[ ص: 56 ] فصل ومن
nindex.php?page=treesubj&link=18499_27243_18484_18487_26464آدابه في درسه واشتغاله ، فينبغي أن لا يزال مجتهدا في الاشتغال بالعلم قراءة وإقراء ، ومطالعة وتعليقا ، ومباحثة ومذاكرة وتصنيفا ، ولا يستنكف من التعلم ممن هو دونه في سن أو نسب أو شهرة أو دين ، أو في علم آخر ، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده ، وإن كان دونه في جميع هذا ، ولا يستحي من السؤال عما لم يعلم ، فقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وابنه رضي الله عنهما قالا : " من رق وجهه رق علمه " . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر . وفي الصحيح عن
عائشة رضي الله عنها قالت : " نعم النساء نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : " لا يزال الرجل عالما ما تعلم ، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون " وينبغي أن لا يمنعه ارتفاع منصبه وشهرته من استفادة ما لا يعرفه ، فقد كان كثيرون من السلف يستفيدون من تلامذتهم ما ليس عندهم ، وقد ثبت في الصحيح رواية جماعة من الصحابة عن التابعين ، وروى جماعات من التابعين عن تابعي التابعين ، وهذا
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ليس تابعيا ، وروى عنه أكثر من سبعين من التابعين .
وثبت في الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6035أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قرأ { nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا } على nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب رضي الله عنه وقال : أمرني الله أن أقرأ عليك } فاستنبط العلماء من هذا فوائد ، منها : بيان التواضع ، وأن الفاضل لا يمتنع من القراءة على المفضول ، وينبغي أن تكون ملازمة الاشتغال بالعلم هي مطلوبه ورأس ماله فلا يشتغل بغيره ، فإن اضطر إلى غيره في وقت ، فعل ذلك الغير بعد تحصيل وظيفته من العلم . وينبغي أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل له ، فيه يطلع على حقائق العلم ودقائقه ، ويثبت معه ; لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة والتحقيق والمراجعة والاطلاع على مختلف كلام الأئمة ومتفقه وواضحه من مشكله ، وصحيحه من ضعيفه ، وجزله من ركيكه وما لا اعتراض عليه من غيره ، وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد .
وليحذر كل الحذر أن يشرع في تصنيف ما لم يتأهل له ، فإن ذلك
[ ص: 57 ] يضره في دينه وعلمه وعرضه ، وليحذر أيضا من إخراج تصنيفه من يده إلا بعد تهذيبه وترداد نظره فيه وتكريره ، وليحرص على إيضاح العبارة وإيجازها ، فلا يوضح إيضاحا ينتهي إلى الركاكة ، ولا يوجز إيجازا يفضي إلى المحق والاستغلاق ، وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر . والمراد بهذا أن لا يكون هناك مصنف يغني عن مصنفه في جميع أساليبه ، فإن أغنى عنه بعضها فليصنف من جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بها ، مع ضم ما فاته من الأساليب . وليكن تصنيفه فيما يعم الانتفاع به ، ويكثر الاحتياج إليه ، وليعتن بعلم المذهب ، فإنه من أعظم الأنواع نفعا ، وبه يتسلط المتمكن على المعظم من باقي العلوم
[ ص: 56 ] فَصْلٌ وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18499_27243_18484_18487_26464آدَابِهِ فِي دَرْسِهِ وَاشْتِغَالِهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَزَالَ مُجْتَهِدًا فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ قِرَاءَةً وَإِقْرَاءً ، وَمُطَالَعَةً وَتَعْلِيقًا ، وَمُبَاحَثَةً وَمُذَاكَرَةً وَتَصْنِيفًا ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ مِنْ التَّعَلُّمِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي سِنٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ دِينٍ ، أَوْ فِي عِلْمٍ آخَرَ ، بَلْ يَحْرِصُ عَلَى الْفَائِدَةِ مِمَّنْ كَانَتْ عِنْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي جَمِيعِ هَذَا ، وَلَا يَسْتَحِي مِنْ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ ، فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا : " مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ " . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : " نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : " لَا يَزَالُ الرَّجُلُ عَالِمًا مَا تَعَلَّمَ ، فَإِذَا تَرَكَ الْعِلْمَ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَغْنَى وَاكْتَفَى بِمَا عِنْدَهُ فَهُوَ أَجْهَلُ مَا يَكُونُ " وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُ ارْتِفَاعُ مَنْصِبِهِ وَشُهْرَتِهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ مَا لَا يَعْرِفُهُ ، فَقَدْ كَانَ كَثِيرُونَ مِنْ السَّلَفِ يَسْتَفِيدُونَ مِنْ تَلَامِذَتِهِمْ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ التَّابِعِينَ ، وَرَوَى جَمَاعَاتٌ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ ، وَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=16709عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ لَيْسَ تَابِعِيًّا ، وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6035أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَرَأَ { nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ : أَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ } فَاسْتَنْبَطَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا فَوَائِدَ ، مِنْهَا : بَيَانُ التَّوَاضُعِ ، وَأَنَّ الْفَاضِلَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُلَازَمَةُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ هِيَ مَطْلُوبُهُ وَرَأْسُ مَالِهِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى غَيْرِهِ فِي وَقْتٍ ، فَعَلَ ذَلِكَ الْغَيْرَ بَعْدَ تَحْصِيلِ وَظِيفَتِهِ مِنْ الْعِلْمِ . وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِالتَّصْنِيفِ إذَا تَأَهَّلَ لَهُ ، فِيهِ يَطَّلِعُ عَلَى حَقَائِقِ الْعِلْمِ وَدَقَائِقِهِ ، وَيَثْبُتُ مَعَهُ ; لِأَنَّهُ يَضْطَرُّهُ إلَى كَثْرَةِ التَّفْتِيشِ وَالْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مُخْتَلَفِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَّفِقِهِ وَوَاضِحِهِ مِنْ مُشْكِلِهِ ، وَصَحِيحِهِ مِنْ ضَعِيفِهِ ، وَجَزْلِهِ مِنْ رَكِيكِهِ وَمَا لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَبِهِ يَتَّصِفُ الْمُحَقِّقُ بِصِفَةِ الْمُجْتَهِدِ .
وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ أَنْ يَشْرَعَ فِي تَصْنِيفِ مَا لَمْ يَتَأَهَّلْ لَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ
[ ص: 57 ] يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَعِلْمِهِ وَعِرْضِهِ ، وَلْيَحْذَرْ أَيْضًا مِنْ إخْرَاجِ تَصْنِيفِهِ مِنْ يَدِهِ إلَّا بَعْدَ تَهْذِيبِهِ وَتَرْدَادِ نَظَرِهِ فِيهِ وَتَكْرِيرِهِ ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى إيضَاحِ الْعِبَارَةِ وَإِيجَازِهَا ، فَلَا يُوَضِّحُ إيضَاحًا يَنْتَهِي إلَى الرَّكَاكَةِ ، وَلَا يُوجِزُ إيجَازًا يُفْضِي إلَى الْمَحْقِ وَالِاسْتِغْلَاقِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اعْتِنَاؤُهُ مِنْ التَّصْنِيفِ بِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ أَكْثَرَ . وَالْمُرَادُ بِهَذَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُصَنَّفٌ يُغْنِي عَنْ مُصَنَّفِهِ فِي جَمِيعِ أَسَالِيبِهِ ، فَإِنْ أَغْنَى عَنْهُ بَعْضُهَا فَلْيُصَنِّفْ مِنْ جِنْسِهِ مَا يَزِيدُ زِيَادَاتٍ يُحْتَفَلُ بِهَا ، مَعَ ضَمِّ مَا فَاتَهُ مِنْ الْأَسَالِيبِ . وَلْيَكُنْ تَصْنِيفُهُ فِيمَا يَعُمُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ ، وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ ، وَلْيَعْتَنِ بِعِلْمِ الْمَذْهَبِ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَنْوَاعِ نَفْعًا ، وَبِهِ يَتَسَلَّطُ الْمُتَمَكِّنُ عَلَى الْمُعْظَمِ مِنْ بَاقِي الْعُلُومِ