5- الحق في الشورى
من القواعد الأساس في الشريعة الإسلامية الحق في الشورى لكل أفراد المجتمع الإسلامي، انطلاقا من قوله تعالى:
( وأمرهم شورى بينهم ) (الشورى:38) ،
وقوله تعالى في آية أخرى: ( وشاورهم في الأمر ) (آل عمران:159) .
من هـنا كان من الحقوق المهمة التي يجب على الرجل أن يعيها قبل المرأة حقها في أن يكون لها رأي وموقف وقرار في مختلف شئون الحياة، وبخاصة في شئون منـزلها وأطفالها، لأن الاستبداد بالرأي واتخاذ القرار وعدم استشارة المرأة في مختلف الأمور يشعرها بالغبن والظلم، وهو شعور قد يؤدي بها إلى عدم الثقة بنفسها، أو إلى ردة فعل غير مسئولة تضرها وتضر أسرتها ومجتمعها. وهذا الحق من ضروريات الحياة الكريمة، الداعية إلى الشعور بالحرية، والمولدة لحب الانتماء والإخلاص في القلوب والعقول. [ ص: 75 ]
ولا شك أن من أسباب الظلم التي نراها في مجتمعاتنا تنتج عن غياب ممارسة حق الشورى، واستبداد فئة معينة في إصدار القرارات والأحكام دون الرجوع إلى أهل العلم والتقوى لاستشارتهم، وربما كان غياب هـذا الحق في المجتمع هـو الذي يؤثر على استبداد الرجل في بيته ليعوض به استبداد حكامه في زمن تكاد تغيب فيه الحريات العامة فبالأحرى الشورى. وأبرز مظهر لغياب الشورى من البيت غياب الحوار الأسري، أي أن التواصل بين الزوجين وبين الوالدين وأبنائهما يقوم غالبا على الأوامر والنواهي فقط، دون إحلال الحوار والتفاهم والمشاركة وإبداء الرأي بينهم، وهذه آفة خطيرة تجعل الحياة مملة وصعبة، كما تؤدي إلى التمرد الضار أو التعود على الاستسلامالمخزي، وانطلاقا من أهمية هـذا الحق نرى ضرورة التأكيد عليه، لأن غيابه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، سواء في نفسية المرأة أو في عواطفها، التي قد تتقلص أو تنقلب، أو في مستوى أدائها لرسالتها ووظائفها الأسرية والاجتماعية.
وإذا كانت المرأة مطالبة بمعرفة حقوقها التي عرضناها، فمن باب أولى أن تعرف واجباتها وتلتزم بها وتؤديها حق أدائها، سواء كانت تجاه زوجها أو أسرتها أو مجتمعها، ومن ألزم واجباتها: الأمر بالمعروف [ ص: 76 ] والنهي عن المنكر، في نطاق ما تسمح به إمكانياتها وعلاقاتها، وضمن إخلاص النية لله، وتليين القول مع الناس، والرفق في بيان أهمية الرجوع إلى الله تعالى والاغتراف من نوره والاهتداء بهدي قرآنه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون الجنوح إلى القسوة أو التعالي،
يقول تعالى: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) (الفتح:29) ،
وربما كان اتخاذها من نفسها نموذجا لما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة أبلغ تأثير من كثير من الكلام، ولا شك أن أي إنسان يؤثر في غيره بمقدار صدقه وإخلاصه وتقواه وصلاحه، أي بمدى تخلقه بما يدعو إليه، وكلنا نعلم أن الإسـلام هـو التخلق بأخـلاق القرآن، والعمل ما أمكن في جعله يمشي بين الناس، اقتداء بقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن أبرز واجباتها تجاه أسرتها: رعايتها لها، وحضانة أطفالها، وتربيتهم تربية إسلامية، ( فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «...والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم )
[1] ، وفي حديث نبوي آخر: ( ...والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة ... )
[2] .. [ ص: 77 ] كما أن من أهم واجباتها تجاه زوجها طاعته بالمعروف، وحفظه في نفسه وماله وولده، وتهيئتها لفضاء التساكن والمودة والرحمة بينها وبينه، فلا يرى فيها إلا ما يسره وما يعينه على تحمل مشقات الحياة وقسوتها، ولا يسمع منها إلا ما يزيده شكرا لله على نعمة الزوجة الصالحة.. وكثيـرة هـي واجبات المرأة ومتنوعة بتنوع الحياة نفسها، لا مجال لذكرها هـنا.
ولنا بعد هـذا العرض السريع لمجمل حقوقها وواجباتها أن نتساءل عن طبيعة وجودها الآن في عصرنا، وعن مكانتها الأسرية والاجتماعية والسياسية والحضارية بصفة عامة، ومدى تمتعها بحقوقها التي منحها الله لها، وأن نعلن أنها بعيدة كل البعد عن وضعيتها التي وضع أسسها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وطبقتها نساء العهد النبوي والعهد الراشدي، وأن هـذه الوضعية أخذت في الانحدار إلى أن قامت بعض الدعوات المخلصة، أو المغرضة، لإخراج المرأة من أتون التخلف لتقذف في مستنقعات التغريب. وسوف نحاول، إن شاء الله، قراءة الواقع الذي تعيش تحت وطأته المرأة في عصرنا الراهن، والمفاهيم التي تحكمه وتشكله. [ ص: 78 ]