ثامنا: الحرب النفسية الموجهة ضد المسلمين
تعرف الحرب النفسية بأنها: استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول، في وقت الحرب أو وقت السلم، لإجراءات إعلامية، بقصد التأثير في آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية معادية أو محايدة أو صديقة، بطريقة تساعد على تحقيق سيادة وأهداف الدولة المستخدمة للحرب النفسية.
كما تعرف بأنها: نسيج من الإجراءات والتداخلات تصب في عرف محدد، وهو إيصال الخصم إلى حالة من الاستسلام واليأس والقنوط.
والحرب النفسية هـي أخطر أنواع الحروب المعاصرة، لأنها تزلزل العقول، وتبلبل الأفكار، فهي حرب أعصاب، وحرب كلمات، تقوم على تشويه الحقائق، والمبالغة في القول، مستخدمة في ذلك فنون الإقناع. وتعتمد بصفة أساسية على وسائل الاتصال وتقنيات المعلومات، وأساليب الإبداع، للتأثير في الشخصية الإنسانية. [ ص: 128 ]
وبصفة عامة فإن الحرب النفسية هـي حرب أيديولوجية عقائدية، تستهدف تحطيم الروح المعنوية، عن طريق زلزلة الأفكار، وتغيير السلوك، واغتصاب العقول، وشل الإرادة، وزرع الهزيمة وغسيل المخ Brain Washing عن طريق إعادة تشكيل الفكر الإنساني Human Thought Reformation وهي عملية تغيير الاتجاهات النفسية عن طريق العمل على توجيه هـذا الفكر ضد إرادة الفرد ومعتقداته، مستخدمة في ذلك معطيات على النفس بصفة عامة وعلم النفس العسكري بصفة خاصة، لإحراز النصر، وتحقيق الأغراض المستهدفة. وتعتبر الحرب النفسية أمضى سلاح تستخدمه الدول في الحرب الحديثة، لأنها تؤدي دورا فعالا في قتل إرادة العدو.
ومن أهم أساليب الحرب النفسية: نشر الشائعات، وإثارة القلق، وبث الفتن وعدم الاستقرار، وبث الرعب والهلع في صفوف الجماهير وافتعال الأزمات، لتفتيت وحدة الأمة، وإحداث الفرقة بين أبنائها، والتشكيك في صلاحيتها وقدراتها، وفي قيادتها، والعمل على كسب العناصر الانهزامية منها، بهدف زرع اليأس من النصر عن طريق المبالغة في وصف القوة ووصف الانتصارات، وكذلك المبالغة في وصف الهزائم، والتلويح بالتفوق العلمي والعسكري، حتى يشعر العدو أنه أمام قوة لا تقهر، وأن كل محاولاته محكوم عليها بالفشل، بهدف تشجيع القوات المعادية على الاستسلام وعدم المقاومة، وزعزعة إيمان العدو بمبادئه وأهدافه، وإضعاف الجبهة الداخلية، وإحداث ثغرات داخلها. [ ص: 129 ]
والحرب النفسية هـي حرب باردة، ومن ثم فإنها تعمل كبديل للحرب الساخنة، وفي هـذا يقول أحد وزراء الدفاع الإسرائيلي: " إننا نستهلك كمية كبيرة من الذخيرة الغالية لندمر بها موقعا واحد من مواقع العدو، أليس من الأفضل والأرخص أن نستغل الدعاية والحرب النفسية لشل الأصابع التي تضغط على زناد هـذا المدفع؟ "
وهذا يدل على تراجع الحرب العسكرية لتقوم الحرب النفسية بتحقيق الأهداف نيابة عنها، حيث أصبحت الدول لا تلجأ للحروب العسكرية إلا بعد فشل كافة الجهود الأخرى- وعلى رأسها الحرب النفسية- التي أصبحت من أخطر أنواع الحروب في العصر الحديث، لا سيما وأن هـذه الحرب لا تتكلف الأموال الطائلة التي تستهلكها الحرب الساخنة.
ومما يجدر ذكره هـنا أن الشريعة الإسلامية قد سدت كل المداخل التي يتسلل منها العدو لشن الحرب النفسية ضد المسلمين- مهما بلغت شدتها وعنفها- من خلال زرع الإيمان المطلق في قلوبهم، وحثهم على مواجهة أعدائهم، وتأكيد الثقة بنصر الله ووعده،
تصديقا لقوله تعالى: ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) (الروم:47) .
وقد واجه الرسول والمسلمون الأوائل ألوانا عديدة من الحرب النفسية، منها الحملات المكثفة من الشائعات التي يشنها الأعداء، والتشكيك في صحة العقيدة، والسخرية من الوحي، والاستهزاء [ ص: 130 ] بالصحابة رضوان الله عليهم، إضافة إلى أن هـذه الحروب كانت تتخذ شكلا عنيفا واسعا كلما ازداد الإسلام قوة ومنعة.
وهنا يأتي دور الإعلام الدعوي ليتحمل مسئوليته في تحصين المسلمين ضد أساليب الحرب النفسية، مستلهما في ذلك آيات القرآن الكريم التي تؤكد على المبادأة والاستعداد لمواجهة العدو،
تصديقا لقوله عز وجل: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) (الأنفال:60)
ولن تتحقق له القدرة على هـذه المواجهة إلا بالعمل على تلافي السلبيات التي تشوب الواقع الإسلامي، وإطلاق حرية الإعلام، وتحديث وسائله.. ومواجهة هـذا الواقع، تتطلب تخطيطا علميا، وتنسيقا عمليا، وإخلاصا للنوايا، وجدية في التنفيذ، للتعامل مع كافة الظواهر والمستجدات التي تفرض نفسها على الساحة الدولية.. ولتحقيق ذلك، فلا بديل عن العمل الجاد الذي يأخذ في اعتباره الاستفادة من كل معطيات العصر، واستثمار متغيرات الحياة الحديثة في هـذا الصدد، ولا سيما أن القوى المعادية تعتمد في حربها النفسية التي توجهها ضد المسلمين في كل مكان، على ما تملكه من أجهزة حديثة ووسائل متقدمة، مستثمرة في ذلك فنون الاتصال وتقنياته للسيطرة على الرأي [ ص: 131 ]
العام، وغسل الأدمغة، وتكوين الاتجاهات المتوافقة مع فكرها وأيديولوجياتها.