المبحث الأول: خلو الدولة (الإسلامية) من معضلات (الوضعية)
من خلال مراجعة فاحصة للتحديات والمعضلات التي تواجه الدولة القانونية بالصيغة الوضعية وتلازمها، ومن ثم لا تمكنها من تقديم حماية حقيقية فعالة ومنتجة في ميدان حقوق الإنسان، نجد أن الدولة الخاضعة لقانون الشريعة خالية منها جميعا:
- فأساسها الفكري هـو العقيدة الإسلامية، بآثارها العظمى فـي صيانة حقوق الإنسان، وليس نظرية القانون الطبيعي العقيمة أو الفكر العلماني.
- والتشريع فيها غير قابل للتلبس بالباطل والظلم ونحوهما؛ لأنه قائم على الوحي الإلهي المعصوم.
- وافتقاد منهجية تفعيل حقوق الإنسان لا مكان له في الشريعة؛ لأنها أصلا هـي المتفردة بامتلاك هـذه المنهجية على النحو الذي سنشرحه بعد قليل.
- كما أنها ليست دولة قانونية في الداخل ومنتهكة لحقوق الإنسان في الخارج، فتقرير حقوق الإنسان وحمايتها يتصف بالعموم [ ص: 93 ] داخل الدولة وخارجها، أي لكل الناس؛ لأن القانون الدولي في الشريعة الإسلامية جزء من قانونها الداخلي، فالدولة ملزمة به تجاه عموم الناس خارج الدولة التزامها بالقانون الداخلي تجاه الرعايا، فهي دولة قانونية خاضعة لقانون الشريعة، مقيدة بنصوص الوحي الإلهي، التي تأمرها بإقامة العدل والقسط، بما يتضمن من حقوق الإنسان في الأرض كلها،
قال تعالى: ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (الحديد:25) .
والنتيجة لهذا كله أن نظام الدولة القانونية بالصيغة الإسلامية يفضي بصورة طبيعية وحتمية إلى حماية حقوق الإنسان وصيانتها، من غير أن تواجهها أو تلازمها المعضلات التي تلازم الدولة القانونية بالصيغة الوضعية، والتي سبق شرحها.
والآن وقد انتهينا من بيان الصيغتين الإسلامية والوضعية لنظام الدولة القانونية، التي هـدفها الأساس حماية حقوق الإنسان. نأتي للكلام عن منهجية تفعيل حقوق الإنسان، تلك المنهجية الموجودة في دولة الإسلام، المفقودة في نظام الدولة القانونية بالصيغة الوضعية. [ ص: 94 ]