دور أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في رواية الحديث
بعد أم المؤمنين أم سلمة التي تحتل المرتبة الثانية من حيث كثرة الرواية بين كل الراويات عموما وبين أمهات المؤمنين خصـوصا، تأتـي أم المؤمـنين ميمونـة ، وأم المؤمنـين أم حبيبة ، وأم المؤمنـين حفصة ، في الدرجة الثالثة، وقد صنفهن بقي بن مخلد في أصحاب العشرات بهذا الترتيب [1] .
ترجمتها وفضلها رضي الله عنها
هي ميمونة بنت الحارث بن حـزن بن بجيـر بن الهـزم بن روبيـة بن عبد الله بن هـلال بن عامر بن صعصعة، الهلالية [2] ، وهي أخـت أم الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن الوليد وابن عباس.
تزوجها أولا مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها وتزوجها أبو رهم بن عبد العزى فمات عنها، فتـزوجها النـبي صلى الله عليه وسلم في وقت فراغـه من عمرة القضـاء سنة (7هـ) في ذي القعدة، وبنى بها بسرف [3] .
كانت ميمونة من سادات النساء، وخير شهادة على ذلك ما ذكرته [ ص: 73 ] عنها ضرتها عائشة لابن أختها يزيد بن الأصم ، وقد أقبلت تلومه في أمر حيث " يقول:... ثم وعظتني موعظة بليغة، ثم قالت: أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه، ذهبت والله ميمونة ، ورمى بحبلك على غاربك، أما إنها كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم. " [4] .
وفي هـذا الخبر ما يفيد أن ميـمونة ماتـت قبل عائشة، فقد ذكر خليفة بن خياط موتها سنة (51هـ) [5] ، وقد دفنت في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف [6] .
تلاميذها ومروياتها رضي الله عنها
روت أم المؤمنين ميمونة ستة وسبعين حديثا (76) [7] ، وبالتالي تأتي مباشرة بعد أم المؤمنين أم سلمة في الترتيب حسب كثرة الرواية، وأحاديثها في الكتب الستة واحد وثلاثون حديثا (31) [8] ، وروي لها في الصحيحين سبعة أحاديث، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بخمسة أحاديث [9] .
وقد روى عنها: ابن عباس ابن اختها، وابن أختها الثاني عبد الله ابن شـداد بن الهاد ، وابن أختها الثالث عبد الرحمن بن السائـب ، [ ص: 74 ] وابن أختـها الرابـع يزيـد بن الأصـم ، وعبيد بن السباق ، وكريب مـولى بن عباس وكان يـدخل على أمـهات المؤمنين، ومولاها سليـمان ابن يسار ، وعطاء بن يسار ، وعمران بن حذيفة ، ومولاتها ندبة ، والعالية بنت سبيع ، وأم منبوذ .
ويلاحظ أن مروياتها توزعت على هـؤلاء الرواة، وأغلبهم من محارمها وفيهم الحبر ابن عباس ، إضافة إلى أن مروياتها غلبت عليها الصفة العملية، أي أنها تصف فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أهله.
فقد روي عنها في أبواب الطهارة: في كيفية الغسل من الجنابة، وفي وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بفضل غسل نسائه، مباشرة الحائض وهي مؤتزرة، قراءة القرآن في حجر الحائض، الصلاة بعد الأكل بدون وضوء، وهي كلها أفعال نبوية.
وفي أبواب الصلاة: روي عنها في فضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي سجود النبي صلى الله عليه وسلم ... وفي الجنائز: في الميت يصلي عليه أمة من الناس... وروت في الصيام: في صيام النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة.
وروي عنها في الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة، وفي رقية النبي صلى الله عليه وسلم ، كما روي عنها في العتق.. ولعل أبرز حكم ارتبط باسم ميمونة رضي الله عنها هو تزويج المحرم، فقد تضاربت الروايات في قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، هـل كان حلالا أم محرما ؟ فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، [ ص: 75 ] وماتت بسرف [10] .
وقد ( روي عن ميمونة نفسها قولها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف ) [11] .
" وعن يزيد بن الأصم قـال: خطبها وهو حلال، وبنى بها وهو حلال " [12] .
وقد عاشت أم المؤمنين ميمونة في البيت النبوي ثلاث سنوات، وبقيت بعده إلى سنة (51هـ) ، فثلاث سنوات وإن كانت مدة قصيرة إلا أنها سمحت لها بأن تنقل عنه صلى الله عليه وسلم مجموعة لا بأس بها من الأحاديث -كما رأينا- ساهمت في إعطاء نظرة مفصلة عن حياته صلى الله عليه وسلم في بيته.. وكفى بها شرفا أن قصة زواجها منه صلى الله عليه وسلم فرع من الفروع المهمة في الفقه الإسلامي، كثرت حوله الآراء.
ومما ساعد على كثرة مروياتها مقارنة بغيرها من أمهات المؤمنين، رغم كونها آخر من تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه:
أ- تأخر وفاتها رضي الله عنها (51هـ.
ب- كون أحد المكثرين من الرواية من محارمها وهو ابن عباس ، ولا شـك أن هـذا يسهـل عليـه الدخول عليـها وسـؤالها في القضـايا المختلفة، إذ أن أمهـات المؤمنين كانت لهن حرمة خاصة. [ ص: 76 ]