[1] تحديد المشكلة الاقتصادية
تعتقد الرأسمالية أن المشكلة الاقتصادية تتحدد أساسا، في قلة الموارد الطبيعية نسبيا نظرا إلى أن موارد الطبيعة محدودة، فلا يمكن مثلا أن يزاد في حجم الأرض التي يعيش عليها الإنسان، ولا في كمية الثروات [ ص: 47 ] الطبيعية المخبوءة فيها، مع أن الحاجات الإنسانية تنمو باستمرار، وفقا لزيادة السكان وتقدم المدينة وازدهارها، الأمر الذي يجعل الطبيعة عاجزة عن تلبية جميع تلك الحاجات بالنسبة للأفراد كافة، فيؤدي ذلك إلى التزاحم بين الأفراد على إشباع حاجاتهم، وتنشأ عن ذلك المشكلة الاقتصادية، فالمشكلة الاقتصادية حسب المفهوم الرأسمالي هـي أن المصادر الطبيعية للثروة لا تستطيع أن تواكب متطلبات المدنية، وتضمن إشباع ما يستجد خلال التطور المدني من حاجات ورغبات.
بينما ترى الماركسية -من الناحية النظرية على الأقل- أن المشكلة الاقتصادية دائما هـي مشكلة التناقض بين شكل الإنتاج وعلاقات التوزيع، فمتى تم الوفاق بين ذلك الشكل وهذه العلاقات ساد الاستقرار في الحياة الاقتصادية.
أما المفهوم الإسلامي فهو لا يتفق مع الرأسمالية في أن المشكلة هـي مشكلة الطبيعة وقلة مواردها، لأنه يرى أن الطبيعة قادرة بما أودع الله فيها على ضمان كل حاجات الحياة، التي يؤدي عدم إشباعها إلى مشكلة حقيقية في حياة الإنسان.
كما لا يرى الإسلام أيضا أن المشكلة هـي في التناقض بين شكل الإنتاج وعلاقات التوزيع فقط كما تقرر الماركسية، وإنما المشكلة هـي قبل كل شيء مشكلة الإنسان، لا الطبيعة ولا أشكال الإنتاج. [ ص: 48 ]
يقول الله سبحانه وتعالى : ( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) [إبراهيم: 32-34].
فهذه الآيات الكريمة تقرر بكل وضوح أن الله تعالى قد أوجد للإنسان في هـذا الكون الفسيح كل مصالحه ومنافعه، وفر له الموارد الكافية لإمداده بأسباب حياته وحاجاته المادية، ولكن الإنسان هـو الذي يضيع على نفسه هـذه الفرصة التي منحها الله له، بظلمه وكفرانه ( إن الإنسان لظلوم كفار ) فظلم الإنسان في حياته العملية، وكفرانه بالنعمة الإلهية هـما الأساسيان للمشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان.
ويتجسد ظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي في سوء التوزيع وعدم وضع النعمة حيث أراد الله المنعم، ويتجسد كفرانه للنعمة في إهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها، فحين يمحى الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع، وتجند طاقات الإنسان للاستفادة من الطبيعة في تسخيرها واستثمارها، تزول المشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان.
من هـنا فإن العملية التنموية في المفهوم الإسلامي تتوجه أساسا إلى الإنسان باعتباره وسيلة التنمية وغايتها. [ ص: 49 ]
وهذا الاهتمام يتمثل في تنميته في البداية روحيا وأخلاقيا، ثم في إكسابه المعرفة والمهارة، وتطوير قدرته على التفكير والتحليل، وإفساح المجال أمامه للإبداع والابتكار، ورغم أن الرفاهية الاجتماعية هـدف من أهداف التنمية بحكم أن الإنسان هـو غاية التنمية، فإنها يجب أن تكون مرتبطة بجهد الإنسان وعمله، لأن الإنسان هـو هـدف التنمية ووسيلتها في آن واحد كما أسلفنا.
ولهذا جاءت تعاليم الإسلام كلها تحث على العمل والإنتاج، بل اعتبر الإسلام السعي على الرزق والتعمير من أفضل ضروب العبادة فقد أراد أحد الصحابة القعود والاعتكاف لذكر الله تعالى، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته ستين عاما، " ولقد لخص عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظرة الإسلام للتنمية والعمل النافع بقوله: ( والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل لكانوا أولى بمحمد صلى الله عليه وسلم منا يوم القيامة " فالعمل الصالح في الدنيا معيار الحساب في الآخرة، وسوف يسأل الله عن الأعمال وخير الأعمال ما ينفع الجماعة كلها، والنافع هـو ما يدفع الضرر ويزيد الرخاء دون إسراف أو تبذير. [ ص: 50 ]