قال المصنف رحمه الله تعالى ( إذا ، ففيه قولان : ( أحدهما ) تفرق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز ، ويصح فيما يجوز ، لأنه ليس إبطاله فيهما لبطلانه في أحدهما بأولى من تصحيحه فيهما لصحته في أحدهما ، فبطل حمل أحدهما على الآخر وبقيا على حكمهما ، فصح فيما يجوز وبطل فيما لا يجوز . جمع في البيع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز بيعه كالحر والعبد وعبده وعبد غيره
( والقول الثاني ) أن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما ، واختلف أصحابنا في علته فمنهم من قال : يبطل لأن العقد جمع حلالا وحراما فغلب التحريم كما لو جمع بين أختين في النكاح أو باع درهما بدرهمين ، ومنهم من قال : يبطل لجهالة الثمن ، وذلك أنه إذا باع حرا وعبدا بألف ، سقط ما يخص الحر من الثمن فيصير العبد مبيعا بما بقي ، وذلك مجهول في حال العقد ، فبطل ، كما لو قال : بعتك هذا العبد بحصته من ألف درهم ( فإن قلنا ) بالتعليل الأول بطل البيع فيما ينقسم الثمن فيه على القيمة ، كالعبدين ، وفيما ينقسم الثمن فيه على الأجزاء كالعبد الواحد ; نصفه له ونصفه لغيره ، أو كرين من طعام أحدهما له والآخر لغيره ، وكذلك لو جمع بين ما يجوز وبين ما لا يجوز في الرهن أو الهبة أو النكاح ، بطل في الجميع ، لأنه جمع بين الحلال والحرام .
( وإن قلنا ) إن العلة جهالة العوض لم يبطل البيع ، فيما ينقسم الثمن فيه على الأجزاء لأن العوض غير مجهول ، ولا يبطل الرهن والهبة لأنه لا عوض فيه ، ولا يبطل النكاح لأن الجهل بالعوض لا يبطله ( فإن قلنا ) : إن العقد يبطل فيهما ، رد المبيع واسترجع الثمن .
( وإن قلنا ) إنه يصح في أحدهما فله الخيار بين فسخ البيع وبين إمضائه ، لأنه يلحقه ضرر بتفريق الصفقة فثبت له الخيار ، فإن اختار الإمساك فبكم [ ص: 470 ] يمسك ؟ فيه قولان ( أحدهما ) يمسك بجميع الثمن ، أو يرد ، لأن ما لا يقابل العقد لا ثمن له ، فيصير الثمن كله في مقابلة الآخر ( والثاني ) أنه يمسكه بقسطه ، لأنه لم يبذل جميع العوض إلا في مقابلتهما ، فلا يؤخذ منه جميعه في مقابلة أحدهما ، واختلف أصحابنا في موضع القولين ( فمنهم ) من قال : القولان فيما يتقسط العوض عليه بالقيمة ، فأما ما يتقسط العوض عليه بالأجزاء فإنه يمسك الباقي بقسطه من الثمن ، قولا واحدا ، لأن فيما يتقسط الثمن عليه بالقيمة ما يخص الجائز مجهول ، فدعت الضرورة إلى أن يجعل جميع الثمن في مقابلته ليصير معلوما ، وفيما يتقسط الثمن عليه بالأجزاء ما يخص الجائز معلوم ، فلا حاجة بنا إلى أن نجعل جميع الثمن في مقابلته ( ومنهم ) من قال : القولان في الجميع ، وهو الصحيح ، لأنه نص على القولين في بيع الثمرة قبل أن تخرج الزكاة والثمار مما يتقسط الثمن عليها بالأجزاء .
( فإن قلنا ) يمسك بجميع الثمن لم يكن للبائع الخيار ، لأنه لا ضرر عليه ( وإن قلنا ) يمسك بحصته ، فهل للبائع الخيار ؟ فيه وجهان .
( أحدهما ) أن له الخيار ، لأنه تبعضت عليه الصفقة فيثبت له الخيار ، كما يثبت للمشتري .
( والثاني ) لا خيار له ، لأنه دخل على بصيرة ، لأن الحر لا يؤخذ منه بثمن وإن باع مجهولا ومعلوما ( فإن قلنا ) لا تفرق الصفقة بطل العقد فيهما ( وإن قلنا ) تفرق ، وقلنا : إنه يمسك الجائز بحصته ، بطل البيع فيه ، لأن الذي يخصه مجهول ( وإن قلنا ) يمسكه بجميع الثمن صح العقد فيه . وإن جمع بين حلالين ثم تلف أحدهما قبل القبض بطل البيع فيه ، وهل يبطل في الباقي ؟ فيه طريقان : ( أحدهما ) أنه على القولين في تفريق الصفقة ، لأن ما يحدث من الهلاك قبل القبض كالموجود في حال العقد في إبطال العقد فوجب أن يكون كالموجود في حال العقد فيما ذكرناه .
( والثاني ) لا يبطل إلا فيما تلف لأن في الجمع بين الحلال والحرام إنما بطل للجهر بالعوض ، أو للجمع بين الحلال والحرام في العقد ، ولا يوجد ههنا واحد منهما ، فعلى هذا يصح العقد في الباقي وللمشتري الخيار في فسخ العقد لأنه تفرقت عليه الصفقة ، فإن أمضاه أخذ الباقي بقسطه من الثمن قولا واحدا ; لأن العوض ههنا قابل المبيعين فانقسم عليهما فلا يتغير بالهلاك ) .
[ ص: 471 ]