ثانيا: عمارة الأرض
إن الهدف الثاني لخلق الإنسان أن يعمر الأرض،
كما قال تعالى: ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (هود:61) .
وعمارة الأرض تتطلب معرفة جـيـدة بعـلـوم (الـحـيـاة ) ، بل آخـر مـا توصل إليه الإنسان في هـذه العلوم، التي تتطور يوما بعد يوم.
وقد قسم الفقهاء (الفروض ) إلى قسمين: فروض أعيان وفروض كفاية .. وفروض العين مثل الصلاة والصوم.. وأما فروض الكفاية فهي فروض عامة، فإذا قام بها البعض سقطت عن الأمة، لكن إن أهملها الكل أثموا.. فكل علم نافع، أو صناعة مفيدة، فلا بد أن يوجد من المسلمين من يحسن أداءها، وإلا حصل الإثم للجميع، لكن إذا جرى تعيين فرد لها، صارت بالنسبة له من فروض العين. ومن العلماء من يقدم فروض "الكفاية " على العين، لأهميتها بالنسبة للأمة. [ ص: 108 ]
وعلى ذلك، فعلى كل من يهتم بعمارة الأرض، أن يواكب تطور العلوم والصناعات، كي يستطيع فعلا أن يعمر. وللأسف فإن ما أطلق عليه ابن خلدون (علم العمران ) ذهب معه، ولم نجد من يهتم به.
لقد تحولنا إلى مستهلكي حضارة، ولم نكن من صناعها، فمن السهولة بمكان أن يكون الإنسان (زبونا ) يأخذ من منتجات الحضارة ما يحب، ويدفع الثمن، ولكن من الصعوبة أن ينتج حضارة أو يساهم في إنتاجها بجدية أو فعالية.
إن عمارة الأرض أو صنع حضارة، يتطلب الكد والكدح، والسهر المتواصل، والأخذ بناصية العلوم والصناعات، ومن لا يحسن ذلك فهو يعيش على (الهامش ) .
لو قمنا بفحص لهذه المليارات من البشر، التي تدب على وجه الأرض، فماذا نجد بمقياس العبادة الصحيحة، والعمارة المفيدة النافعة؟
1- سنجد ملايين قليلة جدا تعبد الله تعالى كما أراد وأمر، وأقل منها تشتغل في عمارة الأرض.
2- سنجد ملايين كثيرة في الغرب واليابان مثلا لا تعرف الله، وإن عرفته لا تعبده كما أمر، لكنها تفني عمرها في عمارة الأرض، وقد تشتغل في خرابها، بما تنشر من معدات القتل الجماعي، وأسلحة ذرية وهيدروجينية وغيرها. [ ص: 109 ]
3- ألوف الملايين من البشر لا تعبد الله، كما أمر، ولا تشتغل بعمارة الأرض، والكثير منها تطلب الطعام والدواء من غيرها، فلا الله عبدت ولا عمارة للأرض أشادت، ولم تحقق شيئا مما خلقت له، وللأسف فهي تبلغ مليارات من البشر، ومن هـنا جاءت متاعب البشرية، أو بعض متاعبها.