المبحث الثاني: التجديد في الموضوع الفقهي
لقد كان لاستحكام التقليد وظهور دعوى غلق باب الاجتهاد الأثر البالغ في حركة نمو الفقه الإسلامي عموما، لكن درجة التأثير اختلفت باختلاف الموضوعات الفقهية. فقد استمر فقـه الفرد -عبادات، معاملات- على ما أصابه من جمود ضمن الممارسة اليومية للمسلمين، واستمر الوعي به، وتدريسه للمتعلمين، في حين أن فقه الدولة (اقتصاد، وسياسة، وإدارة... إلخ) ضعف وعي المسلمين به، وكان له شبه اختفاء في المناهج الدراسية [1] ، وأصبحت تصورات كثير من العلماء في عصر الإمام الشوكاني يحكمها إما: تبرير الواقع والخضوع له، أو رفضه واعتزاله.
أما الإمام الشوكاني فإن ممارسته للعمل السياسي، وتوليه لمنصب القضاء العام منحاه فرصة المشاركة في تخطيط وتنفيذ برامج الدولة السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، الأمر الذي جعل فكره الفقهي يتفتح على قضايا المجتمع العامة، ومن ثم ينعكس على إنتاجه الفقهي الذي لم يتوقف عند حد حفظ وشرح التراث السياسي والاقتصادي الموروث، بل تعداه إلى صياغة برامج ميدانية إصلاحية تسير [ ص: 207 ] على أساسها شئون الدولة العامة، وهذا البعد الجديد الذي أعطاه الشوكاني لفقهه جعله ينتقل من فقه الكتب إلى فقه البرامج والمؤسسات.