الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مقالات في الدعوة والإعلام الإسلامي

نخبة من المفكرين والكتاب

كيف نصل إلى الإعلام الإسلامي؟

إن تحقيق ثمرة هـذا التصور النظري للإعلام الإسلامي، بشموله وتكامله، لن يكون إلا بمحاولة الإجابة على هـذا التساؤل الملح: كيف نصل إلى الإعلام الإسلامي ؟.

وفي تصوري أن الوصول إلى الإعلام الإسلامي يحتاج منا العمل الدؤوب في أربعة ميادين رئيسة هـي:

1- ميدان الإعداد والتأهيل البشري

إن أهم الوسائل للوصول إلى تحقيق الإعلام الإسلامي في واقع الحياة وأنجعها هـو إعداد الكفايات البشرية المتخصصة في الإعلام، وتأهيلها فكريا، وخلقيا، وعمليا، ومهنيا. إن الإنسان هـو العنصر الأول في إحداث أي تغيير مقصود. والعناية بإعداد الإعلاميين الإسلاميين، وتأهيلهم حتى يكونوا قادرين على تحمل هـذه المسئولية الضخمة، ليس أمرا سهلا قليل التكاليف، بل هـو عمل كبير، يتطلب منا جهودا عظيمة وطاقات عديدة. إن الطبيب -وهو يطبب الأبدان- يمر بفترة صعبة ومكثفة وطويلة من إعداد والتأهيل، فما بالك بالإعلامي، وهو المعلم، والمربي، والقائد، والموجه، وصانع الرأي في المجتمع ؟! إن مهمته -ولا شك- أعظم، ومسئوليته أكبر، فهو يطبب النفوس، ويؤثر في العقول، ويسهم في صياغة مواقف الناس وسلوكهم. ومن ثم، وجب أن يكون تأهيله موازيا لهذه المسئولية المنوطة به، ولا بد لإعداد الإعلامي الإسلامي وتأهيله من أن يتكامل المنهج العلمي والعملي في الجوانب التالية:-

أ - الإعداد الأصولي والفكري ، حيث يتعرف الطالب على الأصول العقدية والفكرية والتشريعية للإسلام من خلال مجموعة مختارة من [ ص: 41 ]

المقررات الشرعية والفكرية في القرآن الكريم، والتوحيد ، والتفسير ، والحديث ، والفقه ، والثقافة الإسلامية .

ب - الإعداد اللغوي والتذوقي ، فاللغة وسيلة الإعلامي، بل هـي وعاء الفكر والثقافة، ولذلك لا بد له من أن يدرس بعض المقررات في اللغة العربية:

نحوا ، وصرفا ، وفقها ، وأن يسعى إلى التمكن في فنون القول، والبيان، والأسلوب، والتعبير، والتذوق الأدبي.

ج - الإعداد التخصصي والمهني، وهذا الإعداد لا بد أن يتكامل فيه الجانب النظري والجانب العملي التطبيقي حتى لا تصبح دراسة الإعلام دراسة نظرية بحتة. ولا بد من اكتساب الطالب للمهارات العملية والمهنية المطلوبة منه في واقع الممارسات الميدانية.

د - الإعداد الثقافي العام، وهذا يتطلب الإلمام بالواقع الذي يعيش فيه، من حيث: قضاياه ومشكلاته، وأحداثه، وتياراته، كما يتطلب الإلمام ببعض المعارف والعلوم المعينة له على فهم هـذا الواقع وتحليله، وهي علوم وثيقة الصلة بالإعلام كعلم النفس والاجتماع ، والعلوم السياسية والاقتصادية ، واللغة الأجنبية.

ولا بد من التأكيد هـنا على أن من مستلزمات هـذا الإعداد الصارم للإعلاميين الإسلاميين، أن يخضع الطلاب الذين يقبلون في أقسام الإعلام لشروط موزونة سواء في المجال العلمي أو الأخلاقي. ولا بد أن يتوافر فيهم الحد الأدنى من الموهبة، والاستعداد النفسي. كذلك لا بد من التأكيد على أن يتوافر لهؤلاء الطلاب في المحيط الأكاديمي جو من العلاقة الحميمة بينهم وبين أساتذتهم، المبنية على الثقة والاحترام والتهذيب التربوي والتوجيه الأخلاقي عبر القدوة الصالحة التي يجدها الطلاب في أساتذتهم وموجهيهم. ويعد الجانب التربوي والأخلاقي ذا أهمية بالغة في مجال إعداد الإعلامي الإسلامي نظرا للصعوبات الجمة والتحديات العديدة والمغريات المتنوعة التي تصادف الإعلامي الإسلامي في حياته العملية. [ ص: 42 ]

2- ميدان التأصيل والتنظير العلمي

ما يزال الاهتمام بتأصيل قواعد الإعلام وأصوله وممارساته من وجهة النظر الإسلامية، محدودا ومتناثرا. والمطلوب أن يتصاعد الاهتمام العلمي بالإعلام الإسلامي تأصيلا وتنظيرا، وأن يركز على النوعية. وينطلق هـذا الاهتمام من خلال: إنشاء ودعم معاهد ومراكز البحوث الإعلامية التي تهتم بالإعلام الإسلامي، واستقطاب الباحثين والدارسين الذين يتميزون بالإخلاص والوعي الإسلامي ، والخلفية الشرعية ، والاستيعاب العلمي للتخصص الإعلامي، إلى جانب تمتعهم بالمنهجية في التفكير، والتمكن من أساليب البحث العلمي ووسائله.

ولعل من الأهمية بمكان أن تسير هـذه الجهود العلمية التأصيلية وفق خطة مدروسة وتصور سليم للأولويات، وأن تعتمد على أسلوب فرق العمل الجماعية بدلا من الأعمال والاجتهادات الفردية المحدودة. ولا بد من أن تتوافر لهذا العمل التأصيلي العلمي إمكانات بشرية ومادية ملائمة، كما لا بد من توافر قنوات علمية تسهم في تحريكه وبلورته وانضباطه كالندوات العلمية ، والحلقات الدراسية ، والمشاريع البحثية ، والمؤتمرات واللقاءات، التي تتلاقح فيها الأفكار، ويتبادل فيها الباحثون والدارسون الآراء، ويتناقشون فيها حول نتائج بحوثهم ومؤلفاتهم.

3- ميدان الإصلاح الواقعي

والمقصود بهذا: الإسهام الإيجابي في إصلاح أوضاع المؤسسات الإعلامية القائمة في العالم الإسلامي: الرسمية منها، وغير الرسمية، وتنقيتها من الشوائب وترشيد مسارها الإعلامي، سواء ببذل النصح والمشورة، أو دعم الأعمال التي تخدم الإعلام الإسلامي، أو المشاركة العلمية في تلك المؤسسات والهيئات في ميادينها القيادية والإنتاجية والتقويمية. [ ص: 43 ]

ويبدأ الإصلاح الواقعي بمحاولة إيجاد قنوات تواصل وتعاون بين المهتمين بشئون الدعوة والإرشاد والإعلام الإسلامي من جهة، وبين العاملين في المجال الإعلامي من جهة أخرى، وذلك من أجل تضييق الفجوة بينهم. ولقد عانت الأمة من جراء انعزال العلماء وذوي الاتجاهات الإسلامية عن الوسائل الإعلامية، وعدم توثيق صلاتهم وعلاقاتهم بالعاملين في هـذه الوسائل. وإن السعي من أجل تنظيف الإعلام من الانحرافات والتشوهات هـدف نبيل، ويحتاج إلى تحمل وصبر واقعي للظروف التي يعيش فيها الإعلام. وإن انتهاج أسلوب التدرج في الإصلاح ضرورة لازمة في ضوء معرفتنا أن كثيرا من المفاسد والانحرافات التي تحيط بوسائل الإعلام قد استغرق نشرها وتكريسها زمنا ممتدا، وإصلاحها أو تخليص الإعلام منها يحتاج إلى زمن ممتد أيضا، وما أسهل الهدم وما أصعب البناء !!

ولا أعتقد أن من الإيجابية في شيء أن ننساق وراء الدعوة إلى عدم الاستجابة لضغط الواقع في المطالبة بإنتاج البدائل الإسلامية ، والغياب عن الساحة الإعلامية، بدعوى انتظار نضوج الرؤية النظرية للإعلام الإسلامي، أو بدعوى أن الإنتاج الإعلامي الإسلامي والمشاركة المحدودة في وسائل الإعلام القائمة لن تجد نفعا خضم التيار الجارف، وأنها ستكون صرخة هـائمة في واد سحيق. إن هـذا الاتجاه السلبي-في نظري- لن يحقق ما يصبو إليه المخلصون للإعلام الإسلامي. والجهود الصغيرة المتواضعة عندما تجتمع وتتراكم وتتواصل، لا شك أنها ستثمر -بإذن الله تعالى- ثمرات يانعة تفيد الناس وتبقى في المجتمع: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) ( إبراهيم : 24-26) . [ ص: 44 ]

4- ميدان الإنتاج العملي المتميز

إن صناعة البدائل الإسلامية في مجال الإعلام بمختلف فنونه وضروبه وألوانه، تحتاج إلى المبادرة إلى إنشاء مؤسسات وشركات إسلامية للإنتاج والتوزيع الإعلامي في مختلف المجالات من: طباعة ، وصحافة ، ونشر ، وتلفاز ، وفيديو ، وتسجيلات صوتية ، وشرائح مصورة ، وأفلام سينمائية وغيرها. وإنشاء مثل هـذه المؤسسات يتطلب طاقات بشرية عديدة، ويتطلب تكاليف مادية ومالية باهظة. ولكن الاستثمار في هـذا النوع من الإنتاج سيحقق مكاسب معنوية ومادية لا نظير لها.

ولكن ينبغي التنبيه إلى أهمية أن يتولى مثل هـذا الإنتاج العملي الإسلامي المميز طاقات ذات إخلاص وتقوى، وأن يستعان فيه بأهل الخبرة والمعرفة وأن تكون الأعمال المنتجة متقنة من حيث جوانبها الفكرية والفنية، حتى لا تشوه الإنتاج الإسلامي البديل وتعطي صورة سيئة عنه. ولذلك لا ينبغي الاستعجال في هـذا الجانب إلا بعد استكمال العدة : تصورا، ومضمونا، وتوافر العناصر البشرية: إخلاصا، وتمثلا، وإتقان العمل: فنيا، وحرفيا.

إن صياغة الإعلام -نظريا وتطبيقيا- صياغة إسلامية، ليست مشروعا سهلا سريع التنفيذ. بل هـو مشروع عملاق يمثل صورة من صورة التحدي الحضاري الشامل الذي تواجهه الأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها. وإن توافر الجو السياسي والاجتماعي الملائم، والدعم المعنوي والمادي المناسب لتنفيذ مثل هـذا المشروع العملاق، يعد ركيزة أساسية للانطلاق نحو تحقيقه في واقع الأمة الإسلامية.. فالنشاط الإعلامي مرتبط دائما بالبيئة السياسية والاجتماعية التي يعيش فيها، ويتأثر بها، سلبا وإيجابا.

ولكن لا ينبغي أن يصيبنا اليأس أو الإحباط بسبب ضخامة التكاليف المعنوية والمادية، بل ينبغي أن يكون ذلك دافعا قويا لنا لنروي الأمل المتفتح في قلوبنا وواقعنا بماء الإخلاص، والعزيمة الصادقة، والتخطيط [ ص: 45 ] المدروس، والعمل الجاد، والسعي الدؤوب المتواصل حتى يثمر الأمل، ويتحقق الحلم. وقد يكون من المناسب أن نلقي نظرة على واقع الإعلام العالمي والإعلام العربي المعاصر، والمأمول الذي نتطلع إليه حتى يؤدي الإعلام العربي الإسلامي دوره ويبلغ رسالته إلى الإنسانية.

التالي السابق


الخدمات العلمية