تنوع الأساليب
يجب تنوع الأساليب، فلكل طفل طبيعته الخاصـة واحتياجـاته، كما أنه يلزم في أحيان كثيرة استخدام الأساليب المختلفة في آن واحد، فقد يحتاج المعلم إلى أن يقوم بحل المسألة أمام الطفل لتكون أنموذجا له، وفي الوقت نفسه يحاول أن يحرك تفكير الطفل حول المسألة، وربما يحتاج إلى تعزيز سلوك الطفل إذا شارك في الحل، وهنا يكون المعلم قد اعتمد [ ص: 129 ] ثلاث نظريات تربوية مختلفة في مناسبة واحدة.. ومهما تنوعت الأساليب فيجب أن نعلم الطفل كيف يوظف الاستراتيجيات الفكرية، فهو يحاكي ذاته ويراقب سلوكه التعلمي ويقوم عمله، ومن الأهمية بمكان تناسب الأساليب مع طبيعة المواد وخصائص الطفل.
أما فيما يتعلق بالاستراتيجيات فيجب أن تكون ذات أساس صحيح مبني على تحليل بطبيعة تعلم أو عدم تعلم الطفل، ونقاط القوة لديـه، كما أنها ذات علاقة وطيدة بسبب المشكلة وطبيعة المادة والمرحلة الدراسية والأهداف المرسومة.. وتجدر الإشارة إلى حكمة يقال إن مصدرها "الصين" يقول فحواها: «إذا أعطيت الجائع سمكة فإنك تسد رمقه لوجبة واحدة، وإذا علمته كيف يصطاد فإنك تطعمه مدى حياته».
وهنا تأتي أهمية تحري الدقة في تعليم هـؤلاء الأطفال للوصول إلى رفع مستوياتهم في التعلم ومهارات الحياة، وربما تجدر الإشارة هـنا إلى صفات المعلم، الذي ينبغي أن يكون قادرا على تحقيق تلك الأهداف، فبجانب الإعداد العلمي النظري والعملي للمعلم المختص في تدريس مثل هـؤلاء الأطفال، يجب أن يحب العمل مع مثل هـؤلاء الأطفال الذين يتطلبون رعاية خاصة، تستوجب الكثير من الصبر والتعاون بينه وبين أولياء الأمور.
والحقيقة أن علاقة الأسرة بالمدرسة عامل مهم في إنجاح عملية تعليم [ ص: 130 ] تدريب الأسرة على مساندة الأطفال، فبالتدريب يتحول أداء الواجبات من معركة خاسرة ضحيتها عواطف الطفل وقلق أولياء الأمور وحيرتـهم، إلى تفاعل ممتع بيـن الأسرة والطفل يسوده تفهم لحالة الطفل من قبل المربي والشعور بالثقة وحب إنجاز العمل بالنسبة للطفل.
وفي واقع الأمر إن الوقت قد حان لمسح دموع أطفالنا وبعض أولياء أمورهم وفك أسر الحيرة التي يعيشها الطفل والأسرة والمعلم المهتم، فإن المسئولية لا تقع على عاتق فرد واحد أو مؤسسة معينة، وإنما العمل عمل فريق متكامل متكاتف، قوامه المؤسسات التربوية بمختلف تخصصاتها ومستوياتها بالتعاون مع أولياء الأمور، وعلى الجامعات أن تعد الكوادر البشرية المتخصصة في جميع مستويات التعليم للقيام بتعليم مثل هـؤلاء الأطفال، وذلك بجانب قيام وزارات التربية، والمعارف، والمؤسسات التربوية الأخرى بفتح صدورها لهؤلاء الأطفال ومعلميهم وإعطاؤهم الفرصة للنهوض بمستويات أبنائنا الأعزاء.. أما أولياء الأمور فعليهم مطالبة تلك المؤسسات بحقوق أبنائهم في التعليم الذي يتناسب مع احتياجاتهم وخصائصهم، لا سيما وأن لوائح التعليم تنص على عدم إغفال العناية بمثل هـؤلاء الأطفال وتؤكد على أحقيتهم في التعليم.
وقد تشكو أمهات كثيرات من أن أطفالهن لا يجيدون تكوين الصداقات مع الأطفال أقرانهم، ويفضلون اللعب بمفردهم، وقد يصـل [ ص: 131 ] الأمر ببعضهم إلى حد الغلظة والفظاظة في الرد على مبادرات الآخرين، كما تشكو بعض الأمهات من افتقاد أطفالهن إلى الحس المرهف الذي يجعلهم يراعون مشاعر الآخرين، فلا يختارون كلماتهم بعناية أو يحرجون زملاءهم بدون قصد ويتعاملون بخشونة وأنانية وعدوانية دون أي مراعاة لشعورهم. وتتساءل الأمهات في قلق: لماذا يتصرف أطفالهن بهذه الطريقة؟
يقول المتخصصون: إن الطفل لا يولد متعلما المهارات الاجتماعية اللازمة للتعامل مع الآخرين، فتكوين الصـداقات يحتاج إلى مهارات لا يكتسبها معظم الأطفال بطريقة طبيعية، وحين يتصرفون بهذه الطريقة الفظة مع أطفال آخرين، فإنهم لا يقصدون ذلك، كل ما في الأمر أن الذكاء الاجتماعي لديهم لم ينم بالقدر الكافي بعد. ويقول د. «مايكل شوارتزمان» ، أستاذ علم نفس الأطفال والمراهقين في جامعة كولومبيا: إن الطفل يحتاج -لكي يكون صداقات متينة- إلى أن يتعلم بعض المهارات الاجتماعية التي تعده للتعامل مع الآخرين، وأهمها القدرة على الاستماع وفن التفاوض، والتوصل إلى حل وسط في أي خلاف، ثم نأتي إلى مرحلة النظر إلى المواقف من وجهة نظر الآخرين، حتى يمكن رؤية الأمور والحكم عليها بموضوعية. ويضيف د. «شوارتزمان» قائلا: إن بعض الأطفال يولدون ولديهم موهبة تكوين الصداقات بمفردهم، مثلما يولد آخرون ولديهم موهبة [ ص: 132 ]
طبيعية للرسـم أو ممارسـة الرياضات ونحو ذلك، أما الأطفال الذين يفتقدون هـذه المهارات، فمن السهل جدا على الأم تعليمهم لها وغرسها في نفوسهم .. كما يقدم لنا بعض الخطوات التي تساعد على ذلك، مثل:
- عدم توقع الكثير: تنوع الأساليب
فمعظم الأطفال يمكنهم أن يتصرفوا كالكبار في لحظة، ثم يعـودوا إلى طفولتهم من جـديد في اللحظة التالية، لذلك لا تقلقي -عزيزتي الأم- من كل خطأ يبدر من طفلك وتفادي الضغط عليه لكي يتبنى مهارات تفوق نضجه السني والنفسي والعاطفي، فهذا لا يساعد إلا على تضاؤل ثقته بنفسه.
وتقول د. «ليان دوماش» مؤلفة كتاب «كيف تنمين مهارات طفلك الاجتماعية»: إن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6و7 سنوات، يكونون الصداقات عادة عن طريق الاشتراك في الألعاب المختلفة ولا يهتمون كثيرا بالمشاعر، وفي المرحلة من 8- 10 سنوات يكون الأطفال عادة أقل أنانية ولديهم القدرة على تفهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم، ولكنهم لا يزالون يتميزون بالقسوة والغلظة في التعامـل ولا يجـيدون فن التفاوض والوصـول إلى حل وسط لحل خلافاتـهم؛ أما ابتداء من سن 12 سنة فيستطيع الطفل أن ينظر إلى الأمور من وجهة نظر الآخرين، ويمكنه أن يتجاوز عن أخطائهم ويتعاطف معهم. [ ص: 133 ]
- احترام أسلوبه في المعاملة:
فالمعروف أن بعض الأطفال يكونون غير مستعدين للتكيف الاجتماعي السريع، فإذا كنت تلاحظين أن طفلك تظهر عليه إمارات القلق في وسط مجموعة كبيرة من الناس، ولا يحبذ الوجود في المناسبات العامة، فاحترمي رغبته هـذه لأنك إذا ضغطت عليه ووجد نفسه مفروضا على مجتمع لا يشعر فيه بالراحة فإنه سينـزوي وينطوي على نفسه أكثر. ويمكن للأم في هـذه الحالة أن تحاول إنشاء علاقة ما بين طفلها الخجول وطفل آخر أو اثنين على الأكثر، وعندما يتعود الطفل على هـذا الوضع، ويبدأ في الاسترخاء، وتزداد ثقته بنفسه، يستطيع مواجهة عدد أكبر دون إحساس بالحرج.
- تحليل مشاعره:
عن طريق اختيار كتاب، أو برنامج تليفزيوني يحبه الطفل، وابدئي بالحديث معه عن الشخصيات التي يراها، واسأليه عن رأيه في الأسباب التي تدعو أحدهم إلى البكاء مثلا.. أو لماذا يكذب الآخر... وما الذي يدفع الثالث إلى الهرب.. فهذا يساعد الطفل على التفكير في الدوافع التي تحرك الآخرين، وتدربه على النظر لكي يستطيع فهم دوافعهم.
- توسيع دائرة لغة المشاعر: فإذا لاحظت أن طفلك يسيء معاملة الأخرين أو أن ابنتك تدفع إحدى الفتيات عمدا أثناء اللعب فأسأليها: لماذا فعلت ذلك؟ هل لأنها تغار منها لأنها محبوبة أو اجتماعية .. وهكذا .. [ ص: 134 ] فالطفل يحتاج إلى أن يكون قادرا على التعبير عن مشاعره الداخلية قبل أن يتجاوب مع الآخرين.. وعندما نطلق على الأشياء والمشاعر أسماءها الحقيقية فإننا نساعد الطفل على تفهم أسباب ردود فعله، وبالتالي ردود فعل الآخرين.
- ساعديه على قراءة الوجوه، فالذكاء الاجتماعي يعني سرعة فهم التعبيرات والتلميحات.. فيمكن أن تتصفحي كتابا أو مجلة مصورة، ثم تطلبي منه أن يفسر لك تعبيرات الناس التي يراها في الصور، فالهدف هـو أن يتوصل طفلك في النهاية إلى التقاط الرسائل غير الشفهية.
- علمي نفسك فن التفاوض.. فإذا لاحظت أن طفلتك الصغيرة تتشاجر مع صديقة لها تريد أن تأخذ منها سوارها، فاقترحي عليهما أن ترتديه إحداهما حتى وقت الغداء، وترتديه الأخرى حتى وقت العشاء.. وهكذا بالنسبة لبقية اللعب والأشياء التي يتشاجر عليها الأطفال عادة، إذا ما اجتمعوا في مكان واحد.. فالطفل يحتاج إلى أن يتعلم أن هـناك اختيارات في الحياة، وعليه أن يعرف كيف يختار منها ما يناسبه.
- الاعتراف بإنجازاته: فلا تقصري ثناءك على الدرجات الدراسية المرتفعة، فإذا شعرت أن طفلك أجاد اللعب مع صديقه، وامضيا الساعات الطويلة دون خلافات أو مشاجرات، أو إذا شاهدته يعتذر عن خطأ [ ص: 135 ] ارتكبه دون قصد أو يتنازل عن شيء يخصه لإسعاد آخر، فبادري بتهنئته على سلوكه هـذا الذي يستحق الثناء والإعجاب والتقدير.
وعلى الرغم من الجهود المضنية والحثيثة لعلماء النفس وطبها عبر 100 عام تقريبا، لوضع تعريـف عام مقبول للذكاء، إلا أنهم حتى الآن لم ينجحوا في ذلك، فإذا ما ربطنا بين درجات الذكاء ودرجات الإنجاز المدرسي، فسوف نحصل على معامل ترابط إيجابي تبلغ قيمته حجما متوسطا على الأقل، وحتى الآن لم يتمكن علماء النفس من قياس النجاح في المدرسة والتنبؤ به بأفضل من استخدام اختبارات الذكاء لهذا الأمر، ومن هـنا يمكن تعريف الذكاء، على الأقل في جانب كبير منه، بأنه القدرة على التعلم المدرسي.. وعندما تم تكليف «بينيه» في عام 1905م، لوضع طريقة للتمكن من فرز الطلاب الضعاف في المدارس الفرنسية من أجل وضعهم في صفوف خاصة، تم تصميم اختبارات الذكاء للتنبؤ بمستوى النجاح في المدرسة.
أما «شتيرن» فقد عرف الذكاء بأنه: القدرة على التلاؤم الذهني مع المهمات والظروف الجديدة للحياة.
أما «فيكسلر» فقد اعتبر أن الذكاء هـو: القدرة العامة للفرد على التصرف الهادف والتفكير المنطقي مع البيئة بنجاح.
وعرفه «هوفشتيتر» من وجهة النظر المعلوماتية بأنه: القدرة على إيجاد التنسيق والنظام في التتابع و التجانب العشوائي للأحداث. [ ص: 136 ] ومن خلال هـذه المجموعات الأربع من تعريفات الذكاء يمكننا استنتاج النقاط التالية في تعريف الذكاء:
أولا: الذكاء عبارة عن موهبة (أو مجموعة من المواهب) التي يمكن أن تمتلكها المخلوقات الحية بمقادير مختلفة.
ثانيا: الذكاء هـو القدرة على حل المشكلات الملموسة والمجردة والتغلب على المواقف الجديدة.
ثالثا: الذكاء هـو القدرة على تحديد وتفسير وإنشاء العلاقات بين معاني الأشياء أو جوهرها.
فالمقصود بالذكاء بشكل عام: القدرة على إظهار إنجازات أو قدرات ومهارات معينة، وتعد هـذه الإنجازات ضرورية خصوصا عندما يتعلق الأمر بمواجهة المواقف الحياتية والمتطلبات والمشكلات والصعوبات الجديدة إلى حد ما، أي التي لا يعرف الإنسان لها حلا مسبقا كان قد تعلمه، ويمكن لهذا الإنجاز أو القدرة أو المهارة أن تكون حلا لمسألة رياضيات مثلا، أو إعراب جملة، أو اتخاذ القرار السريع والصحيح في موقف خطر أو التنظيم الفعال لمتطلبات العمل أو للإدارة المنـزلية.
وباختصار، فإن الذكاء أو درجة الذكاء تنعكس في جميع مواقف الحياة اليومية. ويشتمل الذكاء على مجالات القدرة على التفكير، [ ص: 137 ] والتركيب، والفطنة، وقدرات الذاكرة، كما يعتبر الإبداع والمهارات الاجتماعية، والقدرة على التغلب على المشكلات النفسية من النواحي الأساسية في الذكاء.
وهناك أبحاث في ميدان الذكاء تهتم بشكل أساس بالبنى المختلفة المكونة للذكاء وتبحث في المركبات المختلفة له، ومثل هـذا النوع من الأبحاث يتيح لنا إمكانية التنبؤ بالذكاء في سن الرشد وفهمه.. وفي هـذا المجال تقود محاولات تفسير الترابطات، التي يتم استنتاجها بين اختبارات فرعية محددة لاختبار ذكاء ما، إلى وضع فرضيات حول البنى التي يقوم عليها الذكاء، ومن أشهر النظريات القائمة على هـذا النوع من الدراسات نظرية العاملين «لسبيرمان» ، التي تقول:
إن الإنجازات الذكائية تقـوم على عامل ذكاء عام وعامل ذكاء خاص يقوم على قدرة خاصة في مجال معين، وقد تمكن «ثور ستون» من عزل 7 عوامل أساسية مختلفة تتضمن: فهم اللغة، وطلاقة الكلمات، والمرونة الحسابية، والتفكير المكاني، وسرعة الإدراك، والقدرة على الانتباه، والتفكير الاستنتاجي.
ومثل هـذا التنوع في الرؤى المختلفة للذكاء، غالبا ما قاد إلى التخلي في -تشخيص الذكاء- عن إعطاء قيمة عامة للذكاء، وبدلا من ذلك كان السعي أكثر باتجاه إعطاء قيم مستقلة عن بعضها تختص أو تقتصر [ ص: 138 ] على بعد واحد من أبعاد الذكاء، التي يمكن ربطها من خلال «بروفيل» عام للذكاء، يتيح لنا إمكانية التكهن ببنية الذكاء وتطـوره عند الطفـل أو اليافع.وفي مثل هـذا النوع من الأبحاث، يتم التفريق بين ما يسمى بالذكاء السائل أو الذكاء البيولوجي والذكاء البللوري أو الذكاء المرتبط بالثقافة، وقد تمكن «جويلفورد» من عزل حوالي 120 عاملا أوليا.
وتشتمل القدرات البللورية على الطلاقة اللغوية، ومحتويات التعلم المدرسية، ومعرفة الحقائق العامة، في حين أن الذكاء السائل يحتـوي على القدرة على التجريد إضـافة للقدرة على بناء المفاهيم أو التفكير الاستنتاجي ووجوه الذاكرة القصيرة الأمد (أي الذاكرة الراهنة) .
وتتناقص إنجازات الذكاء السائل مع التقدم في السن بشكل منتظم، في حين أن الذكاء البللوري يزداد مع التقدم في السن بل ويمكن تدريبه وتنميته، فالذكاء ينمو خلال السنوات العشر الأولى من العمر بشكل مطرد، الأمر الذي يمكن قياسه من خلال اختبارات الذكاء المخصصة لهذا الغرض، وهذه الاختبارات تطرح مسائل أو مهمات تتناسب مع سن الشخص الذي نريد قياس ذكائه، تتضمن أسئلة في المعرفة العامة، ومسائل رياضية وترتيب أشكال معينة وفق طريقة معينة.. الخ، وتوجد اختبارات خاصة بالأطفال وأخرى بالراشـدين، كما توجد اختبارات لفظية، واختبارات غير لفظية أي لا تستخدم اللغة وإنما الرسم وترتيب أشياء [ ص: 139 ] معينة ضمن تسلسل معين.. الخ، وفي العقد الثاني من الحياة يتباطأ هـذا الارتفاع ويبلغ الذكاء ذروته بين سن 18 و20 عاما.
وتتحدد شدة الذكاء أو مقداره بشكل مبكر نسبيا عند الإنسان، فكثير من الباحثين يقدرون أنه في سن الخامسة من العمر يكون قد تحدد نصف الذكاء الفردي، وفي الثامنة 80% منه، غير أنه خلال الأشهر الثمانـية عشـر الأولـى من العمر لا يمـكن التنبؤ بما ستكون عليه درجة الذكاء اللاحق عند الطفل من خلال إنجازات التعلم، الأمـر الذي لا يعني أنه لا يمكن تنمية الذكاء منذ البدء، بل على العكس فكلما بدأ الإنسان بشكل مبكر في تنمية الذكاء وبشكل يتناسب مع العمر كان ذلك أفضل.
وللوراثة والتأثيرات الخارجية، كالتغذية الصحية الجيدة، دورها في تنمية الذكاء، من هـنا يمكننا تنمية الذكاء إلى حد ما، فعندما يمنح الإنسان أطفاله العطف والحنان والدفء الانفعالي ويقدم لهم مثيرات متنوعة، وينمي حاجاتهم للنشاط، ويعترف بإنجازاتهم ولو كانت بسيطة، ويشجعهم على الاتصال الاجتماعي، ويهتم بتغذيتهم الغذاء الصحي السليم منذ الطفولة بل منذ الإرضاع، فيحرص على الرضاعة الطبيعية لهم، فإن ذلك يؤثر إيجابيا على الذكاء ونموه.. وتشير الدراسات النفسية إلى أن الأطفال والمراهقين الذين ينقصهم مثل هـذا المحيط الإيجابي يكون مستوى ذكائهم أقل، وبشكل واضح، من الأطفال الآخرين من الفئة العمرية نفسها. [ ص: 140 ] ولقد كشفت دراسات طبية حديثة أن وزن الطفل عند الولادة يؤثر في قدراته الذهنية ونسبة ذكائه واستيعابه وأدائه التعليمي في مراحل حياته اللاحقة.. ويرى الباحثون في المجلس الطبي للبحوث بجامعة لندن، أن الأطفال الأقل وزنا أقل حظا من حيث القدرة على التحصيل العلمي الذي قد يستمر تأثيـره حتى مراحل سن البلوغ، مشيرين إلى أن الطفـل الذي لا يصل إلى وزنه الولادي الكامل قد لا يصل إلى تطور ذهني لكل دماغه.
وقام هـؤلاء العلماء باختبار العلاقة بين وزن الولادة والصحة الذهنية عند 3900 طفل ممن ولدوا عام 1964م، كجزء من مشروع المسح الوطني للصحة و التنمية، حيث خضع هـؤلاء لفحوصات ذهنية متعددة في سن الثماني والحادية عشرة والسادسة والعشرين والثالثة والأربعين، وركزت الاختبارات والفحوصات الطبية خلال فترة الطفولة على قدرات القراءة والتعليل المنطقي غير اللفظي والمهارات الحسـابية والرياضـية، بينما اعتمدت الفحوصات في فترة البلوغ والشباب على قياس قدرة الذاكرة وسعتها وعمقها والتركيز والسرعة الذهنية، كما فحص الباحثون الارتباط بين أوزان المواليد وذكائهم وقدرتهم على التحصيل العلمي.
وجد الباحثون أن الأطفال الأكثر وزنا حققوا نجاحات أفضل في الاختبارات الذهنية حتى سن السادسة والعشرين، وحصلوا على علامات أعلى ومؤهلات أكاديمية أفضل، مشيرين إلى أن هـذا التأثير الإيجابي بقي [ ص: 141 ] ساريا حتى مع الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الناجمة عن عوامل أخرى مثل جنس الطفل ووضعه الاجتماعي.
وفي البحث، الذي نشرته المجلة الطبية البريطانية، تبين أن هـذه العلاقة بين الوزن والقدرة الذهنية تضعف مع مرور الزمن والتقدم في السن، حسبما أظهرت اختبارات الأطفال الذين كبروا وأصبحوا بالغين في سن الثالثة والأربعين.. ونوه الباحثون بأن هـناك عوامل معينة أخرى مثل غذاء الأم، والتدخين، وشرب الكحول، تنطوي على آثار سيئة على الوزن الولادي، ولكن الارتباط بين هـذه العوامل ونمو القدرة العقلية لم يتضح بعد، وإن كان من غير المستبعد وجود الآثارالسلبية.
من ناحية أخرى فإن هـناك حقيقة علمية تؤكدها كل الدراسات وهي أنه كلما ارتفع المستوي الاجتماعي للأسرة زادت المعاناة وانخفض المسـتوي الصحي والبنيان الجسـماني للأبناء، وقد يكون السـبب، كما يقول علماء النفس والتغذية، هـو كثرة ما تحاول الأم إطعامه لطفلها رغـما عنه، في الوقت الذي تشـعر فيه أن طـفلها لم يتناول من الطعام ما يسد احتياجاته، ورمقه، على الرغم من توافر الطعام الشهي، نتيجة ارتفاع مستوى دخل الأسرة.
وقد تثور الأم وتفقد سيطرتها على أعصابها لعدم معرفتها بمتطلبات طفلها الغذائية، فهو يلعب ويلهو ويرفض الطعام وتحاول الأم إيجاد البدائل [ ص: 142 ] الغذائية التي تعوض الصغير عن امتناعه تناول الطعام، بل إنها قد تلاحقه من مكان لآخر، وهو يجري ويلعب دون مبالاة من أجل إطعامه ملعـقة أو اثنتين من الخضـراوات، أو الأرز، أو قطعة لحم تمده بالبـروتينات أو حتى كوبا من اللبن يوفر له الكالسيوم اللازم لنمو عظامه، دون جدوى، وهنا قد تلجأ الأم إلى تقديم الحلوى والشيكولاتة للصغير لتعويضه عن نقص التغذية، وهذا خطأ لا يغتفر لكل أم، إذ إنـها بذلك لا تعوضه عن عدم تناول الطعام المغذي، وبالتالي يصبح عرضة للإصابة بالأمراض بسبب ضعف الجسم، وعدم قدرته على المقاومة، إنها شكوى تعاني منها كل الأمهات، مما استدعى إجراء كثير من الدراسـات والأبحاث العلمية.
ففي دراسة حديثة، توصلت عالمة التغذية الأمريكية د. «جودي شيلد» إلى بعض الأساليب البسـيطة التي يمكن أن ترتكز إليها كل أم لإقناع طفلها بتناول أكبر قدر ممكن من الطعام الصحي المفيد بأقل جهد ممكن، خاصة خلال فترة الدراسة التي تتطلب قوة في التركيز والنشاط والحيوية.. وتتلخص نتائج هـذه الدراسة فيما يأتي:-
- قدمي لطفلك كمية قليلة من الطعام مقسمة على أجزاء صغيرة تتناسب وحجم فمه الصغير؛ لأن الكمية الكبيرة تجعل الطفل يرفض تناول الطعام. [ ص: 143 ] - حاولي أن تكون الوجبة متعددة الألوان، كأن يكون فيها اللون الأخضر متمثلا في البازلاء أو الفاصوليا الخضراء، واللون البرتقالي متمثلا في الجزر، بالإضافة إلى طبق السلطة المتنوع الألوان، وإضافة شريحة صغيرة من لحم الدجاج أو البتلو، وهناك أيضا الهامبرجر الذي يمكنك إعداده في المنـزل، فهو محبوب للصغار بصفة خاصة، كما يجب أن يكون هـناك اعتناء بما يتعلق بتجميل الطبق، وأن تتفهم الأم أن الطفل يهتم بهذا الجانب.
- اجعلي من فترة تناول الطعام وقتا ممتعا بالنسبة للصغير، وخصصي له مقعدا يناسبه، حجما وطولا، على أن يكون هـذا المقعد إلى جوارك في السفرة، ولا تقدمي له الطعام على منضدة منفصلة خاصة به أو في حجرة أخرى.
- لا ترغمي طفلك مطلقا على تناول كل ما في الطبق، وبدلا عن ذلك شجعيه على أن يتذوق كل النوعيات، فقد يكتشف الطفل أنه يفضل نوعا معينا من الطعام، وهكذا تفاجأ الأم أنه يتناول منه أكثر مما تتوقع.
- لا تقدمي لطفلك كوبا من اللبن قبل وجبة الغداء مباشرة، إذ أن ذلك سوف يشعره بالامتلاء، ومن ثم يفقد الشهية لتناول الطعام.
إذا كان طفلك متقدما بعض الشيء في العمر، حاولي أن تشركيه في إعداد الطعام.
- لا تستخدمي الطعام كنوع من المكافأة، فإذا قدمت لطفلك مثلا "آيس كريم" لأنه تناول طبق الفاصوليا الخضراء، فإنك بذلك تدعمين فكرة [ ص: 144 ] أن بعض نوعيات الطعام مثل الآيس كريم أفضل من الخضراوات مثلا.
- كوني نموذجا طيبا لطفلك يحتذي به، فقد أكدت الأبحاث أن الطعام الذي يفضله الوالدان يكون أيضا مفضلا لدى الأبناء، خاصة تلك النوعيات التي يقبل عليها الأب، لذلك فإنه من المطلوب أن يتناول الآباء الخضراوات حتى يقبل عليها الأبناء، وليس من المعقول أن يطلب الوالدان من الأبناء تجنب الشيكولاتة، والحلوى في الوقت الذي يقبلان هـما على تناولها بنهم وشهية.
وبين الوجبات كثيرا ما يطلب الصغير بعض نوعيات من الطعام، وقد تلجأ الأم إلى إعطاء طفلها الحلوى كنوع من أنواع التغذية، وقد يكون الغرض مده بما يحبه، من هـنا يعتاد الطفل على تناول مثل هـذه النوعيات من الوجبات الخفيفة طوال حياته، وتصبح عادة ملازمة له.
ونقدم هـنا نماذج لبعض الوجبات الخفيفة المغذية التي تساعد في الوقت نفسه على تنشيط المخ وتنمية ذكاء الطفل، ويمكن تقديمها للطفل بدلا عن الحلوى أو الشـيكولاتة، وهي وجـبات اختارها د. «هانز فيشر» رئيس قسم التغذية في جامعة "روتجرز" الأمريكية.
- زبادي قليل الدسم بالفواكه: هـذه الوجبة الخفيفة مناسبة لطفلك إلى حد كبير؛ لأنها تحتوي على الكالسيوم الذي يحتاجه الأطفال لنمو العظام وتكوين الأسنان، وهي أيضا تفيده في تنشيط عملية الهضم، علاوة على أنها غنية بالفيتامينات والبروتينات . [ ص: 145 ]
- الفواكه الجافة: بعض الأطـفال قد لا يرغبون في تناول التفاح أو البرتقال، وفي هـذه الحالة يمكنهم الحصول على فائدة هـذه النوعيات وغيـرها من الفواكه عن طريق تـناول شـرائح التـفاح أو الأناناس أو البرقوق أو الخوخ أو الكمثرى المجففة ونحو ذلك، هـذا إلى جانب الزبيب الذي يقبل على تناوله الأطفال، فهو مفيد بصفـة خاصـة؛ لأنه يحتوي على الحديد والألياف والبوتاسيوم والفوسفور، وكلها عناصر مغذية يحتاجها الجسم.
- هـناك أيضا الجيلي بالفواكه، مثل الموز والعنب والتفاح، فهو من الأطباق المحببة والمغذية للصغار.
- زبد الفول السوداني: تقدم على أوراق الخس وأعواد الكرفس، علما بأن زبد الفول السوداني مصدر جيد للبروتين وتحتوي على دهون مشبعة وتفيد في منع الإصابة بأمراض القلب عند الكبر.
- الفواكه الطازجة بأنواعها، والعصائر الطازجة المستخرجة منها.
- الجزر والخيار والخس: يمكن للأم إعداد طبق من هـذه الخضراوات بعد غسلها جيدا، وتقطيع كل نوع إلى شرائح، ووضع هـذا الطبق في متناول يد الطفل ليتناول منه ما يريد وقتما يريد.
- الاهتمام بتناول جميع أنواع الأسماك، في أشكال طهيها المختلفة، فهي غنية بالفوسفور الذي ينمي الذكاء ويسرع بتنشيط المخ. [ ص: 146 ]