مظاهر التبعية الإعلامية في العالم العربي
لا شك أن هـذا الواقع الإعلامي على المستوى الدولي بما يمثله من هـيمنة وسيطرة غربية محكمة، قد ترك آثارا سيئة على وسائل الإعلام ونظمه في العديد [ ص: 49 ] من دول العالم النامي . وكانت دول العالم العربي والإسلامي ضمن هـذه الدول التي تأثرت بهذا الواقع الإعلامي، واكتوت بناره وعانت -وما تزال تعاني- من سلبياته ومشكلاته.
ولن نجانب الصواب حين نقول: بأن واقع الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي يشكو من مرض بالغ الخطورة، يتمثل فيما يمكن أن نسميه بـ ( التقليد والتبعية ) مع استدراكنا بأن هـذه الظاهرة المرضية تبدو بدرجات متفاوته في دول العالم العربي والإسلامي، التي ما تزال تبحث عن ذاتيتها وشخصيتها المستقلة، وترنو إلى الوصول إلى تميز حضاري، يتوافق مع ما تؤمن به من رسالة خالدة، وما تضطلع به من مسئولية عظيمة، لا تقتصر حدودها على مجتمعاتها المحلية فحسب، بل تمتد إلى آفاق العالم الرحبة، وقيادة الإنسانية إلى النور والخير، ومصداقا لقوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ( آل عمران: 110) .
ويمكن إيجاز الأعراض التي تدل على الظاهرة المرضية التي أسمينها بـ (التقليد والتبعية ) في واقع الإعلام في العالم العربي فيما يلي:
1- الاعتماد على التقنية الأجنبية ، والخبرة الأجنبية، في بناء وتسيير البنى الأساسية للإعلام، وفي العديد من الدول العربية والإسلامية.
2- استعارة المفاهيم والنظم والنظريات الإعلامية الغربية التي أصبحت تمارس في واقع العمل الإعلامي، وتدرس في المعاهد والجامعات في العالم العربي والإسلامي.
3- استيراد المواد والبرامج الإعلامية من الدول الغربية. وهي لا تنبع من قيم ومبادئ وتقاليد المجتمعات الإسلامية، ولا تلبي حاجاتها، ولا تعالج مشكلاتها وقضاياها، فضلا عن أنها تروج لأفكار الغرب وحضارته وتقاليده وقيمه. [ ص: 50 ]
4- تسييس الإعلام وتسخيره لخدمة الأغراض السياسية والحزبية في كثير من دول العالم العربي والإسلامي، مما أفقده القدرة على الحركة والحرية والإبداع. وخلا الميدان -بذلك- من المخلصين والمبدعين، وأصبح مليئا بالمقلدين والمهرجين والمرتزقة!!
5- تضخم الوظيفة الترفيهية لوسائل الإعلام، حتى طغت هـذه الوظيفة على الوظائف الأخرى، مع اشتداد حاجة المجتمعات العربية -وهي تخوض معركة التنمية والبناء والتغيير- إلى توظيف وسائل الإعلام لخدمة أغراض هـذه المعركة الحضارية والاجتماعية الحاسمة، ولا شك أن وسائل الإعلام -متى ما أحسن توجيهها- ستسهم بنصيب وافر ومؤثر في هـذه المعركة.
6- ضعف الاهتمام بالجوانب الفكرية والعلمية للإعلام، مما كان له أثر في عدم توفير المناخ الملائم لتطوير الفكر الإعلامي العربي المسلم، الذي يتميز عن غيره ويختلف عما سواه في أصوله ومنطلقاته وأهدافه وغاياته، وطرق ممارسته، بما يتفق مع توجهات المجتمع وحاجاته، وبما ينسجم مع السياق الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات العربية في مرحلتها التاريخية التي تعيش فيها.