نقد هـذه المفاهيم الخطأ للتنمية هذا باختصار ما طرحه الفكر الغربي لمواجهة معضلة التنمية، وقد أضحى واضحا عجز هـذا الفكر عن تفسير العديد من جوانب التغيير الاجتماعي والسياسي في البلاد الإسلامية، كما اتضحت جوانب الانحياز الأيديولوجي التي يتضمنها هـذا الفكر. ويمكن أن نجمل أهم الانتقادات التي وجهت إلى تراث التنمية والتحديث الغربي فيما يلي:
أ- الانحياز الأيديولوجي لنموذج الليبرالية الرأسمالية
فرغم ادعاء هـذه الدراسات العلمية الموضوعية، فإنها تميل في نهاية الأمر، إلى الدفاع عن النموذج الليبرالي الغربي، باعتباره غاية التطور وهدفه، فالرأسمالية هـي النظام الاقتصادي الأفضل، والديمقراطية الليبرالية هـي المثل الأعلى للتطور السياسي . ب- الانطلاق من خصوصيات التطور الغربي فأغلب هـذه النظريات تأخذ ما حدث في الغرب الرأسمالي منطلقا للتحليل، واستخلاص النتائج، وأساسا لفهم عمليات التغيير الاقتصادي والاجتماعي في البلاد الإسلامية، وللتنبؤ بمسارها في المستقبل. [ ص: 28 ] وبعبارة أخرى فإنها لا تنظر إلى هـذه البلاد، كوحدة للتحليل في حد ذاتها، وتدرسها كظاهرة مستقلة، بل تتناولها بالمقارنة لما حدث في أوروبا.
ولعل هـذا الاتجاه في التحليل يتمشى مع المفهوم السائد لدى المفكرين الغربيين، حيث يعتبرون الحضارة الغربية قمة التطور الإنساني المعاصر ومقياسه، وأن تقدم البلاد الإسلامية يكمن في الاقتراب من هـذا الأنموذج الحضاري. ج- تجاهل البعد التاريخي فالدراسات الغربية تبدأ عادة من عدم اعتبار واقع التخلف في العالم الإسلامي ظاهرة حديثة، ثم تنصرف إلى عرض سمات ومظاهر هـذا التخلف من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دون أن تتعرض لأسبابه من الناحية التاريخية، وينتهي هـذا عندما ندرك أن البلاد الإسلامية لم تكن متخلفة أو متأخرة باستمرار، وإنما عرفت حضارة زاهية، أثرت الفكر الإنساني العالمي، وأدت دورا هـاما في تقدم الحضارة الإنسانية ورفعة شأنها، وعلى العكس، فإن البلاد التي تعتبر متقدمة اليوم لم تحتل مركز الصدارة إلا منذ قرن أو اثنين من الزمان، ومن ثم فإن قضية تخلف البلاد الإسلامية وأسبابها يجب النظر إليها في مساق هـذا التطور التاريخي. [ ص: 29 ]
فالوضع الراهن في العالم المتقدم صناعيا، هـو نتيجة الثورة الصناعية التي بدأت في إنجلترا في نهاية القرن الثامن عشر، ثم هـناك الآثار التي ترتبت على هـذه الثورة في علاقات أوروبا الخارجية، وتبلور الظاهرة الاستعمارية في ارتباطها بالنظام الرأسمالي ، ومن هـنا فإن انقسام العالم إلي متقدمين ومتخلفين، لا يمكن فهمه دون إدخال هـذا البعد التاريخي في التحليل، ودون إدراك أن تقدم المتقدمين وتخلف المتخلفين، هـما وجهان لعملة واحدة، وجزء من العملية التاريخية نفسها.
ء- تجاهل البعد الدولي لعملية التنمية
فأغلب دراسات التنمية تحصر ذاتها في إطار الدولة أو المجتمع وتتناول مجموعة من التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هـذا الإطار، وكأن الدولة تعيش في معزل عن المحيط الإقليمي والدولي، هـذا الاتجاه في التحليل يتجاهل في النهاية تأثير العوامل الدولية والضغوط الخارجية على التطورات الداخلية، كما يتجاهل هـيكل النظام العالمي المعاصر؛ بما يتضمنه من تقسيم دولي للعمل، والآثار الاقتصادية والسياسية لهذه الوضعية.