مناقشة حجج المنتقدين
مناقشة الحجة الأولى
تخلط هذه الحجة بين أمرين، أولهما: النظام الكتابي، وثانيهما: من يستخدم ذلك النظام، فالنظام الكتابي العربي (أي: حروف الأبجدية، والحركات، والرسم) وفر لمستخدميه الوسائل الكاملة للتعبير عن كل صوت تعبيرا دقيقا.
فلو كتبنا الكلمة (يدخر) ، مثلا، فلن نجد في النظام ثغرة أو ثلمة في التعبير الكامل، والتجسيد البصري لكل صوت من الأصوات المكونة للكلمة السابقة [1] وقس على ذلك آلاف الكلمات الأخرى.
ولا تثريب على الكتابة العربية نفسها إذا ما أهمل الكاتب [ ص: 70 ] (لا الكتابة) -كسلا، أو إهمالا، أو تعجلا، أو إحساسا بعدم الحاجة- وضع تلك الحركات. فالمسألة تشبه السيارة التي وفرت لصاحبها ما يبتغيه من وسائل الراحة كاملة، بيد أنه لا ينتفع منها، فهل تلام السيارة أم صاحبها؟ ومن ثم، لا تتحمل الكتابة العربية وزر إهمال أو كسل مستخدميها.
ولا تنفرد العربية بجعلها الحركات منفصلة عن الامتداد الأفقي للكلمة، وعدم الدخول إلى صلبها. فنجد الأمر نفسه في العبرية والسريانية والفرنسية والألمانية (إلى حد ما) . ففي العبرية عشر حركات تكتب فوق الحرف أو تحته [2] ، ونجد في الملحق الثالث حركات السريانية الغربية. وتعمد الفرنسية إلى أساليب قريبة من ذلك في صوائتها، كوضع خطيط مائل إلى اليمين، وآخر مائل إلى اليسار على حرف (e) ، وما شاكل ذلك.
ويلاحظ إهمال كثير من الكتاب في العبرية والسريانية والفرنسية لتلك الحركات، ومن هنا جاء التعبير الفرنسي: وضع النقاط على الحروف. [ ص: 71 ]
وقد يقول القائل: ألا يدل تكرار هذه الظاهرة، أي: عدم الإشارة إلى تلك الحركات أو العلامات في تلك اللغات، ومنها العربية، على تعقيد في النظام أدى بمستخدميه إلى التخفف من استعمال الحركات؟ بعبارة أخرى: لماذا نلوم من يهمل استخدام الحركات، ولا نلوم، بالقدر نفسه، صعوبة النظام نفسه؟
لا بد إذا، قبل مناقشة الاعتراض الأخير، أن تصاغ الحجة برمتها صياغة جديدة، وهي أن موطن الخلل ليس في النظام الكتابي للعربية، ولكن كان ينبغي أن يتخذ شكلا (يجبر) الكاتب على إدخال الحركات إلى صلب الكلمة، ولا يترك له الخيار في استخدام الحركات أو عدم استخدامها.
فلم لم تفعل العربية ذلك في كتابتها؟
يمكن لنا في هذا الخصوص أن نشير إلى الأسباب الآتية:
1. هناك حقيقة معروفة عن اللغات السامية، ومنها العربية، وهي: أن المعنى الأساس للكلمة موجود في الصوامت المكونة لها، ولا يزيد دور الحركات على تخصيص المعنى. فكلمة (كتب) مهما تكن حركاتها، يرتبط معناها على نحو ما [ ص: 72 ] بالكتابة. ويقتصر دور الحركات على تحديد كونها فعلا معلوما أو مجهولا أو جمع تكسير ... إلخ. وبطبيعة الحال يعتمد القارئ على سياق الحال أو السياق اللغوي لتحديد المعنى المقصود. ومن هنا كانت الحركات -إذا صح التعبير- شيئا يقترب من الترف، لا تستخدم إلا لإزالة لبس محتمل.
2. أن كثيرا من الكلمات لا تحتمل إلا حركات معينة دون غيرها، ومن ثم سيكون تحريكها، أو وضع الحركات داخل الكلمة، تحصيل حاصل، فكلمات مثل: زادت، استهان، قوبل، يتناولونها ... إلخ. لا اجتهاد في تحريكها. فهل تحتمل كلمة (استهان) مثلا حركات غير حركاتها [3] ؟
3- كثرة الحركات في الكلمة العربية. ولتبيان ذلك نشير إلى أن علماء اللغة المحدثين يصطلحون على ما يسمونه (عنقود الصوامت) Consonant Cluster والمقصود بذلك هو اجتماع صامتين، أو أكثر، في كلمة من غير صائت يفصل بينهما [4] . [ ص: 73 ] مثال ذلك: (أكتب) ، حيث نجد صائتا قصيرا (هو الفتحة) يفصل بين الهمزة والكاف، وصائتا قصيرا آخر (هو الضمة) يفصل بين التاء والباء، ولكننا لا نجد صائتا بين الكاف والتاء. فهذان الصامتان (أي: الكاف والتاء) (تعنقدا) في هذه الكلمة. ومثل ذلك يقال في الفعل: (انبجس) ، حيث تعنقدت النون والباء. ونجد في اللغة الإنكليزية، مثلا، إمكان تعنقد صامتين، مثل: ( Eggs) ، أو ثلاثة، مثل: ( Street) ، أو أربعة، مثل: ( Exclamation ) (حيث تمثل ( x ) صوتين) . ونلاحظ من الأمثلة السابقة أن التعنقد في اللغة الإنجليزية قد يكون في بداية الكلمة، أو وسطها، أو نهايتها [5] .
أما العربية فلا يتعنقد فيها أكثر من صامتين في الكلمة الواحدة. وهذان الصامتان لا يكونان إلا في وسط الكلمة، (مثل الكاف والتاء في: أكتب، كما مر) ، أو في نهايتها عند الوقف، مثل: (الكاف والراء في: بكر) ، (واللام والباء في: قلب) . وهذا يعني أن العربية لا تسمح بتعنقد الصوامت في [ ص: 74 ] البداية (لأن الكلمة العربية لا تبدأ بساكن) ، فضلا عن عدم تجاوز التعنقد لصامتين [6] . مما يؤدي إلى قلة السواكن، ومن ثم كثرة الحركات.
ويكفي للدلالة على كثرة الحركات وقلة السواكن في العربية، أن الأفعال الثلاثية العربية كلها (فعل، فعل، فعل) قائمة على أساس (صامت + صائت + صامت + صائت + صامت + صائت) . والأفعال الثلاثية -كما نعلم- تؤلف معظم الأفعال العربية.
فإذا ما أخذنا العوامل الثلاثة السابقة في الحسبان (أي: وضوح المعنى العام للجذر، وعدم احتمال كلمات كثيرة لحركات بديلة، وكثرة الحركات) ، فإن الكتابة العربية أمـام واحد من خيارين: إما إدخال الحركات إلى صلب الكلمة (ومنها الضروي، ومنها غير الضروري) ، وإما عدم إدخالها إلى صلب الكلمة.
أما إدخالها إلى صلب الكلمة، فيعني زيادة في المساحة [ ص: 75 ] الأفقية للكلمة، وإطالتها. ولمعرفة مدى الزيادة في الامتداد الأفقي فقد اتخذنا، مثالا كيفما اتفق، نصا من هذا الكتاب، يبدأ ببداية الفقرة التي مستهلها (أما العربية فلا) ، وينتهي بنهاية الفقرة السابقة (وأما عدم إدخالها في صلب الكلمة) ، فظهر أن عدد الكلمات في هذه الفقرة (139) كلمة، بلغ عدد حروفها (634) حرفا. وعند تحريك كل كلمة تحريكا كاملا، وبضمن ذلك حركات الإعراب، وإعطاء كل حركة حرفا، بلغ عدد الحروف (992) حرفا. وهذا يعني أن الزيادة أكثر من خمسين في المائة [7] . فإذا كان عندنا كتاب مؤلف من مائة صفحة، فسيصبح مائة وخمسين، هذا إذا أدخلنا تلك الحركات إلى صلب الكلمات.
وتأكيدا لما سبق أن قررناه، سنعمد إلى كلمة عربية هي (يتناولونها) ونكتبها على الطريقتين الكردية (التي تدخل الحركات إلى صلب الكلمة، مستخدمة الحرف العربي) ، وبالحروف اللاتينية، واضعين نصب أعينـنا أن هـذه الكلمة [ ص: 76 ] لا تحتاج -في العربية- إلى تحريك، إذ ليست هناك بدائل فيها. وعلى هذا سنجـدها تكتب على الطريقـة الكـردية هـكـذا: (يه ته نا وه لوو نه ها) ، وإذا كتبناها بالحروف اللاتينية -كما دعا بعضهم- فستكون هكذا: ( Yatanaawaloonahaa ) أي إنها بحسب الطريقة الكردية تكتب بخمسة عشر حرفا، وبحسب الطريقة اللاتينية تكتب بسبعة عشر حرفا، في حين أنها تكتب في العربية بعشرة حروف، تسعة منها متصلة [8] .
فهل يريد دعاة نبذ الكتابة العربية واطراحها هذه النتيجة؟ وأيهما أدعى إلى الخطأ في الكتابة والإملاء: الكلمات الصغيرة أم الكلمات الكبيـرة؟ وأيهمـا يستغـرق وقتـا أكثر في الكتابة؟ وأيهما يستنزف الجهد؟ لا أعتقد أننا نحتاج إلى تفكير كثير للإجابة.
ولا يمكن لقائل أن يقول: إن في وسع الكتابة الجديدة المقترحة أن تختصر، بأن تضع -مثلا- خطيطا فوق أحد الحروف (وليكن حرف oe ) للدلالة على أنه ألف طويلة وليس [ ص: 77 ] فتحة، لأننا بذلك سنعود إلى النظام نفسه، أي نظام الحركات فوق الحروف، وقد لبس ملابس جديدة.
لا غرو إذا أن تلجأ الكتابة العربية إلى الحل الثاني، وهو الاستفادة من الفراغ بين الأسطـر ووضع الحركات تحت الحروف أو فوقـها حينـما يكون ذلك ضروريـا. فهذا الخيار هو وحده الذي ينسجم مع طبيعة العربية، تلك الطبيعة التي لا يمكن لأحد أن يمسها.
ويؤكد فشل محاولات قرن (ولما تقف تلك المحاولات) لإزاحـة هـذه الكتـابة، وإحلال بديل عنها، يؤكد ملاءمة نظامها الكتابي لتـلك اللغة، ووفاءه بحاجتها وحاجة مستخدمي العربية.
أما القول بأن النص العربي، بسبب خلوه من الحركات، عرضة لقراءات مختلفة حسب لهجة القارئ الأصلية، ففي هذا الكـلام خلـط كبـيـر. وينبـغي أن نـلاحظ في هـذا الخصـوص ما يأتي:
1. إن بعد الشقة بين العاميات العربية والفصحى غير ذي [ ص: 78 ] علاقة بالكتابة، خاصة إذا تذكرنا أن المسافة بين الاثنتين تزداد بازدياد الأمية. وهذه الأخيرة لا علاقة لها بمسألة الحركات.
2. لا تلام الكتابة العربية، إذا استخدمت إمكاناتها (حروفا وحركات) ، فهي قد أدت واجبها كاملا ولا تتحمل وزر وجود عاميات بعيدة أو قريبة منها.
3. لم تقف الكتابة حائلا بين النطق الفصيح من جهة، والنطق اللهجي من جهة. وخير دليل على ذلك هو أن أي صوت عربي إذا ما جاءت بعده ألف فلا بد أن يكون ذلك الصوت مفتوحا (مثل: قال، حال ...) ، ومن ثم لا نحتاج إلى تحريك الحرف السابق للألف.. وبالرغم من هذه الحقيقة اللغوية المعروفة، نجد أبا عمرو ، والكسائي ، والدوري ، واليزيدي ، والحلواني جميعا يقرأون كلمة (الناس) في القرآن الكريم بالإمالة [9] .
أما النص على الحركات، كقولهم: (القدس، بالقاف المضمومة المثناة من فوق، والدال المهملة ...إلخ) ، فغريب أن [ ص: 79 ] يؤخذ هذا مأخذ الدليل على عجز الكتابة العربية، من غير فهم مرامي المؤلفين، والظروف التي ساعدت على نشوء هذا التقليد.
فمن المعروف أن الناسخ القديم للمخطوطة (وهو نظير الطباع في أيامنا) ، قد لا يكون ملما بالمادة المكتوبة ومن ثم يكون عرضة للزلل. وإذا كان المؤلف الحالي يكتفي بمراجعة نسخة واحدة من المطبوع قبل إخراجه النهائي، فإن المؤلف القديم لم يكـن في وسـعـه إلا مراجـعة نسـخ قليلة جدا تقـرأ عليه، ثم يقوم نساخ آخرون (وقد يكون ذلك بعد مئات السنين من وفاة المؤلف الأصلي) باستنساخ المخطوطة نفسها. فكيف يضمن المؤلـف وقاية كتـابه من التصحيـف والتحريـف؟ لا عجب إذا أن يحتاط المؤلف فيلجأ إلى هذا الأسلوب. ولا أدري كيف كان هؤلاء المنـتقـدون سيحـلون هذه المشكـلة لو كـانوا قد عاشوا في زمن خلا فيه من الطباعة؟ ويعزز قولنا هذا اختفاء هذه الظاهرة عموما من المطبوعات الحديثة لمؤلفي زماننا، لانتفاء الحاجة إليها.
أما الزعم بأن هذا الخلل يشيع اللحن، ويعمل على انحلال [ ص: 80 ] الفصحى، فزعم لا يخلو من الخطل. فالعربية الفصحى لم تنحل في قرون من الزمن لم يتجاوز عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة أفرادا قلائل في المدينة الواحدة، فهل تنحل في القرن العشرين، وقت الدعوة إلى تبديل الكتابة العربية، في وقت تئول فيه الأمية إلى الانقراض، وتمضي العامية صعدا مقتربة من الفصحى؟
أما إشاعة اللحن، فقد سبق أن قلنا: إن نظام الكتابة العربية نفسـه لا يعـاني من نقـص، وإنما النـقـص في مستخدميه الذين لا يفيدون فائدة كاملة مما يقدمه لهم. وغريب حقا أن يدعو أولئك الداعون إلى إلغاء نظام بكامله وإحلال نظام جديد محله، بدلا من استخدام الحركات الموجودة أصلا!
وقد أجلنا في مناقشتنا للحجة الأولى، كلام قاسم أمين مفضلين تخصيص الفقرة الآتية له:
مقولة قاسم أمين:
سارت قالة قاسم أمين (1865-1908م) وكثر الاستشهاد بها، حتى عدت من الأقوال الشائعة، ولذا نوجه إليها قدرا من الاهتمام. على أن شهرتها لا تعطيها ثقلا علميا، فهي مثل كثير [ ص: 81 ] من الأقوال المأثورة (مثل: كل فتاة بأبيها معجبة) ، قد ترتكز، وقد لا ترتكز، على أساس علمي سليم مبني على استقراء وفحص، بالرغم من سيرورتها.
يفهم من كلام قاسم أمين أمران، سنشير إليهما، تاركين مناقشتهما، لأن في نيتنا مناقشة الأفكار، لا الأشخاص:
الأول: إنه اطلع على (معظم) اللغات الأوربية. ويفترض أن مدى اطلاعه كان عميقا بما يكفي للمفاضلة بين تلك اللغات، واللغة العربية.
الثاني: أنه حكم للغات الأوروبية بعد مفاضلته بينها وبين الكتابة العربية.
فإذا ما تركنا هذين الأمرين (مع أن التحقق منهما، ومناقشتهما أمر لا يخـلو من الطـرافة) ، فعلـينـا أن ننبـه إلى ما يلي:
1. إنه يفترض أن كل كلمة عربية لا يمكن فهم معناها إلا بضبطها مشكولة على نحو تام. وهذا كلام غير سديد، لأن هناك المئات من الكلمات المستخدمة في العربية لا تحتاج إلى [ ص: 82 ] تحريك (مثل: كان، ماتت، تلك، في، لن ...إلخ) لمعرفتنا بالحركات مسبقا، فضلا عن احتمال قسم منها لتحريك واحد معين، لا غير، كما مر بنا. ونزيد على ذلك أن كثيرا من الكلمـات المنصـوبة يجـب أن تظـهر النصـب (رأيت زيـدا، لن يدرسوا، صافحت المعلمين... إلخ) ، أو الجزم (اكتبوا، اكتبا... إلخ) على نحو يظهر في الكتابة. كما يظهر قسم من المرفوعات رفعه (جاء المعلمون، وهم يكتبون، وهما يكتبان، والمعلمان مجدان ... إلخ) ، والمجرورات جره (سلمت على المعلمين) ، ويكفي وجود حرف الجر قبل الاسم للدلالة على كونه مجرورا (سلمت على عمر، ومررت ببغداد) .
زيادة عما سلف، يساهم الترتيب المعتاد لأركان الجملة العربية في تجلية المعنى وتوضيحه (مثل: تقديم المبتدأ على الخبر، وتأخر المفعول به، ومجيء الفاعل بعد الفعل... إلخ) . فما الذي يتبقى بعد ذلك إلا القليل؟
ومما يؤكد كلامنا هذا، قدرة إنسان عربي ذي مكنة يسيرة (وأحيانا شبه معدومة) من العربية على فهم ما يقرأ، وإلا [ ص: 83 ] لخرجنا بنتيجة خلاصتها أن التبحر في العربية، نحوها وصرفها، شرط أولي للفهم، وهذا ما يخالف واقع الحال.
2. إنه يكرر الخلط نفسه بين نظام الكتابة العربية، وإهمال الكـاتب الذي يستخـدم تلك الكتـابة، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك [10] .
3. لو سلمنا جدلا، بصحة رأيه، فإنه يصطنع رأيا مبتسرا، بيد أنه يوحي بأنه يقدم لنا الصورة كاملة. فمن المعروف أن النشاط اللغوي ذو جانبين: سلبي يتجلى في الاستماع والقراءة، وإيجابي يتمثل في الكلام والكتابة. فإذا صح انتقاده (وليس يصح) فإنه يقتصر على الجانب الأولي، السلبي.
ولكن إذا تساءلنا عن الجانب الثاني، الإيجابي، فربما كان في وسعنا أن نقلب المقولة بحيث تصبح: يستطيع العربي أن يكتب قبل أن يفهم، أو من غير حاجة إلى أن يتذكر صورة الكلمة، ولكن الإنجليزي أو الفرنسي لا بد أن يفهم أو يتذكر صورة الكلمة قبل كتابتها. ودليلنا على ذلك أنك لو طلبت من [ ص: 84 ] الإنجليزي أن يكتب كلمـة (فـور) فلن يستطيع أن يكتبها قبل أن يعرف أيا من الاحتمالات الثلاثة هو المقصود. حيث يحتمل أن تكتب four بمعنى أربعة، أو for وهـو حـرف جـر، أو fore وهو سابقة بمعنى: أمامي، مثل forehead بمعنى: الجبين.
غير أن هذا لا يعني أن هذه هي المعضلة الوحيدة التي يواجهها من يكتب الإنجليزية، كما لا يعني اقتران الكتابة الإنجليزية بالمعنى اقترانا مطردا. فالاقتران في واقع الحال اعتباطي، بمعنى أننا لا نجد في الإنجليزية قاعدة تفسر وجود حرف (u) في الكلمة الدالة على أربعة، واختفاء ذلك الحرف في الكلمتين الأخريين، فالتسيب هو الأصل.
ولتوضيح مدى التسيب، وقلة الضوابط أو انعدامها، ومن ثم حاجة الإنجليزي والفرنسي إلى التذكر، خصصنا فقرة لنواقص في الكتابتين الفرنسية والإنجليزية.
4. تهمل الكتابة الإنجليزية الإشارة إلى النبر Stress بالرغم من أنه يغير معاني عدد من الألفاظ في تلك اللغة. [ ص: 85 ]
ولتوضيح الأمر، باختصار وسهولة، نشير إلى أن الارتفاع النسبي للصوت الذي يحظى به مقطع من مقاطع الكلمة عند نطقها، قد يفرق بين معنى وآخر في الكلمة الواحدة (13) . فكلمات مثل object (وتعني ضمن ما تعنيـه: 1 / هـدف 2 / يعترض) ، و subject (وتعني ضمن ما تعنيه: موضوع، يخضع) ، و import (يستورد، أهمية) ، و increase (زيادة، يزداد) ، يتقرر المعنى المقصود في كل كلمة حسب المقطع المنبور فيها، فإذا نبر المقطع الأول أعطت معنى، وإذا نبر المقطع الثاني أعطت معنى آخر. ومن ثم لن يستطيع الإنجليزي أن يقرأ لكي يفهم، بل يفهم لكي يقرأ كلمات من هذا النوع قراءة سليمة.
ومن الطريف أن نلاحظ أن النبر لا يكتسب هذه الأهمية في العربية، بمعنى أنه لا يفرق بين معنى وآخر في الكلمة الواحدة، فلا غرو أن نجد الكتابة العربية تهمله. [ ص: 86 ]