحاب ، وكذلك أتتبع فتاوى الأصحاب ، ومتفرقات كلامهم في الأصول ، والطبقات ، وشروحهم للحديث ، وغيرها ، وحيث أنقل حكما أو قولا ، أو وجها أو طريقا أو لفظة لغة ، أو اسم رجل أو حالة ، أو ضبط لفظة أو غير ذلك ، وهو من المشهور ، أقتصر على ذكره من غير تعيين قائليه لكثرتهم . إلا أن أضطر إلى بيان قائليه لغرض مهم ، فأذكر جماعة منهم ثم أقول : وغيرهم ، وحيث كان ما أنقله غريبا أضيفه إلى قائله في الغالب ، وقد أذهل عنه في بعض المواطن .
وحيث أقول : ( الذي عليه الجمهور كذا أو الذي عليه المعظم ، أو قال
[ ص: 19 ] الجمهور ، أو المعظم ، أو الأكثرون . كذا ) ثم أنقل عن جماعة خلاف ذلك فهو كما أذكره إن شاء الله تعالى .
ولا يهولنك كثرة من أذكره في بعض المواضع على خلاف الجمهور أو خلاف المشهور أو الأكثرين ، ونحو ذلك ، فإني إنما أترك تسمية الأكثرين لعظم كثرتهم كراهة لزيادة التطويل .
وقد أكثر الله - سبحانه وتعالى وله الحمد والنعمة - كتب الأصحاب ، وغيرهم من العلماء من مبسوط ، ومختصر ، وغريب ، ومشهور ، وسترى من ذلك إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب ما تقر به عينك ، ويزيد رغبتك في الاشتغال ، والمطالعة ، وترى كتبا ، وأئمة قلما طرقوا سمعك ، وقد أذكر الجمهور بأسمائهم في نادر من المواضع لضرورة تدعو إليهم ، وقد أنبه على تلك الضرورة ، وأذكر في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى : مذاهب السلف من الصحابة ، والتابعين ، فمن بعدهم من فقهاء الأمصار رضي الله عنهم أجمعين ، بأدلتها من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس ، وأجيب عنها مع الإنصاف إن شاء الله تعالى ، وأبسط الكلام في الأدلة في بعضها ، وأختصره في بعضها بحسب كثرة الحاجة إلى تلك المسألة ، وقلتها ، وأعرض في جميع ذلك عن الأدلة الواهية ، وإن كانت مشهورة ، فإن الوقت يضيق عن المهمات ، فكيف يضيع في المنكرات ، والواهيات . ؟
وإن ذكرت شيئا من ذلك على ندور نبهت على ضعفه ، واعلم أن معرفة مذاهب السلف بأدلتها من أهم ما يحتاج إليه ; لأن اختلافهم في الفروع رحمة ، وبذكر مذاهبهم بأدلتها يعرف المتمكن المذاهب على وجهها ، والراجح من المرجوح ، ويتضح له ، ولغيره المشكلات ، وتظهر الفوائد النفيسات ، ويتدرب الناظر فيها بالسؤال ، والجواب ، ويتفتح ذهنه ، ويتميز عند ذوي البصائر ، والألباب ، ويعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ، والدلائل الراجحة من المرجوحة ، ويقوم بالجمع بين الأحاديث المتعارضات ، والمعمول بظاهرها من المؤولات ، ولا يشكل عليه إلا أفراد من النادر .
وأكثر ما أنقله من مذاهب العلماء من ( كتاب الإشراف ، والإجماع )
nindex.php?page=showalam&ids=12918لابن المنذر ، وهو الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12918أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الشافعي ، القدوة في هذا الفن ، ومن كتب أصحاب أئمة المذاهب ، ولا أنقل من كتب أصحابنا من ذلك إلا القليل ; لأنه وقع في كثير من ذلك ما ينكرونه .
وإذا مررت باسم أحد من أصحابنا أصحاب الوجوه أو غيرهم أشرت إلى بيان اسمه ، وكنيته ، ونسبه ، وربما ذكرت مولده ، ووفاته ، وربما ذكرت
[ ص: 20 ] طرفا من مناقبه ، والمقصود بذلك : التنبيه على جلالته ، وإذا كانت المسألة أو الحديث أو الاسم أو اللفظة أو نحو ذلك له موضعان يليق ذكره فيهما ذكرته في أولهما ، فإن ، وصلت إلى الثاني نبهت على أنه تقدم في الموضع الفلاني ، وأقدم في أول الكتاب أبوابا ، وفصولا تكون لصاحبه قواعد ، وأصولا ، أذكر فيها إن شاء الله نسب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وأطرافا من أحواله ، وأحوال المصنف الشيخ
أبي إسحاق رحمه الله وفضل العلم ، وبيان أقسامه ، ومستحقي فضله ، وآداب العالم ، والمعلم ، والمتعلم ، وأحكام المفتي ، والمستفتي ، وصفة الفتوى ، وآدابها ، وبيان القولين ، والوجهين ، والطريقين ، وماذا يعمل المفتي المقلد فيها ، وبيان صحيح الحديث ، وحسنه ، وضعيفه ، وغير ذلك مما يتعلق به كاختصار الحديث ، وزيادة الثقات ، واختلاف الرواة في رفعه ، ووقفه ، ووصله ، وإرساله ، وغير ذلك ، وبيان الإجماع ، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ، وبيان الحديث المرسل ، وتفصيله ، وبيان حكم قول الصحابة : أمرنا بكذا أو نحوه ، وبيان حكم الحديث الذي نجده يخالف نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وبيان جملة من ضبط الأسماء المتكررة أو غيرها
كالربيع المرادي ، والجيزي nindex.php?page=showalam&ids=15022، والقفال ، وغير ذلك ، والله أعلم .
ثم إني أبالغ إن شاء الله تعالى في إيضاح جميع ما أذكره في هذا الكتاب ، وإن أدى إلى التكرار ، ولو كان واضحا مشهورا ، ولا أترك الإيضاح ، وإن أدى إلى التطويل بالتمثيل ، وإنما أقصد بذلك النصيحة ، وتيسير الطريق إلى فهمه ، فهذا هو مقصود المصنف الناصح ، وقد كنت جمعت هذا الشرح مبسوطا جدا بحيث بلغ إلى آخر باب الحيض ثلاث مجلدات ضخمات ، ثم رأيت أن الاستمرار على هذا المنهاج يؤدي إلى سآمة مطالعه ، ويكون سببا لقلة الانتفاع به لكثرته ، والعجز عن تحصيل نسخة منه ، فتركت ذلك المنهاج .
فأسلك الآن طريقة متوسطة إن شاء الله تعالى لا من المطولات ، ولا من المختصرات المخلات ، وأسلك فيه أيضا مقصودا صحيحا ، وهو أن ما كان من الأبواب التي لا يعم الانتفاع بها لا أبسط الكلام فيها لقلة الانتفاع بها ، وذلك ككتاب ( اللعان ) ، وعويص الفرائض ، وشبه ذلك ، لكن لا بد من ذكر مقاصدها .
[ ص: 21 ] واعلم أن هذا الكتاب ، وإن سميته ( شرح المهذب ) فهو شرح للمذهب كله بل لمذاهب العلماء كلهم ، وللحديث ، وجمل من اللغة ، والتاريخ ، والأسماء ، وهو أصل عظيم في : معرفة صحيح الحديث ، وحسنه ، وضعيفه ، وبيان علله ، والجمع بين الأحاديث المتعارضات ، وتأويل الخفيات ، واستنباط المهمات ، واستمدادي في كل ذلك ، وغيره اللطف والمعونة من الله الكريم ، الرءوف ، الرحيم ، وعليه اعتمادي ، وإليه تفويضي ، واستنادي .
أسأله سلوك سبيل الرشاد ، والعصمة من أحوال أهل الزيغ ، والعناد ، والدوام على جميع أنواع الخير في ازدياد ، والتوفيق في الأقوال ، والأفعال للصواب ، والجري على آثار ذوي البصائر ، والألباب ، وأن يفعل ذلك بوالدينا ، ومشايخنا ، وجميع من نحبه ، ويحبنا ، وسائر المسلمين إنه الواسع الوهاب ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ، وإليه متاب . حسبنا الله ، ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .
[ ص: 15 ] مُقَدِّمَةُ الْإِمَامِ
النَّوَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْبَرِّ الْجَوَّادِ ، الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْأَعْدَادِ ، خَالِقِ اللُّطْفِ ، وَالْإِرْشَادِ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ ، الْمُوَفِّقِ بِكَرَمِهِ لِطُرُقِ السَّدَادِ . الْمَانِّ بِالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى مَنْ لَطَفَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ ، الَّذِي كَرَّمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا بِالِاعْتِنَاءِ بِتَدْوِينِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِفْظًا لَهُ عَلَى تَكَرُّرِ الْعُصُورِ ، وَالْآبَادِ ، وَنَصَّبَ كَذَلِكَ جَهَابِذَةً مِنْ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ ، وَجَعَلَهُمْ دَائِبِينَ فِي إيضَاحِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ ، وَالْبِلَادِ بَاذِلِينَ وُسْعَهُمْ مُسْتَفْرِغِينَ جُهْدَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي جَمَاعَاتٍ ، وَآحَادٍ مُسْتَمِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ مُتَابِعِينَ فِي الْجُهْدِ ، وَالِاجْتِهَادِ .
أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ الْحَمْدِ ، وَأَكْمَلَهُ ، وَأَزْكَاهُ ، وَأَشْمَلَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْكَرِيمُ الْغَفَّارُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ، وَرَسُولُهُ ، وَحَبِيبُهُ ، وَخَلِيلُهُ ، الْمُصْطَفَى بِتَعْمِيمِ دَعَوْتِهِ ، وَرِسَالَتِهِ ، الْمُفَضَّلُ عَلَى الْأَوَّلِينَ ، وَالْآخِرِينَ مِنْ بَرِيَّتِهِ ، الْمُشَرَّفُ عَلَى الْعَالَمِينَ قَاطِبَةً بِشُمُولِ شَفَاعَتِهِ ، الْمَخْصُوصُ بِتَأْيِيدِ مِلَّتِهِ ، وَسَمَاحَةِ شَرِيعَتِهِ ، الْمُكَرَّمُ بِتَوْفِيقِ أُمَّتِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي إيضَاحِ مِنْهَاجِهِ ، وَطَرِيقَتِهِ ، وَالْقِيَامِ بِتَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ إلَى أُمَّتِهِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ ، وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ ، وَآلِ كُلٍّ ، وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ ، وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ .
( أَمَّا بَعْدُ ) فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَظِيمُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } ، وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29429_29428الْعِبَادَ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ ، وَلِعَمَلِ الْآخِرَةِ ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا بِالزَّهَادَةِ ، فَكَانَ أَوْلَى مَا اشْتَغَلَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ ، وَاسْتَغْرَقَ الْأَوْقَاتِ فِي تَحْصِيلِهِ الْعَارِفُونَ ، وَبَذَلَ الْوُسْعَ فِي إدْرَاكِهِ الْمَشْهُورُونَ ، وَهَجَرَ مَا سِوَاهُ لِنَيْلِهِ الْمُتَيَقِّظُونَ ، بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ ، وَعَمَلِ الْوَاجِبَاتِ ، التَّشْمِيرُ فِي تَبْيِينِ مَا كَانَ مُصَحِّحًا لِلْعِبَادَاتِ ، الَّتِي هِيَ دَأَبُ أَرْبَابِ الْعُقُولِ ، وَأَصْحَابِ الْأَنْفُسِ الزَّكِيَّاتِ ، إذْ لَيْسَ يَكْفِي فِي الْعِبَادَاتِ صُوَرُ الطَّاعَاتِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّاتِ ، وَهَذَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ ، وَقَبْلِهَا بِأَعْصَارٍ خَالِيَاتٍ ، قَدْ انْحَصَرَتْ . مَعْرِفَتُهُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّاتِ ، الْمُصَنَّفَةِ فِي أَحْكَامِ الدِّيَانَاتِ ، فَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِبَيَانِ ذَلِكَ ، وَإِيضَاحِ الْخَفِيَّاتِ مِنْهَا ، وَالْجَلِيَّاتِ ، وَهِيَ الَّتِي أُوضِحَ فِيهَا جَمِيعُ أَحْكَامِ الدِّينِ ، وَالْوَقَائِعُ الْغَالِبَاتُ ، وَالنَّادِرَاتُ ، وَحُرِّرَ فِيهَا الْوَاضِحَاتُ ، وَالْمُشْكِلَاتُ ،
[ ص: 16 ] وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ التَّصْنِيفَ فِيهَا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ ، وَالْمَبْسُوطَاتِ ، وَأَوْدَعُوا فِيهَا مِنْ الْمَبَاحِثِ ، وَالتَّحْقِيقَاتِ ، وَالنَّفَائِسِ الْجَلِيلَاتِ ، وَجَمْعِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَمَا يُتَوَقَّعُ وُقُوعُهُ ، وَلَوْ عَلَى أَنْدَرِ الِاحْتِمَالَاتِ ، الْبَدَائِعَ وَغَايَاتِ النِّهَايَاتِ ، حَتَّى لَقَدْ تَرَكُونَا مِنْهَا عَلَى الْجَلِيَّاتِ الْوَاضِحَاتِ ، فَشَكَرَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُمْ سَعْيَهُمْ ، وَأَجْزَلَ لَهُمْ الْمَثُوبَاتِ ، وَأَحَلَّهُمْ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ ، وَجَعَلَ لَنَا نَصِيبًا مِنْ ذَلِكَ ، وَمِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرَاتِ ، وَأَدَامَنَا عَلَى ذَلِكَ فِي ازْدِيَادٍ حَتَّى الْمَمَاتِ ، وَغَفَرَ لَنَا مَا جَرَى ، وَمَا يَجْرِي مِنَّا مِنْ الزَّلَّاتِ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدَيْنَا ، وَمَشَايِخِنَا ، وَسَائِرِ مَنْ نُحِبُّهُ ، وَيُحِبُّنَا ، وَمَنْ أَحْسَنَ إلَيْنَا ، وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُسْلِمَاتِ ، إنَّهُ سَمِيعُ الدَّعَوَاتِ جَزِيلُ الْعَطِيَّاتِ .
ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا الْمُصَنِّفِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَعَنْ سَائِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، أَكْثَرُوا التَّصَانِيفَ كَمَا قَدَّمْنَا ، وَتَنَوَّعُوا فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا ، وَاشْتَهَرَ مِنْهَا لِتَدْرِيسِ الْمُدَرِّسِينَ ، وَبَحْثِ الْمُشْتَغِلِينَ ( الْمُهَذَّبُ ، وَالْوَسِيطُ ) ، وَهُمَا كِتَابَانِ عَظِيمَانِ صَنَّفَهُمَا إمَامَانِ جَلِيلَانِ :
nindex.php?page=showalam&ids=11815أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الشِّيرَازِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847وَأَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَتَقَبَّلَ ذَلِكَ ، وَسَائِرَ أَعْمَالِهِمَا مِنْهُمَا .
وَقَدْ وَفَرَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ دَوَاعِيَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الِاشْتِغَالِ بِهَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِجَلَالَتِهِمَا ، وَعِظَمِ فَائِدَتِهِمَا ، وَحُسْنِ نِيَّةِ ذَيْنِكَ الْإِمَامَيْنِ ، وَفِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ دُرُوسُ الْمُدَرِّسِينَ ، وَبَحْثُ الْمُحَصِّلِينَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَحِفْظُ الطُّلَّابِ الْمُعْتَنِينَ فِيمَا مَضَى ، وَفِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ ، فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي ، وَالْأَمْصَارِ .
فَإِذَا كَانَا كَمَا وَصَفْنَا ، وَجَلَالَتُهُمَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا ، كَانَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الْعِنَايَةُ بِشَرْحِهِمَا إذْ فِيهِمَا أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ ، وَأَجْزَلُ الْعَوَائِدِ ، فَإِنَّ فِيهِمَا مَوَاضِعَ كَثِيرَةً أَنْكَرَهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ ، وَفِيهَا كُتُبٌ مَعْرُوفَةٌ مُؤَلَّفَةٌ ، فَمِنْهَا مَا لَيْسَ عَنْهُ جَوَابٌ سَدِيدٌ ، وَمِنْهَا مَا جَوَابُهُ . صَحِيحٌ مَوْجُودٌ عَتِيدٌ ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَمْ تَحْضُرْهُ مَعْرِفَتُهُ ، وَيَفْتَقِرُ إلَى الْعِلْمِ بِهِ مَنْ لَمْ تُحِطْ بِهِ خِبْرَتُهُ ، وَكَذَلِكَ فِيهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ ، وَاللُّغَاتِ ، وَأَسْمَاءِ النَّقَلَةِ ، وَالرُّوَاةِ ، وَالِاحْتِرَازَاتِ ، وَالْمَسَائِلِ وَالْمُشْكِلَاتِ ، وَالْأُصُولِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى فُرُوعٍ ، وَتَتِمَّاتٍ مَا لَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ ، وَتَبْيِينِهِ بِأَوْضَحِ الْعِبَارَاتِ . فَأَمَّا الْوَسِيطُ فَقَدْ جَمَعْتُ فِي شَرْحِهِ جُمَلًا مُفَرَّقَاتٍ ، سَأُهَذِّبُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ ، وَاضِحَاتٍ مُتَمَّمَاتٍ .
وَأَمَّا الْمُهَذَّبُ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ الْكَرِيمَ ، الرَّءُوفَ الرَّحِيمَ ، فِي جَمْعِ كِتَابٍ فِي شَرْحِهِ سَمَّيْته بِ ( الْمَجْمُوعِ ) وَاَللَّهَ الْكَرِيمَ أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْعِي ، وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ مِنْ الدَّائِمِ غَيْرِ الْمَمْنُوعِ .
[ ص: 17 ] أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمَلًا مِنْ عُلُومِهِ الزَّاهِرَاتِ ، وَأُبَيِّنُ فِيهِ أَنْوَاعًا مِنْ فُنُونِهِ الْمُتَعَدِّدَاتِ ، فَمِنْهَا : تَفْسِيرُ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ ، وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّاتِ ، وَالْآثَارُ الْمَوْقُوفَاتُ ، وَالْفَتَاوَى الْمَقْطُوعَاتُ ، وَالْأَشْعَارُ الاسْتِشْهاديَّات ، وَالْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّاتُ والفُروعِيَّات ، وَالْأَسْمَاءُ ، وَاللُّغَاتُ ، وَالْقُيُودُ ، وَالِاحْتِرَازَاتُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِهِ الْمَعْرُوفَاتِ .
وَأُبَيِّنُ مِنْ الْأَحَادِيثِ : صَحِيحَهَا ، وَحَسَنَهَا ، وَضَعِيفَهَا ، مَرْفُوعَهَا ، وَمَوْقُوفَهَا ، مُتَّصِلَهَا ، وَمُرْسَلَهَا ، وَمُنْقَطِعَهَا ، ، وَمُعْضِلَهَا ، وَمَوْضُوعَهَا . مَشْهُورَهَا ، وَغَرِيبَهَا ، وَشَاذَّهَا ، وَمُنْكَرَهَا ، وَمَقْلُوبَهَا ، وَمُعَلَّلَهَا ، وَمَدْرَجَهَا ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِهَا مِمَّا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهَا ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْمُهَذَّبِ ، وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأُبَيِّنُ مِنْهَا أَيْضًا : لُغَاتِهَا ، وَضَبْطَ نَقَلَتِهَا ، وَرُوَاتَهَا ، وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=17080، وَمُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا اقْتَصَرْتُ عَلَى إضَافَتِهِ إلَيْهِمَا ، وَلَا أُضِيفُهُ مَعَهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا إلَّا نَادِرًا ، لِغَرَضٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ ; لِأَنَّ مَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا غَنِيٌّ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا سِوَاهُمَا ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأُضِيفُهُ إلَى مَا تَيَسَّرَ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ ، وَغَيْرِهَا أَوْ إلَى بَعْضِهَا . فَإِذَا كَانَ فِي سُنَنِ
أَبِي دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15395، وَالنَّسَائِيَّ الَّتِي هِيَ تَمَامُ أُصُولِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا اقْتَصَرْتُ أَيْضًا عَلَى إضَافَتِهِ إلَيْهَا ، وَمَا خَرَجَ عَنْهَا أُضِيفُهُ إلَى مَا تَيَسَّرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا صِحَّتَهُ أَوْ ضَعْفَهُ ، وَمَتَى كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا بَيَّنْتُ ضَعْفَهُ ، وَنَبَّهْتُ عَلَى سَبَبِ ضَعْفِهِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْكَلَامُ بِوَصْفِهِ .
وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ هُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوْ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُنَا صَرَّحْتُ بِضَعْفِهِ ، ثُمَّ أَذْكُرُ دَلِيلًا لِلْمَذْهَبِ مِنْ الْحَدِيثِ [ الصَّحِيحِ ] إنْ وَجَدْتُهُ ، وَإِلَّا فَمِنْ الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ .
وَأُبَيِّنُ فِيهِ مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَلْفَاظِ اللُّغَاتِ ، وَأَسْمَاءِ الْأَصْحَابِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَالنَّقَلَةِ ، وَالرُّوَاةِ مَبْسُوطًا فِي وَقْتٍ ، وَمُخْتَصَرًا فِي وَقْتٍ بِحَسْبِ الْمَوَاطِنِ ، وَالْحَاجَةِ ، وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ ب ( تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ ) جَمَعْتُ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْمُهَذَّبِ ، وَالْوَسِيطِ ، وَالتَّنْبِيهِ ، وَالْوَجِيزِ ، وَالرَّوْضَةِ الَّذِي اخْتَصَرْتُهُ مِنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ
أَبِي الْقَاسِمِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَالْعَجَمِيَّةِ ، وَالْأَسْمَاءِ ، وَالْحُدُودِ ، وَالْقُيُودِ ، وَالْقَوَاعِدِ ، وَالضَّوَابِطِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ .
وَلَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ عِلْمٍ عَنْ مِثْلِهِ ، فَمَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا لِضَرُورَةٍ أَحَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَأُبَيِّنُ فِيهِ الِاحْتِرَازَاتِ ، وَالضَّوَابِطَ الْكُلِّيَّاتِ .
[ ص: 18 ] وَأَمَّا الْأَحْكَامُ ) فَهُوَ مَقْصُودُ الْكِتَابِ ، فَأُبَالِغُ فِي إيضَاحِهَا بِأَسْهَلِ الْعِبَارَاتِ ، وَأَضُمُّ إلَى مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْفُرُوعِ ، وَالتَّتِمَّاتِ ، وَالزَّوَائِدِ الْمُسْتَجَادَاتِ ، وَالْقَوَاعِدِ الْمُحَرَّرَاتِ ، وَالضَّوَابِطِ الْمُمَهِّدَاتِ ، مَا تَقَرُّ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْيُنَ أُولِي الْبَصَائِرِ وَالْعِنَايَاتِ ، وَالْمُبَرَّئِينَ مِنْ أَدْنَاسِ الزَّيْغِ ، وَالْجَهَالَاتِ .
ثُمَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ مَا أَذْكُرُهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ صَاحِبِ الْكِتَابِ ، وَمِنْهَا مَا أَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْفُصُولِ ، وَالْأَبْوَابِ ، وَأُبَيِّنُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ ، وَمَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَوْ خَالَفَهُ فِيهِ الْمُعْظَمُ ، وَهَذَا النَّوْعُ قَلِيلٌ جِدًّا ، وَأُبَيِّنُ فِيهِ مَا أُنْكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَحَادِيثِ ، وَالْأَسْمَاءِ ، وَاللُّغَاتِ ، وَالْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَاتِ ، مَعَ جَوَابِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُرْضِيَاتِ ، وَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ فِيهِ جُمَلًا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=15215أَبِي إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَعَلَى الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ ، ، وَعَلَى الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ ، مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ . فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا كَالْحَاجَةِ إلَى الْمُهَذَّبِ ، .
وَأَلْتَزِمُ فِيهِ بَيَانَ الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ، وَالْوَجْهَيْنِ ، وَالطَّرِيقَيْنِ ، وَالْأَقْوَالِ ، وَالْأَوْجُهِ ، وَالطُّرُقِ ، مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ ذَكَرَهُ وَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ أَوْ خَالَفُوهُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ فِيهَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ ، بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ لِلْمُطَالِعِ وُثُوقٌ يَكُونُ مَا قَالَهُ مُصَنِّفٌ مِنْهُمْ هُوَ الْمَذْهَبُ حَتَّى يُطَالِعَ مُعْظَمَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ ، فَلِهَذَا لَا أَتْرُكُ قَوْلًا ، وَلَا ، وَجْهًا ، وَلَا نَقْلًا ، وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ وَاهِيًا إلَّا ذَكَرْتُهُ إذَا ، وَجَدْتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، مَعَ بَيَانِ رُجْحَانِ مَا كَانَ رَاجِحًا ، وَتَضْعِيفِ مَا كَانَ ضَعِيفًا ، وَتَزْيِيفِ مَا كَانَ زَائِفًا ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَغْلِيطِ قَائِلِهِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَكَابِرِ .
وَإِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّحْذِيرَ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ ، وَأَحْرِصُ عَلَى تَتَبُّعِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ إلَى زَمَانِي مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ ، وَالْمُخْتَصَرَاتِ ، وَكَذَلِكَ نُصُوصُ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَنْقُلُهَا مِنْ نَفْسِ كُتُبِهِ الْمُتَيَسِّرَةِ عِنْدِي كَالْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=13920وَالْبُوَيْطِيِّ ، وَمَا نَقَلَهُ الْمُفْتُونَ الْمُعْتَمَدُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَكَذَلِكَ أَتَتَبَّعُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ ، وَمُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ ، وَالطَّبَقَاتِ ، وَشُرُوحِهِمْ لِلْحَدِيثِ ، وَغَيْرِهَا ، وَحَيْثُ أَنْقُلُ حُكْمًا أَوْ قَوْلًا ، أَوْ وَجْهًا أَوْ طَرِيقًا أَوْ لَفْظَةَ لُغَةٍ ، أَوْ اسْمَ رَجُلٍ أَوْ حَالَةً ، أَوْ ضَبْطَ لَفْظَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَهُوَ مِنْ الْمَشْهُورِ ، أَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَائِلِيهِ لِكَثْرَتِهِمْ . إلَّا أَنْ أُضْطَرَّ إلَى بَيَانِ قَائِلِيهِ لِغَرَضٍ مُهِمٍّ ، فَأَذْكُرُ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ثُمَّ أَقُولُ : وَغَيْرُهُمْ ، وَحَيْثُ كَانَ مَا أَنْقُلُهُ غَرِيبًا أُضِيفُهُ إلَى قَائِلِهِ فِي الْغَالِبِ ، وَقَدْ أُذْهَلُ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ .
وَحَيْثُ أَقُولُ : ( الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَذَا أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ ، أَوْ قَالَ
[ ص: 19 ] الْجُمْهُورُ ، أَوْ الْمُعْظَمُ ، أَوْ الْأَكْثَرُونَ . كَذَا ) ثُمَّ أَنْقُلُ عَنْ جَمَاعَةٍ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَا يَهُولَنَّك كَثْرَةُ مَنْ أَذْكُرُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى خِلَافِ الْجُمْهُورِ أَوْ خِلَافِ الْمَشْهُورِ أَوْ الْأَكْثَرِينَ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنِّي إنَّمَا أَتْرُكُ تَسْمِيَةَ الْأَكْثَرِينَ لِعِظَمِ كَثْرَتِهِمْ كَرَاهَةً لِزِيَادَةِ التَّطْوِيلِ .
وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ - كُتُبَ الْأَصْحَابِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ مَبْسُوطٍ ، وَمُخْتَصَرٍ ، وَغَرِيبٍ ، وَمَشْهُورٍ ، وَسَتَرَى مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ ، وَيَزِيدُ رَغْبَتَك فِي الِاشْتِغَالِ ، وَالْمُطَالَعَةِ ، وَتَرَى كُتُبًا ، وَأَئِمَّةً قَلَّمَا طَرَقُوا سَمْعَكَ ، وَقَدْ أَذْكُرُ الْجُمْهُورَ بِأَسْمَائِهِمْ فِي نَادِرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِمْ ، وَقَدْ أُنَبِّهُ عَلَى تِلْكَ الضَّرُورَةِ ، وَأَذْكُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى : مَذَاهِبَ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعِينَ ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَالْإِجْمَاعِ ، وَالْقِيَاسِ ، وَأُجِيبُ عَنْهَا مَعَ الْإِنْصَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْأَدِلَّةِ فِي بَعْضِهَا ، وَأَخْتَصِرُهُ فِي بَعْضِهَا بِحَسْبِ كَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ، وَقِلَّتِهَا ، وَأَعْرِضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْوَاهِيَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً ، فَإِنَّ الْوَقْتَ يَضِيقُ عَنْ الْمُهِمَّاتِ ، فَكَيْفَ يَضِيعُ فِي الْمُنْكَرَاتِ ، وَالْوَاهِيَاتِ . ؟
وَإِنْ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى نُدُورٍ نَبَّهْتُ عَلَى ضَعْفِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَذَاهِبِ السَّلَفِ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفُرُوعِ رَحْمَةٌ ، وَبِذِكْرِ مَذَاهِبِهِمْ بِأَدِلَّتِهَا يَعْرِفُ الْمُتَمَكِّنُ الْمَذَاهِبَ عَلَى وَجْهِهَا ، وَالرَّاجِحَ مِنْ الْمَرْجُوحِ ، وَيَتَّضِحُ لَهُ ، وَلِغَيْرِهِ الْمُشْكِلَاتُ ، وَتَظْهَرُ الْفَوَائِدُ النَّفِيسَاتُ ، وَيَتَدَرَّبُ النَّاظِرُ فِيهَا بِالسُّؤَالِ ، وَالْجَوَابِ ، وَيَتَفَتَّحُ ذِهْنُهُ ، وَيَتَمَيَّزُ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَائِرِ ، وَالْأَلْبَابِ ، وَيَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ مِنْ الضَّعِيفَةِ ، وَالدَّلَائِلَ الرَّاجِحَةَ مِنْ الْمَرْجُوحَةِ ، وَيَقُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَاتِ ، وَالْمَعْمُولِ بِظَاهِرِهَا مِنْ الْمُؤَوَّلَاتِ ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ النَّادِرِ .
وَأَكْثَرُ مَا أَنْقُلُهُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مِنْ ( كِتَابِ الْإِشْرَافِ ، وَالْإِجْمَاعِ )
nindex.php?page=showalam&ids=12918لِابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَهُوَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12918أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ الشَّافِعِيُّ ، الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْفَنِّ ، وَمِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ ، وَلَا أَنْقُلُ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقَلِيلَ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يُنْكِرُونَهُ .
وَإِذَا مَرَرْتُ بِاسْمِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَشَرْتُ إلَى بَيَانِ اسْمِهِ ، وَكُنْيَتِهِ ، وَنَسَبِهِ ، وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ مَوْلِدَهُ ، وَوَفَاتَهُ ، وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ
[ ص: 20 ] طَرَفًا مِنْ مَنَاقِبِهِ ، وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ : التَّنْبِيهُ عَلَى جَلَالَتِهِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَوْ الْحَدِيثُ أَوْ الِاسْمُ أَوْ اللَّفْظَةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَهُ مَوْضِعَانِ يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِيهِمَا ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِهِمَا ، فَإِنْ ، وَصَلْتُ إلَى الثَّانِي نَبَّهْتُ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ ، وَأُقَدِّمُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْوَابًا ، وَفُصُولًا تَكُونُ لِصَاحِبِهِ قَوَاعِدَ ، وَأُصُولًا ، أَذْكُرُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ نَسَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَطْرَافًا مِنْ أَحْوَالِهِ ، وَأَحْوَالِ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخِ
أَبِي إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفَضْلَ الْعِلْمِ ، وَبَيَانَ أَقْسَامِهِ ، وَمُسْتَحِقِّي فَضْلِهِ ، وَآدَابَ الْعَالِمِ ، وَالْمُعَلِّمِ ، وَالْمُتَعَلِّمِ ، وَأَحْكَامَ الْمُفْتِي ، وَالْمُسْتَفْتِي ، وَصِفَةَ الْفَتْوَى ، وَآدَابَهَا ، وَبَيَانَ الْقَوْلَيْنِ ، وَالْوَجْهَيْنِ ، وَالطَّرِيقَيْنِ ، وَمَاذَا يَعْمَلُ الْمُفْتِي الْمُقَلِّدُ فِيهَا ، وَبَيَانَ صَحِيحِ الْحَدِيثِ ، وَحَسَنِهِ ، وَضَعِيفِهِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَاخْتِصَارِ الْحَدِيثِ ، وَزِيَادَةِ الثِّقَاتِ ، وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي رَفْعِهِ ، وَوَقْفِهِ ، وَوَصْلِهِ ، وَإِرْسَالِهِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَبَيَانَ الْإِجْمَاعِ ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبَيَانَ الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ ، وَتَفْصِيلِهِ ، وَبَيَانَ حُكْمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ : أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نَحْوِهِ ، وَبَيَانَ حُكْمِ الْحَدِيثِ الَّذِي نَجِدُهُ يُخَالِفُ نَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَيَانَ جُمْلَةٍ مِنْ ضَبْطِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَكَرِّرَةِ أَوْ غَيْرِهَا
كَالرَّبِيعِ الْمُرَادِيِّ ، وَالْجِيزِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15022، وَالْقَفَّالِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ إنِّي أُبَالِغُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إيضَاحِ جَمِيعِ مَا أَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّكْرَارِ ، وَلَوْ كَانَ وَاضِحًا مَشْهُورًا ، وَلَا أَتْرُكُ الْإِيضَاحَ ، وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّطْوِيلِ بِالتَّمْثِيلِ ، وَإِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ النَّصِيحَةَ ، وَتَيْسِيرَ الطَّرِيقِ إلَى فَهْمِهِ ، فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ النَّاصِحِ ، وَقَدْ كُنْتُ جَمَعْتُ هَذَا الشَّرْحَ مَبْسُوطًا جِدًّا بِحَيْثُ بَلَغَ إلَى آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ ثَلَاثَ مُجَلَّدَاتٍ ضَخْمَاتٍ ، ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ يُؤَدِّي إلَى سَآمَةِ مُطَالِعِهِ ، وَيَكُونُ سَبَبًا لِقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَثْرَتِهِ ، وَالْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ نُسْخَةٍ مِنْهُ ، فَتَرَكْتُ ذَلِكَ الْمِنْهَاجَ .
فَأَسْلُكُ الْآنَ طَرِيقَةً مُتَوَسِّطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ ، وَلَا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ الْمُخِلَّاتِ ، وَأَسْلُكُ فِيهِ أَيْضًا مَقْصُودًا صَحِيحًا ، وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَبْوَابِ الَّتِي لَا يَعُمُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا لَا أَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهَا لِقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَذَلِكَ كَكِتَابِ ( اللِّعَانِ ) ، وَعَوِيصِ الْفَرَائِضِ ، وَشَبَهِ ذَلِكَ ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَقَاصِدِهَا .
[ ص: 21 ] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ ، وَإِنْ سَمَّيْتُهُ ( شَرْحَ الْمُهَذَّبِ ) فَهُوَ شَرْحٌ لِلْمَذْهَبِ كُلِّهِ بَلْ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ ، وَلِلْحَدِيثِ ، وَجُمَلٍ مِنْ اللُّغَةِ ، وَالتَّارِيخِ ، وَالْأَسْمَاءِ ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي : مَعْرِفَةِ صَحِيحِ الْحَدِيثِ ، وَحَسَنِهِ ، وَضَعِيفِهِ ، وَبَيَانِ عِلَلِهِ ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَاتِ ، وَتَأْوِيلِ الْخَفِيَّاتِ ، وَاسْتِنْبَاطِ الْمُهِمَّاتِ ، وَاسْتِمْدَادِي فِي كُلِّ ذَلِكَ ، وَغَيْرِهِ اللُّطْفَ وَالْمَعُونَةَ مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ ، الرَّءُوفِ ، الرَّحِيمِ ، وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي ، وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي ، وَاسْتِنَادِي .
أَسْأَلُهُ سُلُوكَ سَبِيلِ الرَّشَادِ ، وَالْعِصْمَةَ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الزَّيْغِ ، وَالْعِنَادِ ، وَالدَّوَامَ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ فِي ازْدِيَادٍ ، وَالتَّوْفِيقَ فِي الْأَقْوَالِ ، وَالْأَفْعَالِ لِلصَّوَابِ ، وَالْجَرْيَ عَلَى آثَارِ ذَوِي الْبَصَائِرِ ، وَالْأَلْبَابِ ، وَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدَيْنَا ، وَمَشَايِخِنَا ، وَجَمِيعِ مَنْ نُحِبُّهُ ، وَيُحِبُّنَا ، وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ إنَّهُ الْوَاسِعُ الْوَهَّابُ ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْهِ مَتَابٌ . حَسْبُنَا اللَّهُ ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .