أنموذج القدوة والسودان يثوب اليوم إلى الإسلام وهو يحمل كل هـذا الركام. ويقتضينا الأمر فقها دقيقا لنتبين هـذا الواقع فنستصحب بقية الخير التي كانت تمثل قيم الإسلام أو بعض الخير الذي اهتدى إليه السودان بتجربته البشرية، مما يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن قيم الدين، ولأن نميز بين هـذا كله وبين ركام التجارب والتقاليد والأعراف المخالفة للدين ويستدعى هـذا الفقه ذاته زمنا من النظر في شأن الواقع السوداني بهذه المعايير الجديدة التي لم نحكم بعد استعمالها. ومن بعد هـذا الاجتهاد الدقيق، يقتضينا الأمر جهادا طويلا لتجاوز هـذا التاريخ والسعي إلى الله سبحانه وتعالى زلفى. وقد يجدينا جدا، كما أسلفت، أن نعرض الدين بالأنموذج السني الأول كما كان بالفعل، لأنه كان أنموذجا انتقاليا، وهو أنسب للمسلمين في مراحل الانتقال - الانتقال من المجتمع الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي - منه في مراحل المضي على طريق مستقر؛ فالأسر المسلمة كانت أسرا يكتنفها كثير من الاضطراب والعقائد الباطلة أحيانا، وتطرح فيها قضايا الدينامية حول علاقات بآباء غير مسلمين.. وبأزواج غير مسلمين، والدولة المسلمة كانت كذلك دولة انتقالية، وإن كان قائدها يقوم معصوما بهدي من الوحي، وهدي من الله، فإن جماعات المسلمين التي كانت تدخل الإسلام تربت على جاهلية، وما انفكت فيها بقية من جاهلية، تطهر منها بعض الناس، ولكن لم يزل بعض الناس يعانون منها.
فالمجتمع الإسلامي الأول كان مجتمعا انتقاليا، وكانت مشكلاته الحية شبيهة جدا بمشكلاتنا، وقد يبدو أن القياس إليه، والاعتبار به قريب، ولكننا نحن نأخذ من هـذا الأصل مباشرة الذي حجبنا عنه، الفقه الإسلامي الخالف الذي - كما ذكرت - أخذ هـذا الأنموذج الحي المتصل بالواقع، وبسطه على مائدة النظر، ورتبه ترتيبا جديدا يناسب النظر ولا يناسب الواقع.